عرسال في مهب أزمة اقتصادية وسيطرة النصرة وحصار حزب الله

الثلاثاء 2015/12/15
عرسال عالقة بين المتشددين في لبنان والمتشددين في سوريا

بيروت - كان اسم عرسال لا يتداول قبل اندلاع الثورة السورية في الأوساط اللبنانية، إلا بوصفها عنوانا للإهمال والتجاهل. لكن بعد الثورة السورية أضيف إلى العنوان السابق عنوان جديد، عملت على ترويجه الآلة الإعلامية لحزب الله وكل فريق الممانعة، وهو عنوان القرية الحاضنة للتكفير والإرهاب.

ومنذ اندلاع الثورة السورية، تواتر ذكر عرسال في الكثير من الملفات والأحداث التي كان أحدثها أزمة أسر العسكريين اللبنانيين إثر معارك بين الجيش ومسلحي النصرة وداعش في الجرود البلدة، لتتضاعف أزمة القرية. ولم ينعكس انتهاء الأزمة إيجابا على وضع القرية التي طال انتظار أهلها لتسويات تتيح لهم تأمين الحد الأدنى من مقومات العيش الكريم، خصوصا أنهم يتحملون جزءا كبيرا من تبعات مشكلة اللجوء السوري.

وما جرى كان مغايرا لطموحات العرساليين، حيث بدا وكأن مسار التسوية قد أفضى إلى تسليم جبهة النصرة زمام الأمور في عرسال وبقاء وجود حزب الله في المنطقة، واستمرار الإجراءات الأمنية المشددة من قبل الجيش واستمرار استحالة وصول العرساليين إلى أرزاقهم البلدة التي صارت مسرحا لتنازعات كبرى، فحزب الله لا يزال يرى فيها مخرجا مناسبا لخلق حالة تتيح له الدخول في نادي الحرب على الإرهاب. وكل من النصرة وداعش يريد إحكام السيطرة عليها لتحسين وضعه الميداني والتفاوضي في أي تسوية قادمة. فما هي طبيعة أزمة قرية عرسال وارتباطاتها، وما هو واقع القرية اليوم بعد انتهاء قضية العسكريين، وكيف ينظر أهل القرية إلى جبهة النصرة، وماذا يمثل تيار المستقبل في نظرهم؟ الباحث والكاتب السياسي فداء عيتاني، يحاول تقديم إجابات عن هذه التساؤلات وهو يرى أنه “بحسب المنطق الطائفي، فإن عرسال تم التخلّي عنها من قبل أصحابها المذهبيين أي تيار المستقبل”.

ويرجّح عيتاني أن تكون عرسال منطقة حرة لجبهة النصرة. فالقرية جزء من منطقة القلمون وتشكل عسكريا عقبة لحزب الله، لذا فإنها مرشحة دائما للعمليات الأمنية إن لم يكن من قبل داعش فمن قبل حزب الله وقوى أخرى.

ويرى أن “حزب الله يسوّق منذ زمن أنه محارب للإرهاب، وقد فشل مشروعه في منطقة القلمون، وبالتالي عرسال تشكل جزءا من منظومة أكبر. وهو مرتاح لقابلية وجود القاعدة في عرسال إلى أن تتضح الأمور. فحزب الله لا يملك اليوم مجموعة مشاريع استراتيجية يختار ما بينها. وهو حزب سلم قراره الوطني والإقليمي للإيرانيين. وموقفه تراجع وضعف جراء الهزائم التي تلقاها سواء في سوريا أو اليمن أو بعد تخلي حركة حماس عنه، وتخليه بدوره عن موضوع غزة”.

ووصف علي الحجيري رئيس بلدية عرسال، البلدة بأنها محتلة من قبل حزب الله والمسلحين. وأكّد أن “الوضع في البلدة جيد.. أما في بلدة الجرود فالوضع صعب ولم يتغير شيء بعد حل قضية العسكريين.. ولكن الوضع عموما لا يزال على حاله والدولة لم تقدم شيئا ممّا وعدت به ووعودها ظلت مجرد كلام”.

