عقود الملكية للأندية الإنجليزية تثبت عدم فائدتها في الأزمات

تشيلسي من نادٍ يتربّع على عرش أوروبا إلى "بضاعة" في المزاد.
الأحد 2022/03/06
حصد الألقاب.. لا يكفي

تقدم الأزمة التي يمرّ بها فريق تشيلسي المعروض للبيع بعد فترة مميزة عرفها النادي الإنجليزي العريق مع مالكه الروسي رومان أبراموفيتش درسا يستوجب قراءة فصوله بتمعّن في ظل الاستثمار الذي عرفه قطاع الرياضة عموما وكرة القدم بصفة خاصة والترحيب المتواصل بعمليات الاستحواذ على الأندية وشراء ملكيتها وخصوصا في الدوري الإنجليزي الممتاز.

لندن - عُرفت كرة القدم على مسار تاريخ طويل بكونها متنفس الشعوب من الأزمات، لكن يبدو أن اللعبة الشعبية ومعبودة الجماهير عالميا باتت هي من تصنع الأزمات. وربما تجد هذه المقاربة شيئا من يقينها في ما كشفت عنه الأزمة الأخيرة التي يمر بها فريق تشيلسي الإنجليزي.

هذا النادي العملاق الذي تأثر كثيرا بالأزمة الروسية - الأوكرانية ليتحوّل فجأة من نادٍ ينافس على الألقاب ويتسيّد كرة القدم الإنجليزية والأوروبية إلى “بضاعة” موضوعة في المزاد.

ربما تلك هي حكمة كرة القدم في مظهرها الحديث مع عقود الملكية والرعاية، والاستثمار الأجنبي الذي يبدو أنه سرعان ما يفقد فائدته في الأزمات، حيث طالت الأزمة اللعبة الشعبية ومست المكانة الجماهيرية الواسعة التي تحظى بها في قلوب الملايين من محبي هذا النادي أو ذاك.

المثال يجسده بوضوح نادي تشيلسي الذي يسير نحو نفق مظلم بعدما أعلن الروسي رومان أبراموفيتش عن وضع النادي الذي استحوذ على ملكيته على مدار 19 عاما للبيع.

واشترى رجل الأعمال الروسي ملكية نادي تشيلسي عام 2003 مقابل 140 مليون جنيه إسترليني، فحوّله منذ ذلك الحين إلى أحد أقوى الأندية عالميا.

نجاحات لافتة

حصاد ثمين لا يمكن إنكاره
حصاد ثمين لا يمكن إنكاره 

بالرغم من الأثر السيء الذي يمكن أن يتركه بيع النادي وتحوله إلى ملاك جدد سواء أكانوا من بريطانيا أم خارجها، إلا أن ذلك لا يحجب حجم التطوير الذي عرفه هذا النادي والنتائج اللافتة التي حققها في السنوات الأخيرة.

وشهدت حقبة أبراموفيتش نجاحات مذهلة لتشيلسي، حيث نجح البلوز في التتويج بواحد وعشرين لقبا تراوحت في مجملها بين المحلي والقاري، لكنها تبقى شاهدة على فترة الرخاء التي مر بها هذا النادي العريق.

ويعد مانشستر يونايتد ثاني أكثر الأندية الإنجليزية تتويجا بالبطولات منذ تولي أبراموفيتش بـ16 لقبا (باستبعاد الدرع الخيرية).

وبحسب تقرير لصحيفة “ذا صن” البريطانية فقد توج مانشستر سيتي النادي الأقوى إنجليزيا في الفترة نفسها بـ13 لقبا مقابل 9 ألقاب لليفربول و6 لأرسنال.

وحصد تشيلسي مع أبراموفيتش لقب الدوري الإنجليزي خمس مرات ومثلها في كأس الاتحاد الإنجليزي وثلاثة ألقاب لكأس رابطة المحترفين.

