عروبة العراق في مرحلة ما بعد داعش

السبت 2017/08/19

شخصيات عراقية عدة بمختلف مسؤولياتها وتوجهاتها زارت المملكة العربية السعودية. أبعاد تلك الزيارات استقرت على قاعدة أرستها زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى بغداد وما أعقبها من ردود فعل متباينة وتحليلات انصبت معظمها في زاوية من ضيق الأفق امتازت بها رؤية أحادية الجانب عُرف بها أتباع المشروع الإيراني الذين صادروا لمدة 14 سنة العراق العربي، وجرّوا الويلات على شعبه بكل أطيافه ومكوناته المتعايشة.

رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي زار المملكة العربية السعودية، ثم توجه إلى جمهورية إيران الإسلامية. وزير الداخلية قاسم الأعرجي زار الرياض أيضا وانتظر قليلا ثم غادر إلى طهران. رجل الدين مقتدى الصدر التقى بولي العهد السعودي الشيخ محمد بن سلمان، لكنه حتى الآن لم يذهب إلى إيران.

جمع كبير من ساسة العراق والأحزاب الإسلامية وقادة الميليشيات ينتظرون تلك التنقلات بين الرياض وطهران لتكتمل لديهم معادلة أي تقارب عراقي مع العرب، حصل أو سيحصل، للإيحاء بأن التقارب تحت الإرادة الإيرانية، بعلمها وتخطيطها أو على الأقل بالتصريح علنا بأنها اطلعت على نتائج المحادثات.

زيارة إيران بعد السعودية من قبل المسؤولين العراقيين تؤكد مرجعيتهم وعائديتهم للولي الفقيه. قلق بعضهم لتأخر زيارة مقتدى الصدر لإيران سبّب لهم انكسارا نفسيّا حتى لو زارها في يوم قادم. لأن التأخير أو عدم الذهاب في الفترة اللاحقة يعني التمرد على الولاء المطلق لإيران ونظام وليّها الفقيه، وأن سكة أخرى بدت بعض ملامح وجودها تتكون في الواقع العراقي أبصرت طريقها إلى أرومتها ووحدة مصيرها.

تقلّبات السياسة وما تمليه مرحلة ما بعد تنظيم داعش، واستهلاك العراق كليا في المشاريع الإقليمية، والإرهـاب بتنوع مصادره، وما أقـرته قمم الرياض من إجراءات للحد من التطرف وإعلان الحرب الشاملة على مصادر الإرهاب وتمويله وملاحقة تنظيماته ومجموعاته؛ دفعت الأحزاب الإسلامية العراقية بتسمياتها وانتماءاتها إلى إعادة تدوير أطروحاتها التي أنتجت لنا نظام المحاصصة السياسية والطائفية، لتخرج إلينا ببرامج تبدو شكليا مُتغيّرا فرضته التجربة الـمريرة والقاسية، أما مضمونها فأكثر إقرارا ببراغماتية الأحزاب المدعومة من ميليشياتها وجمهور تلك الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني.

عنوان الانتخابات العراقية القادمة هو الكتلة السياسية الأكبر. فالأحزاب الدينية الطائفية لها جرأة الحديث عن تطلعاتها العلمانية والليبرالية، وعن وحدة المكونات وهدفها الأسمى الوطن والشعب ولا مانع لديها من زج الانتهازيين في اللعب على الحبال.

عودة العرب إلى سحب عجلة العراق التي غرزت في وحل المستنقع الإيراني شأن طبيعي رغم 14 سنة من محاولات طمس الهوّية العربية. التقارب وإن كان مع رموز العملية السياسية بمن فيهم رجل الدين مقتدى الصدر، إلا أن الحقيقة في عودة العرب أو عودة العراق للعرب لا علاقة لها بالشخصيات وإنما بشعب العراق وأمته.

توجّهات الأشخاص مهما كانت مكانتهم السياسية إلا أن اختبارهم تم بما يكفي في فترة حكم طويلة أوغلت في تفكيك المواطنة ووفرت القنـاعات لأسبـاب الكراهية والاقتتال.

تختلف معايير الولاءات لملالي طهران ومن خلالها تتوزع السلطات في العراق والمشاكل أيضا. صار واضحا أن العرب لم يعودوا بحاجة إلى أي اشتراطات من أجل عودة العرب لبعضهم، فالأمر يقترب من إزاحة أسلاك شائكة تورّط فيها أحد أبناء الأسرة الكبار وظل أسير واقعه وغربة ليله ويحدث هـذا مع أبنـاء الأسـرة الصغـار أيضا.