ويصر الحجيري على تأكيد أن “كل ما يحدث اليوم هو هروب من المسؤولية. وبدل من أن تطلب الدولة من حزب الله والمسلحين الخروج من جرد عرسال، إذ بها تكرس وجودهم”.

ويضيف رئيس بلدية عرسال أن “الكلام حول أن جبهة النصرة مقبولة من أهل عرسال غير صحيح. نحن لا نقبل لا النصرة ولا حزب الله، لكن وجود حزب الله هو من أنتج وجود النصرة، فليخرجوا جميعا من الجرود. ويجب أن تخلو عرسال من المسلحين وإلا لن تكون التسوية مفيدة أبدا. فالوضع لم يتغير والناس لا تستطيع متابعة أعمالها في الجرود”.

ويختم الحجيري حديثه بموقف يؤكد فيه أن “عرسال أيدت الثورة السورية منذ انطلاقها ولا زالت تؤيدها، لكنها لا تؤيد النصرة ولا تدعمها بأي شكل ولا علاقة لها بداعش، ومهما ازدادت التهديدات ستبقى عرسال مع الثورة المعتدلة”.

وترسم مصادر عرسالية، رفضت الكشف عن شخصياتها لأسباب أمنية، صورة إيجابية لتعامل تيار المستقبل مع البلدة، حيث تعتبر أنه “بالنسبة إلى المستقبل يبقى الوضع أفضل نسبيا. ففي معركة أغسطس 2014 كان المخطط يقضي بأن يتم تدمير عرسال وتهجير أهلها كما حصل في الطفيل. وأهالي عرسال مقتنعون بهذه الفكرة، مثلما هم مقتنعون بأن الرئيس الحريري هو من منع هذا المخطط. ويعتبرون أن الضغط السياسي والإعلامي الذي مارسه تيار المستقبل إثر تهديدات حزب الله بالدخول إلى عرسال بعد معارك الجرود والقلمون حمى عرسال إلى حد ما. يضاف إلى ذلك هبة الـ15 مليون دولار التي أعلنها سعد الحريري لعرسال، والتي تم صرف جزء صغير منها”.

أما العلاقة مع جبهة النصرة، وكما تحددها قراءة المصادر العرسالية، مرّت بتحولات، ففي البداية اعتبر بعض الأهالي جبهة النصرة “فصيلا ثوريا يقاتل مع قوات المعارضة وتعاطفوا معها على هذا الأساس. لكن بعد معركة عرسال في أغسطس 2014، انقلبت الصورة تماما، فغالبية الأهالي اعتبروا أن النصرة وغيرها من مسلحي الجرود ضربوا عرسال وأهلها في الظهر، وحاولوا إدخالها في معركة ضد الجيش اللبناني، وتم توريط البلدة وأهلها. وقد تسبّبت جبهة النصرة بأزمة اقتصادية خانقة في عرسال، نتيجة تشديد إجراءات الجيش على حاجز وادي حميد، الذي يعتبر المنطقة الصناعية الأساسية في عرسال ومحركها الاقتصادي”.

وتختم المصادر حديثها بموقف واضح من النصرة وداعش، حيث تعلن أن جل أهالي عرسال يعتبرون أن “حزب الله المستفيد الأول من الفلتان الأمني ووجود النصرة، وأنه هو من يمنع الجيش من الانتشار داخل البلدة، بهدف إبقاء عرسال قنبلة موقوتة يحركها حسب أجندته الخاصة. فأهل عرسال لديهم تاريخ نضالي ووطني وعلماني، ورغم كل ما حصل منذ بدء الثورة السورية إلا أنهم لم يغيروا من توجهاتهم ويبقى خيارهم الأبرز هو تيار المستقبل، الذي يعد الأقرب لتفكيرهم ومعتقداتهم، لذلك لا يمكنهم أن يضيعوا البوصلة ولن يكونوا مع النصرة ولا داعش ولا حزب الله”.

6