بالرغم من الأثر السيء الذي يمكن أن يتركه بيع تشيلسي، إلا أن ذلك لا يحجب حجم التطوير الذي عرفه النادي والنتائج التي حققها في السنوات الأخيرة

كما توج الفريق الملقب بـ”البلوز” في عهد مالكه الروسي بدوري أبطال أوروبا مرتين ومثلهما في الدوري الأوروبي والدرع الخيرية، بينما نال كأس السوبر الأوروبي وكأس العالم للأندية مرة واحدة.

وأنفق النادي الإنجليزي الذي يعتبر من صفوة الكبار في عهد أبراموفيتش أكثر من ملياري جنيه إسترليني على الصفقات.

ويعد روميلو لوكاكو اللاعب الأغلى الذي ضمه البلوز الصيف الماضي مقابل 97.5 مليون جنيه إسترليني، ويأتي في المركز الثاني كاي هافيرتز (89 مليون جنيه إسترليني) ثم الحارس كيبا (72 مليون جنيه إسترليني).

كما ضم تشيلسي العديد من الصفقات الأخرى عالية الثمن على غرار ألفارو موراتا (70 مليون جنيه إسترليني) وكريستيان بوليسيتش (58 مليون جنيه إسترليني) وجورجينو (57 مليون جنيه إسترليني) وفيرناندو توريس (50 مليون جنيه إسترليني) وتيمو فيرنر (47.5 مليون جنيه إسترليني) وبن تشيلويل (45 مليون جنيه إسترليني) وأخيرا ماتيو كوفاسياش (40 مليون جنيه إسترليني)، وهم أغلى عشرة لاعبين ضمهم تشيلسي في حقبة أبراموفيتش.

وأشرف على تدريب تشيلسي 13 مدربا في عهد أبراموفيتش بينهم الثنائي جوزيه مورينيو وجوس هيدينك اللذين قادا الفريق في ولايتين لكل منهما.

وخاض تشيلسي 1087 مباراة في عهد أبراموفيتش، انتصر في 660 مباراة، وتعادل في 237 وخسر في 190، بمعدل عشر هزائم في العام الواحد في جميع المسابقات.

وسجل تشيلسي في تلك المباريات 2049 هدفا واستقبلت شباكه 957 هدفا، وبلغت نسبة انتصارات البلوز 60.7 في المئة.

هذه الأرقام وإن كانت شاهدة على حجم التحول الإيجابي الذي عرفه البلوز في السنوات الأخيرة وانتهى به إلى فرض كلمته على الأندية الأوروبية، إلا أنها لا تنفي الأثر الرجعي لأزمة الملكية لبعض الأندية وخصوصا تلك التي على ملك مستثمرين أجانب.

تحولات عميقة منتظرة

انتقال سريع إلى الضفة الأخرى
انتقال سريع إلى الضفة الأخرى 

كشف تقرير صحافي بريطاني موقف بروس باك رئيس تشيلسي ومارينا غرانوفسكايا مسؤولة الانتقالات في النادي من الرحيل عن البلوز بعد قرار المالك رومان أبراموفيتش.

وأعلن أبراموفيتش أنه سيعرض تشيلسي للبيع بعد أيام قليلة من تأكيد تسليم رعاية شؤون النادي إلى لجنة تشيلسي الخيرية.

وكانت تقارير صحافية قد أكدت في وقت سابق أن الملياردير البريطاني جيم راتكليف مهتم بشراء تشيلسي مع مستثمرين آخرين.

ووفقا لصحيفة “الغارديان” ستترك مارينا تشيلسي بمجرد أن تنتقل ملكية النادي إلى طرف جديد كما سيتخذ بروس باك الموقف ذاته.

صحيفة الغارديان كشفت عن أن مارينا غرانوفسكايا مسؤولة الانتقالات في تشيلسي ستترك منصبها بمجرد أن تنتقل ملكيته إلى مالك جديد

وكان باك الدعامة الأساسية لعهد أبراموفيتش في غرب لندن حيث تم تعيينه رئيسا للنادي في مارس العام 2004.

وباك واحد من ستة أمناء تم اختيارهم للإشراف على تسيير النادي عندما سلم رومان أبراموفيتش مقاليد الرعاية السبت الماضي.

