عرق كندي يحيي ثقافة المزاج عند الفرس

مهاجر إيراني يتطلع إلى إحياء ثقافة الشرب والمنادمة التي تعود لبلاد فارس، في كندا حيث أنشأ معمل تقطير "عرق ساغي" لتقديمه كمشروب كحولي تقليدي بالنسبة للإيرانيين.
الأربعاء 2019/10/30
كأس من روح الحنين

للشرق تاريخ طويل مع صناعة الخمور وشربها في نواديهم وسهراتهم فتغزلوا بها في شعرهم، وكان للإيرانيين فيها نصيب، فتفننوا في صناعتها وتقطيرها، وخاصة مشروب العرق الذي عرفوه منذ قديم الزمان، وحتى بعد منعه الخمور مع بداية الثورة الإسلامية لم يتخلوا عنها وظلوا يعاقرونها سرا، بل انتشر العرق الإيراني في أميركا الشمالية بعد أن أعاد تصنيعه مهاجر إيراني واستثمر في الخمر.

أونتاريو (كندا)- كامران جبريلي- قبل فترة طويلة من حظر حكامها من رجال الدين الإسلاميين من صنع واستهلاك المشروبات الكحولية، كان لإيران تراث نابض بالحياة الصاخبة، ففي وقت مبكر من عام 550 قبل الميلاد، قيل إن الملك كورش الكبير ومشرعيه الفارسيين كانوا يدخلون في حالة سكر قبل تداول قرارات مهمة ومن ثم مناقشتها مرة أخرى في اليوم التالي وهم متزنون.

وكانوا إذا استمروا في اتفاقهم على القرار، يتم تثبيته وإقراره، وهكذا نتجت عن هذه الحالة المقولة الفارسية “ماستي أو راستي”، ومعناها “السّكر والمصداقية”.

هذا الشعار تم إحياؤه اليوم وطباعته على الجانب الخلفي من زجاجات “عرق ساغي”، وهو عرق مثلث من درجة أولى حيث تم تقطيره على ثلاث مراحل، صُنع من قبل أحد المهاجرين الإيرانيين في كندا والذي يتطلع إلى إحياء ثقافة الشرب والمنادمة التي تعود لبلاد فارس.

قال بروس خبازي، وهو رجل أعمال إيراني-كندي يبلغ من العمر 50 عاما، وأسس معمل تقطير “بيرجان إمباير ديستيلري” في عام 2006، “كنت أبحث عن شيء فريد من نوعه ووجدت العرق الشعبي التقليدي.. أحسست بأنني يجب أن أضفي بعض الهوية والأصالة لهذا المشروب، وأصبحت مهمتي تقديم عرق ساغي للعالم كمشروب كحولي تقليدي بالنسبة للإيرانيين”.

ويشير “عرق ساغي” إلى “عرق دوغي” بمعنى روح الحنين، وكان هذا المشروب شائعا في إيران في خمسينات القرن الماضي وكانت الزجاجة تحمل صورة كلب على أحد جانبيها.

ويعتقد خبازي أن الكثير من الإيرانيين، الذين عاشوا في وقت ما قبل الثورة الإسلامية عام 1979، سيتذكرون هذا العرق جيدا.

الملك كورش الكبير ومشرعوه الفارسيون كانوا يدخلون في حالة سكر قبل تداول قرارات مهمة، ثم يناقشونها في اليوم التالي وهم متزنون
الملك كورش الكبير ومشرعوه الفارسيون كانوا يدخلون في حالة سكر قبل تداول قرارات مهمة، ثم يناقشونها في اليوم التالي وهم متزنون

ووُلد خبازي في مدينة شيراز لعائلة لديها تاريخ أكثر من 125 عاما في صناعة المواد الغذائية، وبدأ عمله في مجال تغليف العلكة عندما كان عمره ثمانية أعوام فقط.

وفي السادسة عشرة من عمره، فر من إيران لتجنب القتال في الحرب الإيرانية العراقية، وأيضا لأنه كان لا يرى مستقبلا للشباب الإيراني بعد الثورة.

