علاء عبدالفتاح ناشط مصري يستهويه التظاهر والإضراب والتعايش مع السجون

أسرة أفرادها مغرمون بالاشتباك السياسي مع الأنظمة المختلفة.
السبت 2022/07/02
فتح صفحة تتواءم مع متطلبات الجمهورية الجديدة

القاهرة – تعد حالة الناشط السياسي المصري علاء عبدالفتاح غريبة في نظر الكثير من المتابعين للمشهد العام خلال العشرين عاما الماضية، ويكاد يكون المواطن الوحيد في البلاد الذي أقام في السجون فترات متفاوتة على مدار ثلاثة عهود مختلفة، حيث اعتقل في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك ثم أفرج عنه، وحبس في العام الذي حكم فيه الإخوان وأفرج عنه، وأحد زبائن السجن حاليا وغير معروف متى سيفرج عنه.

طفت قصة عبدالفتاح المولود في نوفمبر 1981 على السطح الأيام الماضية، حيث أكدت والدته الأكاديمية وأستاذة الرياضيات ليلى سويف أن حالته تسوء يوما بعد يوم بسبب إضرابه عن الطعام في محبسه الذي يقضي فيه عقوبة بالسجن خمسة أعوام، بعد الحكم عليه في قضية تتعلق بقيامه بنشر أخبار كاذبة، بينما قالت وزارة الداخلية إنه غير مضرب ويتلقى رعاية جيدة، وهو ما أكده المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي يقوم بجولات تفقدية لأحوال السجون.

ليس مهما نوعية الأخبار الكاذبة ومدى جديتها وأهميتها، وليس مهما إذا كان مضربا أم أنها حيلة لجأت إليها أسرته لاستنفار الرأي العام وإحراج الحكومة وحثها للإفراج عنه، المهم أن قضيته تحظى بشغف في متابعة تطوراتها لأنها مليئة بالحكايات المثيرة، والتي تتشابك فيها الخيوط السياسية مع الإنسانية.

وقد صدر من قبل حكم قضائي على علاء بالحبس خمس سنوات في قضية تتعلق بالتظاهر دون تصريح، واعتقل جراء المطالبة باستقلال القضاء ورفض المحاكمات العسكرية والتحريض على التظاهر، وبدا كمن أدمن البقاء بالسجون ولا يطيق الحياة خارجها، مع أن حالة الكثير منها لم تكن تتوافر فيها الحدود اللائقة للحياة وتحسنت مؤخرا بعد افتتاح مركز كبير ومتطور للحبس في صحراء مصر الغربية.

السياسة والتكنولوجيا

● التهمة الأثيرة في القاموس الأمني المصري تغيب من سجل أسرة عبدالفتاح، وهي الانتماء إلى جماعة محظورة
● التهمة الأثيرة في القاموس الأمني المصري تغيب من سجل أسرة عبدالفتاح، وهي الانتماء إلى جماعة محظورة

دخل عبدالفتاح السياسة من باب التكنولوجيا وأصبح خبيرا في علوم الكمبيوتر، وبرز نشاطه عندما استهوته المدونات في بداية ظهورها منذ حوالي عقدين، بعدها انخرط في عالم منصات التواصل الاجتماعي الفسيح، والذي ازداد رواج اسمه مع ثورة يناير 2011 في مصر وما تلاها من تطورات، وتحول إلى أحد رموز الثورة الشبابية التي سعت لتحويل تصوراتها عن السياسة من الجلوس أمام شاشة كمبيوتر إلى النزول للشارع والتظاهر، ما أوجد حالة من الحراك أربكت الدولة المصرية.

من يبحث عن الأسماء التي لمعت خلال ثورة يناير وملحقاتها لا يجد لها أثرا في الحياة السياسية، إلا من قبلوا التعاون والتنسيق مع الحكومة المصرية، فكل من أظهر معارضة أو تململا لم يجد له مكانا في الفضاء العام.

أصبح الخيار المتاح للمعارضين بلا حدود، هجر السياسة وشجونها أو الذهاب إلى السجن، حيث ضاق المزاج العام بعد صدمة صعود الإخوان وارتدادات هبوطهم الأمنية، ولم تعد شريحة كبيرة من الشباب مهمومة بالتلصص على من اعتقل ومن أفرج عنه، فقد كانت الدولة تواجه حربا من قوى إرهابية، وخلّفت سنوات الغليان نتائج تحدّ من الرغبة في العودة إلى حالة صارت من المحرمات رسميا وشعبيا. 

لعبت التنشئة الاجتماعية دورا مهما في دخول عبدالفتاح مجال السياسة من أبواب مختلفة، فوالده المحامي اليساري الراحل أحمد سيف الإسلام كان مكتبه في وسط القاهرة محطة لاستقبال شكاوى المظلومين والدفاع عنهم بلا مقابل مادي في أوقات كثيرة، ووالدته ليلى سويف انساقت وراء أفكار زوجها، ولو بالاستسلام لها، ما أثّر على الأسرة بكاملها وجعل أفرادها من المعجونين بمياه السياسة.