يكفي التذكير بما جرى من إرباك بسبب تصريحات وزير داخلية العراق أثناء مؤتمر صحافي مع نظيره الإيراني في طهران عن رغبة سعودية في وساطة عراقية يتبناها رئيس الوزراء حيدر العبادي للتقريب بين الجانبين السعودي والإيراني، ثم تدخل مكتب رئيس الوزراء لنفي الوساطة بعد الإحراج الذي أدى إليه التصريح وأجبر مكتب وزير الداخلية على نفي التصريح الموثق في طهران.

المصادر الرسمية السعودية وضّحت مواقفها الثابتة من إيران وتدخلاتها وتطرفها وإرهابها وتمددها في المنطقة. ما الذي أجبر وزير داخلية العراق قاسم الأعرجي على إلقاء هذه المفرقعة الإعلامية ومن طهران تحديدا؟ ولأننا قلنا إن الشخصيات وتاريخها لم يعد مهمّا في تقرير إرادة العرب لانتشال عروبة شعب العراق وبانتماء هؤلاء للمشروع الإيراني، لكننا لا نتوقع منهم إلا أن ينصاعوا إلى الأوامر أو حتى مجرد الرغبات الإيرانية وذلك من غايات زيارة إيران بعد كل زيارة للسعودية أو أي بلد عربي آخر.

إيران تعتبر حكام العراق أفرادا تقع عليهم واجبات الحرس الثوري. ذلك ليس وصفا للاستعارة أو ربط الدلالات، أبدا، فالوزير المذكور هو أحد حملة بندقية الولي الفقيه ضد أبناء جلدته من وطنه الأم العراق في حرب الثماني سنوات.

الإرباك في التصريحات العراقية لا جديد فيه، وهو مؤشر على فشل سياسة الدولة. فشل رافق مسيرتها خلال 14 سنة من فوضى الإعلان وليس الإعلام بعد الاحتلال في أبريل 2003.

في الأشهر التي تلت الاحتلال ازدحمت وتعددت التصريحات الصحافية للخبر الواحد، وتناقضت والتبست خاصة منها ما يتعلق بالشؤون الأمنية والعسكرية للقوات الأميركية التي اكتشفت أن بعض أدواتها في المنطقة الخضراء يصرحون نيابة عنها ومن مواقع مختلفة ليظهروا كرجال دولة.

بعدها وفي استشارة مهنية تم تجهيز قاعة للمؤتمرات ومنح هويات لعدد من الصحافيين. لكن الفوضى استمرت في العمل السياسي العراقي ومازالت تطبع الدولة بمزاجات أصحابها.

تشويه الحقائق والثرثرة ومعها القوانين الطـائفية وكتابة الدستور على مقياس الملالي لن تلغي عروبة العراق. الألغام الأيديولوجية والتناوب على إيقاع الإصلاحات أو التغيير أو استخدام المثل العليا دون حياء لتمرير التعصب في نفق الانحراف الانتخابي، أشبه بهوس الإرهاب في تبرير بشاعة جرائمه.

لا نستغرب من زيادة التنقيب الإيراني هذه الأيام بحثا عن تكملة لمحطات على طريق تحرير القدس والتركيز على محاربة مشروع دولة إسرائيل الكبرى واستراتيجيتها في استهداف العراق ومحاولة تقسيمه ومعه سوريا كذلك. أي أن النظام الإيراني هو الذي منع تدمير العراق وسوريا ومنع ضمّهما إلى خارطة إسرائيل الكبرى.

هذا المنطق يفسّر لنا دور الأفكار الأولية والمخططات وكيفية تحويلها أو تنفيذها على الأرض. فإذا أصغينا إلى سؤال مثل: من هو المستفيد من الصراع المذهبي في العراق وسوريا وغيرهما؟ فإن الجواب على الطائر: إسرائيل. لكن ماذا عن الدور الإيراني والميليشيات الطائفية؟ الجواب: بمحاربة إرهاب داعش الذي يخدم المخططات الإسرائيلية.

المهم أن المملكة العربية السعودية افتتحت معبر عرعر الحدودي مع العراق، وافتتحت قنصلية في مدينة النجف لتيسير الزيارات الدينية بما يحمله هذا الانفتاح من معانٍ لوحدة المسلمين، إلا أن إيران بثت سمومها الطائفية كالعادة.

الموقف العربي يؤسس لمرحلة عراق ما بعد داعش أيضا. نحن لسنا بصدد الإفصاح عن عروبة العراق أو دمجه بأمته، بل إنقاذه وانتشاله وإسعافه ومساعدته على التحرر من المد الإيراني لدولة الولي الفقيه ونظامها المتخلّف وميليشياتها التي عبثت بكل مقدرات وتاريخ العراق.

كاتب عراقي

8