وتلقى المحامي الأميركي تعليمه في جامعة كولجيت وكلية الحقوق بجامعة كولومبيا وحقق تشيلسي معه خمسة ألقاب في الدوري الإنجليزي الممتاز.وعلاوة على خمسة ألقاب في كأس الاتحاد الإنجليزي، كما حقق البلوز المجد معه في دوري أبطال أوروبا خلال عامي 2012 و2021.

كما أسس باك صندوق اللاعبين السابقين لمساعدة نجوم النادي السابقين والموظفين الذين يحتاجون إلى مساعدة طبية أو مالية.

أما جرانوفسكايا التي تم الترحيب بها باعتبارها أقوى امرأة في كرة القدم، فهي ممثلة أبراموفيتش في النادي منذ 2010 قبل أن تنضم إلى مجلس الإدارة في 2013.

وفي ديسمبر الماضي تم اختيار جرانوفسكايا كأفضل مدير لناد في كرة القدم الأوروبية خلال حفل توزيع جوائز “غولد بوي".

أزمة ظرفية

سيناريو خرافي لم يكن ينتظره
سيناريو خرافي لم يكن ينتظره 

ربما تكون أزمة تشيلسي ظرفية وقد تتحول إلى مزمنة، لكنها كشفت في جانب كبير منها عن هشاشة قد تكون قانونية أو ترتيبية أو ما إلى ذلك من الأساسيات التي يمكن أن تضبط وضعية أندية كرة القدم في الأزمات.

لكن الأكيد أن هذا الجانب لا يخفى على المهتمين وأصحاب القرار في الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم الذين يبالغون في إظهار عدم مساندتهم لبعض رؤوس الأموال العربية عندما يتعلق الأمر بالاستحواذ على بعض الأندية، لكنهم ينكرونه على رؤوس الأموال الأوروبية الأخرى.

رحّب رئيس رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز ريتشارد ماسترز بقرار أبراموفيتش بيع النادي، فيما شكرت الجماهير الملياردير للنجاح “غير المسبوق” في عهده. ولا يَرِد اسم أبراموفيتش على قائمة العقوبات البريطانية المتزايدة التي تستهدف المصارف والشركات الروسية وكبار رجال الأعمال الموالين للكرملين.

حقبة أبراموفيتش شهدت نجاحات مذهلة لتشيلسي، حيث نجح البلوز في التتويج بواحد وعشرين لقبا لكنها تبقى شاهدة على فترة الرخاء التي مر بها هذا النادي العريق

وقال ماسترز خلال قمة “فاينانشيل تايمز بيزنيس" لكرة القدم في لندن بحضور أبرز المسؤولين الكرويين في أوروبا “لقد تصاعد الوضع بسرعة كبيرة خلال الأيام السبعة الماضية وقد توصّل (أبراموفيتش) إلى النتيجة الصحيحة”، مضيفا “بات الوضع لا يُحتمل. إنه قرار مرحّب به، من أجل خير الجميع، بما في ذلك الجماهير".

وقبل ساعات من الإعلان عن البيع رسميا كشف هانزيورغ فايس، أحد أغنى رجال سويسرا، الأربعاء أنه عُرض عليه وثلاثة أشخاص آخرين فرصة شراء أبطال أوروبا.

وقال ماسترز في هذا الصدد “أسرع بيع سجلناه حتى الآن هو عشرة أيام. لا أقول إنه من المستحيل كسر هذه الفترة الزمنية، ولكن من حيث المبدأ، يستغرق البيع عدة أسابيع.. كل هذا يتوقف على مدى تعقيد الصفقة وعدد المالكين المحتملين. إذا كانت المعلومات سهلة الفهم وتوفر لنا جميع الإجابات الصحيحة، يمكن القيام بذلك بسرعة نسبيا".

ومنذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير الماضي قطعت الشركات الغربية العلاقات مع روسيا وقال ماسترز إن الدوري الإنجليزي الممتاز يدرس تعليق أو إنهاء صفقته مع القنوات الروسية.