عبدالفتاح يكاد يكون المواطن الوحيد في البلاد الذي أقام في السجون فترات متفاوتة على مدار ثلاثة عهود مختلفة، حيث اعتقل في عهد مبارك ثم أفرج عنه، وحبس في العام الذي حكم فيه الإخوان وأفرج عنه، وهو أحد زبائن السجن حاليا

لم يكن عبدالفتاح الوحيد من أفراد الأسرة الذي تمرد على النظام الحاكم وعرف طريقه إلى السجون المصرية، فشقيقتاه ليلى وسناء كانتا أيضا ضيفتين شبه دائمتين عليها والتهم التي قادتهما إلى المعتقلات متقاربة وتندرج ضمن أبواب الحض على التظاهر والمشاركة في الاحتجاجات ونشر أخبار كاذبة ومعارضة نظام الحكم.

غابت التهمة الأثيرة والشائعة في القاموس الأمني المصري من سجل أسرة عبدالفتاح، وهي الانتماء إلى جماعة محظورة (جماعة الإخوان) وهي مسألة منطقية، فتوجهات الأسرة السياسية بعيدة تماما عن التيار الإسلامي، ولو حمل عائلها اسم سيف الإسلام، والذي كان يساريا قحا ولم يعرف طريقه للاصطفاف المنظم مع الإخوان أو غيرها من الجماعات الإسلامية، لكن ربما يكون الإسلاميون استفادوا من أسرته سياسيا.

يميل علاء ومنى وسناء إلى تبني منهج الاشتراكيين الثوريين الذي لمع بعد ثورة يناير المصرية، وتحول المقتنعون بأفكارهم إلى محركين في بعض الأحداث اللاحقة، وتقاربوا مع جماعة الإخوان عندما كان الهدف العام إسقاط نظام مبارك، وحدث انفصال ضمني بعد أن حاولت الجماعة الهيمنة بمفردها على الحكم.

تكمن أزمة عبدالفتاح ومن ساروا على دربه في محاولة تحويل الأفكار الثورية إلى واقع يرمي إلى هدم الدولة المصرية والبحث عن طريقة لإعادة بنائها على أسس جديدة تتناسب مع طموحاتهم الطوباوية، وهو الخيط الرفيع الذي جمعهم بالإخوان في بعض الأوقات أو الحق الذي يراد به باطل في النهاية، ما يمكن أن يفسر بقاء علاء ومن تبنوا نهج الثوريين داخل السجون المصرية فترات طويلة، لأن عدم التخلي عن الأفكار الهدامة والإصرار على التمسك بها يمثل خطرا على الدولة برمتها.

الخروج والعودة

● قضية عبدالفتاح تحظى بشغف في متابعة تطوراتها، تتشابك فيها الخيوط السياسية مع الإنسانية
● قضية عبدالفتاح تحظى بشغف في متابعة تطوراتها، تتشابك فيها الخيوط السياسية مع الإنسانية

بحثت الأسرة عن وسيلة للإفراج عن ابنها وخابت كل مساعيها من خلال تحريض منظمات حقوقية محلية ودولية على تبني قضيته وحثها على ممارسة ضغوط سياسية على النظام الحاكم في القاهرة، ولم تحرز كل النداءات والمناشدات والضغوط نتيجة إيجابية تجبر الحكومة المصرية على الإفراج عنه.

لم تغير الحكومة موقفها وظلت على ثباتها ورفضها للابتزاز والمتاجرة بملف عبدالتفاح، والذي تحول إلى حالة سياسية عصية على الفهم، فقد تم الإفراج عن شقيقتيه منى وسناء ولا يزال قابعا حتى الآن في محبسه.

على مدار عشر سنوات لم يغادر السجن سوى أشهر قليلة، وكانت حريته مقيدة بعد أن قضى مدة حبسه الأولى ونال إفراجا مشروطا اقتضى المرور على أقرب قسم شرطة من منزله لضمان عدم عودته إلى المشاغبات السياسية.

أزمة عبدالفتاح ومن ساروا على دربه تكمن في محاولة تحويل الأفكار الثورية إلى واقع يرمي إلى هدم الدولة المصرية والبحث عن طريقة لإعادة بنائها على أسس جديدة تتناسب مع طموحاتهم الطوباوية

عاد إلى الحبس بعد فتح ملف قضية جديدة أدت إلى سجنه لمدة خمس سنوات، تنتهي بعد نحو عامين من الآن، وكأن الحكومة لا ترتاح سوى أن يكون تحت سمعها وبصرها على مدار اليوم، أو أنه هو لا يطيق الحياة بعيدا عن سجونها وألف مرارتها.