وبعد رحلة مروعة، قام بها بمساعدة بعض المهربين من باكستان، قام بصبغ كل شعره إلى اللون الأشقر حتى يبدو غربيا، وشق طريقه إلى كندا. وصل إلى مدينة فانكوفر ومعه 50 دولارا فقط في جيبه وطلب اللجوء. وفي كندا، قام بتغيير اسمه من بهروز إلى بروس وذهب إلى الكلية قبل العودة إلى تجارة المواد الغذائية.

وفي النهاية، تحول إلى تجارة المشروبات الكحولية وأنشأ معمل تقطير “بيرجان إمباير ديستيلري” وتم اعتباره معمل التقطير الثاني في أونتاريو. وكان أول منتج له خمور من الرمان، ويعرض المعمل الآن ثلاث علامات تجارية مع 40 منتجا، وهي متوفرة في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا وأستراليا.

ويعد “عرق ساغي” من أشهر منتجات المعمل، وهو مشروب كحولي مصنوع من عجينة الزبيب المستوردة من كاليفورنيا له مذاق مشابه للـ”غرابا”، البراندي الإيطالي المصنوع من العنب. وتحظى مشروبات العرق التقليدية، تلك المشروبات الكحولية الشفافة البيضاء بنكهة الينسون التي تشبه مشروب “أوزو” اليوناني أو مشروب “راكي” التركي، بشعبية كبيرة في الشرق الأوسط.

ويعيش خبازي مع زوجته وابنتيه في مدينة بيتربوروغ، أونتاريو، على بعد حوالي 125 كيلومترا شمال شرق تورنتو، حيث يقع معمل التقطير ومتجر المشروبات الكحولية الخاصة به. ولم يعد إلى إيران منذ فراره عام 1987، على الرغم من أنه يأمل في زيارة موطنه ذات يوم. وعندما حصل على رخصة الخمور لأول مرة في كندا، قال خبازي إنه قيل له إن “الفرس مسلمون، وأنهم لا يشربون الخمر”.

أنواع وأصناف من الخمور
أنواع وأصناف من الخمور

ويقول خبازي “كان هذا بالنسبة لي هو الافتقار إلى المعرفة بالثقافة الإيرانية. لاحظت وجود تحد كبير أمامي وخططت لإثبات أنه كان خاطئا”.

ويحظر شرب الكحول بموجب الشريعة الإسلامية في إيران، وهو شراب محرّم بالنسبة لغالبية المسلمين الإيرانيين. وعادة ما يعاقب على شربه بالجلد والغرامات المالية.

وعلى الرغم من ذلك، يمكن شراء الكحول المهرّبة من الأسواق السرية، وتقول خدمات الطوارئ الوطنية الإيرانية إن 27 شخصا توفوا في سبتمبر الماضي وتم نقل أكثر من 300 شخص إلى المستشفى بعد تناولهم لشراب كحولي ملوث.

وتحظى إيران بتاريخ غني في صناعة النبيذ، حيث اكتشف فريق من علماء الآثار الأميركيين ست أوان طينية قديمة في موقع بجبال زاغروس في شمال إيران عام 1968، وكشف التحليل الكيميائي على إحداها أن بقعة داكنة في الأسفل كانت بقايا نبيذ.

ويعود تاريخ تلك الأواني التي كانت على شكل جرار إلى فترة العصر الحجري الحديث منذ أكثر من 7000 عام، وتوفر أول دليل علمي على إنتاج النبيذ في المنطقة في العصور القديمة.

ووضعت الثورة الإسلامية عام 1979 حدّا لصناعة وتقطير الخمور، وساعدت على اندثار ثقافة الجلسات الخمرية والمنادمة.

ولعدة سنوات، كان الأرمن هم الموزعون الرئيسيون لعرق محلي الصنع في إيران حتى بدأ تهريب الزجاجات ذات الملصقات الأجنبية.

20