عزلة المثقفين الجزائريين

الأحد 2016/08/21

«العزلة الجماعية» توصيف يليق بالمثقفين الجزائريين، في الوقت الحالي، فهم يعيشون في جغرافيا مشتركة، في البلد الأكبر مساحة في أفريقيا، مع جامعات ومراكز بحث، صحف يومية وملتقيات وندوات، لكنهم معزولون، في الوقت نفسه، عن بلدهم، يعيشون حالة «استلاب» من دون أن يشعروا بها، هي وضعية أشبه بحال «العربي» في رواية «الغريب» لألبير كامو، كان رجلا حيا، ولكنه معزول يتحسّس هويته من الدّاخل من دون أن يجد لها انعكاساً في الخارج.

المثقف الجزائري هو الحلقة الأضعف في البلد، ليس لضعف منه أو تخاذل أو تنازل عن القيام بمهامه، فهو يفعل كل شيء لإيصال صوته بطرق صحيحة أو غير صحيحة، هو شخص مثير للصّخب، لكن الأمر يتعلّق بإرادة سياسية تجعل منه -باستمرار- الرقم الأقل وزناً في سلّم الأولويات، ويمكن أن نلاحظ ذلك من خلال جولة سريعة في مدن الجزائر، حاراتها وساحاتها وميادينها، حيث لا يوجد فضاء مفتوح واحد يحمل اسم كاتب أو شاعر أو مفكر، رغم ما تتوفّر عليه البلاد من مثقفين، لماذا يحصل هذا في الجزائر، على خلاف ما نراه في دول أخرى؟ لماذا ساحات البلد وحاراته تحمل أسماء سياسيين ورجال حرب أو رجال دين، ولا تلتف لتكريم مثقف واحد بتسمية مكان باسمه؟

في البداية، تعوّدت السّلطات الرّسمية على تسمية الأمكنة العمومية بأسماء مناضلين أو شهداء من حرب التّحرير (1954-1962)، هكذا كانت لكل مدينة أو قرية قائمة طويلة من المناضلين تنتظر الانتهاء من تهيئة حضرية لإطلاق أسماء محاربين عليها، وفي مرحلة ثانية، توّجهوا نحو تسمية الشوارع والسّاحات بأسماء حربية تاريخية: الشّيخ المقراني، بوعمامة، لالّة فاطمة نسومر، بالإضافة إلى اسم الأمير عبدالقادر الذي يتكرّر اسمه في أكثر من مكان في الجزائر، وحين نفدت قائمة الأسماء التّاريخية، صارت القاعدة تنصّ على تسمية الأمكنة الجديدة بأسماء رؤساء البلد السّابقين: هواري بومدين، الشّاذلي بن جديد، أحمد بن بلة، علي كافي، ثم بأسماء سياسيين لعبوا أدواراً ثانوية في الحياة العامّة مثل سليمان عميرات، ولم تنج الجامعات ومراكز الثّقافة من توريطها بأسماء محاربين قدامى أو سياسيين رحلوا في السّنوات القليلة الماضية.

عداء السّلطة السّياسية للمثقفين، في الجزائر، موضوع قديم، ويعود إلى سنوات ثورة التّحرير، حيث كان المثقف النقدي يتعرّض ومازال لمختلف أنواع التّضييق: المنع، التّهميش، السّجن، والتّهجير، فقد عمل السّياسي جاهداً على استبعاد بعض المثقفين من أرضهم، ومحوهم من الذّاكرة الجمعية، كما أن الكتب المدرسية الموّجهة للأطفال والمراهقين لا تتضمّن نصاَ واحداً لكاتب جزائري معاصر، وما تقدّمه من نصوص أدبية إنما هي لكتّاب رحلوا وكانوا مهادنين للسّلطة، أو كتّاب كانوا جزءًا من السّلطة وقريبين من دوائر القرار، أو من كتّاب عرب كانوا على علاقة طيبة مع السّياسيين الجزائريين، هكذا تمكّنت السّلطة السّياسة من استبعاد المثقف عن بيئته، وعزله، مما يبرّر «العزلة الجماعية» التي يعيشها اليوم، من دون أن يحتّج أو يدافع عن حقّه في التّواصل مع مواطنيه، كغيره من نظرائه في دول مجاورة.

قبل سنوات قليلة، طرأ نقاش حول أهمية إطلاق اسم واحد من المثقفين على المكتبة الوطنية الجزائرية، وبرز اسم المفكر محمد أركون (لا توجد أيّ مؤسسة رسمية تحمل اسمه)، تكريماً له ولجهوده العلمية، لكن المطلب لم يأخذ محمل الجدّ، وتفضل السّلطة، لحدّ السّاعة، ترك المكتبة الوطنية، على الرّغم من أهميتها، هيكلاً من دون روح وبلا اسم، ويواصل في الوقت نفسه، المثقفون الجزائريون التّعايش مع عزلتهم في بلدهم، والتّجوال في أمكنة يحتكر محاربون وسياسيون تسميّاتها، يتواصل هؤلاء المثقفون فيما بينهم فقط، فصوتهم لا يصل إلى الأعلى ولا إلى الأسفل إلى مواطنيهم، حتى باتوا –للأسف- مع الوقت، موضوع سخرية وتنكيت بين النّاس، وهذا ما كانت تـريده السـّلطة السّـياسية بالضبط.

كاتب من الجزائر

13