قد يكون عبدالفتاح نموذجا غريبا للبعض داخل مصر وخارجها، لكن المتابعة الدقيقة للحالة السياسية التي عاشها تفك اللغز الذي يكتنفها، لأنه من النشطاء الذين تحولوا إلى رموز لعدد كبير من أبناء جيله، وهو لا يلين في معارضة النظام الحاكم، أيّ نظام، ولا يعرف غير أن يكون معارضا وكفى، فالتربية السياسية التي تلقاها والأفكار التي اكتسبها من منهج الاشتراكيين الثوريين جعلته متمردا على طول الخط.

هناك الكثير من زملائه وأصدقائه الذين غيروا قناعاتهم بعد فترة قصيرة من دخولهم السجن، وتيقنوا أن ممارسة السياسة من خندق المعارضة عملية قاسية لأن الأجواء غير مهيأة لها، وبدت أقرب إلى الانتحار أو ارتكاب فعل فاضح في الطريق العام.

عرفوا أن هذا ليس أوان السياسة ولا زمن النشاط الحقوقي والبحث عن حياة إنسانية خالية من الشوائب في مصر، فالمرحلة التي مرت بها البلاد كانت مليئة بالتحديات بما جعل علاء أو غيره غير قادرين على التعاطي مع السياسة من قريب أو بعيد، وقد أوجدت ما توصف بـ”فوبيا” الإخوان حالة من عدم الثقة في ممارسة الحرية المطلقة.

لجنة العفو والحوار

● المزاج المصري العام تراجع بعد صدمة صعود الإخوان وارتدادات هبوطهم
● المزاج المصري العام تراجع بعد صدمة صعود الإخوان وارتدادات هبوطهم

تصورت أسرة عبدالفتاح أن حصوله على الجنسية البريطانية في أبريل الماضي استنادا إلى أن والدته مولودة في لندن وعاشت فترة طويلة هناك، هو باب الأمل لإمكانية الإفراج عنه بأيّ طريقة، وأن الحكومة المصرية ستتعرض لضغوط كبيرة من نظيرتها البريطانية، لكن ما يعلمه العارفون بالأداء السياسي حيال القضايا الحساسة الخاصة بمواطنين يحملون الجنسية البريطانية أن لندن لا تتدخل كثيرا لنصرتهم أو المطالبة بالإفراج عنهم وفي غالبية الأحوال تترك المجال للقضاء المحلي.

تصور البعض أن عبدالفتاح سيفرج عنه فور حصوله على الجنسية البريطانية اتساقا مع حالات لنشطاء من الولايات المتحدة وإيطاليا وفرنسا طالبت حكوماتهم بالإفراج عنهم ونالوا مرادهم بعد ضغوط ومفاوضات وتفاهمات ومساومات مع القاهرة، وهو ما لم يحدث مع لندن في حالة عبدالفتاح.

اختفى اسمه تقريبا من لائحة لجنة العفو الرئاسي المنوط بها دراسة ملفات المحبوسين في مصر، وفي مقدمتهم السياسيون والنشطاء وسجناء الرأي، وجرى الإفراج عن العشرات من الشباب الفترة الماضية، ومن غير المتوقع أن يكون على إحدى قوائم المفرج عنهم قريبا، والتي يتم الإعلان عنها تباعا، لأن الحكومة لا تملك ضمانات بأنه لن يعاود الاشتباك معها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن سدت الأبواب والنوافذ أمام التظاهر في الشارع.

الأسماء التي لمعت خلال ثورة يناير وملحقاتها لا أثر لها اليوم في الحياة السياسية، إلا من قبل منهم التعاون مع الحكومة المصرية

تحولت تلك المنصات إلى أسلحة سياسية مؤثرة في مصر وغيرها، واستغل روادها مساحة عريضة من الفراغ لدى شريحة شبابية واسعة، ويزداد التأثير كلما عرفوا أدبياتها ومفرداتها، فتصبح لديهم قدرة عالية على الترويج لأفكار سياسية وتكوين شبكات وروابط ممتدة، وعبدالفتاح أحد المؤثرين الذين يجلب نشاطهم صداعا أو هواجس عدة، فهو يمتلك خبرات كبيرة وذكريات أليمة ومشاهد إنسانية يؤدي نشرها إلى ردود أفعال سلبية.

يمثل التصعيد الذي تقوم به أسرة عبدالفتاح والعزف على أوتار إضرابه عن الطعام حرجا للحكومة المصرية، لأنه يتزامن مع قرب تدشين جلسات الحوار الوطني الذي ينطلق بعد أيام قليلة، ويعدّ الإفراج عن المحبوسين في قضايا سياسية أحد ملفاته التي تحظى باهتمام كبير، وتوسيع مساحة الحريات من مطالبه الرئيسية.

كما أن إدراج اسم ناشط في وزن عبدالفتاح على إحدى قوائم المفرج عنهم سوف يعزز ثقة المعارضة في جدية الحكومة المصرية في عملية الحوار الوطني، والتي تسعى من خلاله لطيّ الصفحة الماضية وفتح صفحة تتواءم مع متطلبات الجمهورية الجديدة.

12