علاجات مرة لأمراض الاقتصاد التركي

في ظل غليان المخاوف من الانهيار الشامل للاقتصاد التركي، تتزايد بشكل كبير أهمية وتأثير تقييمات المؤسسات المالية العالمية ووكالات التصنيف الائتماني، التي لديها القدرة على تحديد بوصلة الأسواق والمستثمرين.
ويتضح ذلك في الضربة الموجعة التي تلقاها الاقتصاد التركي، حين قامت وكالة موديز في وقت سابق من الشهر الحالي بخفض التصنيف الائتماني التركي إلى درجة عالية المخاطر.
قرار وكالة موديز استند إلى أن “الإجراءات الحكومية، بما في ذلك الإجراءات التي تستهدف تعزيز النظام المصرفي، ما زالت تركز على أولويات المدى القريب لدعم النشاط الاقتصادي وتهمل العلاجات الهيكلية على المدى البعيد”.
وتقول موديز إن السياسات تؤدي إلى تآكل المرونة الكامنة للاقتصاد ونظامه المصرفي في مواجهة الصدمات الخارجية وتزيد هشاشته وضعفه في مواجهة التحولات المفاجئة في معنويات السوق.
وتطرقت الوكالة أيضا إلى مؤشرات ضعف القوة الشرائية للبنوك التركية وخطر قيام الحكومة بفرض ضوابط على حركة رأس المال.
ويرى فؤاد إرجان الخبير الاقتصادي في جامعة مرمرة ضرورة أن تعترف تركيا بأنها تواجه “أزمة على شكل حرف أل” باللغة الإنكليزية، في إشارة إلى أزمة اقتصادية تتسم بانخفاض حاد يتبعه انتعاش بطيء قد يستغرق نحو عامين للعودة إلى النمو.
ويضيف أن حدوث ذلك النوع من الأزمة أصبح الآن أكثر ترجيحا من أحد أشكال التعافي الأسرع بسبب اتساع سوق رأس المال الذي تنطوي عليه الأزمة وافتقار الحكومة إلى القدرة على المناورة.
ويؤكد الأكاديمي الاقتصادي أنه من الطبيعي أن تتناول وكالة موديز اقتصاد بلد أصبح بؤرة للتكهنات والمخاوف مع ظهور مؤشرات متزايدة على ضعف الاقتصاد.
ويوضع إرجان أن مشكلة الاقتصاد التركي معقدة، فهو “لم ينتقل إلى فائض القيمة النسبية في العلاقات الرأسمالية، رغم انضمامه إلى النظام الرأسمالي العالمي”.
ويشير إلى أن الاقتصاد يحقق قيمة مضافة من وقت لآخر بالاعتماد على رؤوس أموال محلية وأجنبية وهو ما يزيد التناقضات بين مصالح مصادر رأس المال الخاصة ومصالح ورأس المال الدولي المتزايدة في تركيا.
ويرى أن المشكلات تفاقمت بسبب السياسات قصيرة الأجل التي طبقتها الحكومة التي شاركت في حملات انتخابية شبه متواصلة منذ عام 2014، وهو وضع لم يتسبب في حدوث عجز حكومي كبير فحسب، بل أدى أيضا إلى اهتزاز توقعات الأسواق الدولية.
ويتفق مراد دميروز، الخبير الاقتصادي في جامعة إسطنبول مع ذلك الرأي. ويرى أن الأزمات مرتبطة بما هو أبعد من الآليات الداخلية.
ويؤكد أن تركيز الحكومة على محاولة الفوز بأصوات الناخبين في الانتخابات المحلية التي أجريت في مارس الماضي وفي إعادة انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول في يونيو قد أعاق محاولات إعادة الاقتصاد إلى المسار الصحيح.
لكنه يعتقد أن الأزمة وفرص الانتعاش المستقبلية سوف يتخذان شكل “حرف يو” الإنكليزي، أي تراجع حاد ثم ركود يتبعه انتعاش تدريجي بعد عامين على الأقل.
وقال دميروز إن ذلك المسار يمكن أن يبدأ من خلال تنفيذ إصلاحات هيكلية واستراتيجية للتنمية الوطنية تتضمن الاستثمار في قطاع الصناعات التحويلية وإعادة تأميم الشركات التي تم تخصيصها والاستثمار في تطوير الزراعة في البلاد.
أما كونييت أكمان، وهو خبير اقتصادي ومحلل تركي آخر، فيرى أن جبل الديون المعدومة المتراكمة من قطاعي الطاقة والبناء في تركيا سوف يكون عقبة حاسمة بحاجة للتغلب عليها قبل أن تتمكن البلاد من التغلب على مشاكلها الاقتصادية.
وتشير البيانات إلى أن آلاف شركات المقاولات التركية تقدمت بطلبات للحماية من الإفلاس خلال العام الماضي، وهو العام الذي واجهت فيه تركيا أزمة عملة خطيرة، فقدت الليرة خلالها أكثر من 30 بالمئة من قيمتها.
وأعلنت وزارة الخزانة والمالية التركية هذا العام عن خطط لإنشاء صندوق لمساعدة قطاع الطاقة في البلاد على التعامل مع ما يقدر بنحو 51 مليار دولار من الديون.
ويرى أكمان أنه “بالنسبة لبلد يعاني من التضخم ولا يملك خططا واضحة أو سوقا لرأسمال متطور ولا أيّ استراتيجية للنمو باستثناء البحث عن تدفقات رأس المال الأجنبي، فإنه ليس هناك ما يمكن القيام به لتعزيز النمو سوى دفن الأموال في الخرسانة” في إشارة إلى الاندفاع الخطير في مشاريع البناء، التي كانت السبب الرئيسي للأزمة المالية.
ويؤكد أن تركيا إذا لم تتخذ خطوات جادة لحل نقاط الضعف الهيكلية، فلن تكون أمامها خيارات سوى تكرار أخطائها مجددا بمجرد أن تتعافى من الأزمة الحالية.
ومع ذلك، يعتقد أكمان أن التنبؤات حول الطبيعة الدقيقة لأزمة تركيا لا تستند إلى أسس واضحة. ويقول “الأزمة تتبع مسارا ديناميكيا، كما هو الحال مع المرض، حيث يمكن لجهود العلاج أن تثير ردود فعل مختلفة”.
ويرى أن طول فترة المرض وشدتها تعتمد على مدى تغلغل الفيروس في الجسم، وما إذا كان الاقتصاد قد تلقى العلاج المناسب أم لا!
ويقول إرجان إنه مهما كانت الأشكال التي ستتخذها الأزمة في النهاية، فإن النتيجة الوحيدة المؤكدة هي تفاقم آثار المشكلة المالية العميقة على المجتمع التركي. ويضيف أن عواقبها ستكون زيادة الفقر وحالات الاكتئاب والانتحار وكذلك تزايد العنصرية وكراهية النساء والأضرار البيئية.