وفي وقت سابق قال النائب المعارض في حزب العمال كريس براينت "إنه لغز بالنسبة إليّ لماذا لم تتم معاقبة رومان أبراموفيتش حتى الآن".

من جهة أخرى، أعرب أنصار تشيلسي عن امتنانهم لأبراموفيتش الذي جعل ناديهم أحد أقوى الفرق وأكثرها تنافسية في إنجلترا وأوروبا منذ وصوله في عام 2003.

وجاء في بيان لرابطة المشجعين “تشيلسي سابورترز تراست”، “تود الرابطة أن تعرب عن امتنانها للسيد أبراموفيتش على عاطفته وشغفه وتفانيه في نادي تشيلسي. بفضل دعمه، حققنا نجاحا غير مسبوق خلال عهده. مشجعو تشيلسي لن ينسوا أبدا كل ما فعله لنادينا. شكرا لك سيد أبراموفيتش".

مثال آخر للرعاية

تململ في إيفرتون لتعليق الرعاية
تململ في إيفرتون لتعليق الرعاية 

أعلن نادي إيفرتون الإنجليزي الأربعاء الماضي عن تعليق جميع عقوده الرعائية "بمفعول فوري" مع الملياردير الروسي أليشير عثمانوف عقب الغزو الروسي لأوكرانيا.

وجاء في بيان للنادي “الجميع في إيفرتون مصدوم وحزين جراء الأحداث المروعة الجارية في أوكرانيا (..). يؤكّد النادي أنه علّق جميع العقود التجارية للرعاية مع شركات يو أس أم، ميغافون ويوتا”، التي يستحوذ عثمانوف المقرّب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على حصص وازنة فيها.

وأضاف النادي المكنى بـ”توفيز” أن “اللاعبين، الجهاز الفني وجميع العاملين في إيفرتون يقدمون كل الدعم للاعبنا (الأوكراني) فيتالي ميكولنكو وعائلته وسيستمرون في ذلك".

نادي إيفرتون الإنجليزي يعلن عن تعليق جميع عقوده الرعائية "بمفعول فوري" مع الملياردير الروسي أليشير عثمانوف عقب الأزمة المندلعة بين روسيا وأوكرانيا

ويطلق على اسم مركز تدريب إيفرتون “يو أس آم فينش فارم”، كما يملك عثمانوف خيار إطلاق اسم إحدى شركاته على الملعب الجديد للنادي والذي في طور البناء مقابل 30 مليون جنيه إسترليني (40 مليون دولار).

وكان رجل الأعمال الأوزبكي – الروسي أعلن الثلاثاء تخليه عن مهامه في رئاسة الاتحاد الدولي للمبارزة، مشيرا إلى أن قراره جاء على خلفية عقوبات أوروبية طالته بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.

ووصف عثمانوف، المتهم بأنه من أشد المقربين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، العقوبات الأوروبية بحقه بأنها “غير عادلة” ومبنية على مجموعة من الاتهامات المغلوطة تؤذي شرفه وكبرياءه وسمعته كرجل أعمال” مشيرا إلى أنه سيلجأ "إلى جميع الإجراءات القانونية لحماية شرفي وسمعتي".

واستثمر عثمانوف ثروته في أندية إنجليزية كأرسنال بين 2007 و2018 قبل أن يبيع حصته، في حين يملك أسهما في نادي إيفرتون حاليا، الذي يملك رجل الأعمال الإيراني فرهاد مشيري 94 في المئة من أسهمه. ويرأس عثمانوف (68 عاما) الذي جمع ثروته من صناعة المعادن اتحاد المبارزة منذ عام 2018.

ويدخل فريق تشيلسي مرحلة حاسمة من تاريخه قد تنتهي به إلى التراجع وفقدان الصورة الناصعة عن كرة القدم الإنجليزية والأوروبية في وقت تبحث فيه بعض الأندية الأخرى عن ترتيب بيتها الداخلي ومحاولة النهوض من الأزمة الصحية العالمية التي مازالت آثارها ماثلة إلى حد الآن.

18