طريق مصر إلى دمشق ومخاطر تجميد الحرب في أوكرانيا

التطبيع هو الحل إذا استمر الصراع في كييف.
الخميس 2023/03/16
ما حدث لسوريا قد يتكرر مع أوكرانيا

تكشف جهود التطبيع المصري مع النظام السوري عن مدى تغير التعاطي العربي مع الحرب السورية، لكنها تبعث برسائل كبرى إلى العالم، تفيد بأن الأزمة الأوكرانية قد تتحول إلى نسخة من الأزمة السورية، لا تصل فيها الحرب إلى نهاية قريبة وتجبر الجميع على التطبيع معها ومع ما تحمله من تغيرات، لذلك لا بدّ من إعادة النظر في الحرب بناء على النموذج العربي المماثل.

تسارعت خطوات التطبيع مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد بعد الزلزال المدمر الذي وقع في بداية شهر فبراير الماضي، وظل الرئيس السوري لفترة طويلة ماكثا في دمشق، وكانت زيارته الأولى إلى عمان.

وحدثت قفزة عملاقة في التعاطي مع الملف السوري، حيث سافر وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى دمشق لتعزيز التحركات الدبلوماسية لفترة ما بعد الزلزال. صحيح أنه لم يقع أي خلاف بين البلدين في السنوات الماضية يستحق الذكر، إذ تجمع بين مصر وسوريا علاقات وطيدة وتقارب سياسي طبع فترة طويلة جدا من الزمن.

وكان زلزال شهر فبراير الذي دمر أجزاء من تركيا وسوريا نقطة تحول في العلاقات بين الشرق الأوسط ودمشق.

وللتعرف على المدة التي قضاها الأسد خارج نطاق الشرق الأوسط، علينا أخذ مكالمته الهاتفية في 7 فبراير بعين الاعتبار، ففي اليوم التالي للزلزال كانت أول محادثة له على الإطلاق مع

الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وذلك منذ أن قطع محمد مرسي، الرئيس الإسلامي المصري الذي لم يدم طويلا، العلاقات الدبلوماسية رسميا مع نظام الأسد في عام 2013، وكان لمصر رئيسان آخران، لم يتحدث أي منهما إلى بشار الأسد (بالنسبة إلى أولئك الذين يتساءلون عن هوية الرئيسين، كان خليفة الرئيس المخلوع مرسي هو عدلي منصور، والذي كان الرئيس المؤقت قبل انتخابات عام 2014).

موجة التطبيع التي تنامت بعد مرور سنوات على تجميد العلاقات مع الأسد تُستخلَص منها دروس تتعلق خاصة بالحرب في أوكرانيا

هذه الموجة المتنامية من التطبيع بعد سنوات عديدة من تجميد العلاقات مع الأسد بسبب حملته واسعة النطاق على احتجاجات الربيع العربي لديها أيضا دروس لأجزاء أخرى من العالم، وعلى وجه الخصوص حول حرب أوكرانيا، فبعد عام من الغزو، بدأ الغرب والدول الكبرى مثل الصين والهند في التعامل مع حقيقة أن الوضع في أوكرانيا قد يصبح حربا لا نهاية لها.

وبينما يفكر صانعو السياسات والمحللون في العواقب والاتجاه المحتمل للصراع الأوكراني، يجب عليهم النظر عن كثب إلى ما يحدث للنظام السوري وجيرانه. لأن التطبيع هو في الحقيقة انعكاس لطول الفترة الزمنية التي استمر فيها الصراع السوري من دون حل.

ولحرب مثل الحرب السورية عواقب خارجية واسعة النطاق، على سبيل المثال لا الحصر الهجرة الجماعية وتعطيل التجارة والميليشيات المسلحة، كما أن لها آثارا هائلة على السياسة والاقتصاد والنظام الاجتماعي في البلد والتي تتجاوز الحرب نفسها.

وبسبب الحجم الهائل للحرب والمشاكل التي تولدها، قد يكون من المغري تجميد الصراع، والتعامل فقط مع العوامل الخارجية مثل اللاجئين أو المناوشات الحدودية، وترك الباقي لما بعد.

ولكن تلك الصراعات هي دائما تحت رحمة الأحداث، سواء الأحداث السياسية أو الطبيعية، كما رأينا مع الزلزال. وكلما طال أمد الصراعات تلك، زاد احتمال حدوث شيء ما يغير حسابات السياسيين في بلدان المنطقة وخارجها.

مثلما تتسبب دبلوماسية الزلازل في إعادة التفكير، يحتاج الصراع الأوكراني إلى إذابة ما تراكم عليه من ثلج بسرعة

هذا هو بالضبط ما يحتمل أن يحدث مع الحرب في أوكرانيا. وهي، بعد عام من بدئها، مُعرضة لخطر أن تصبح حربا أبدية.

ويبدو أن كلا الجانبين مصممان على التصعيد، فالروس في خضم هجوم جديد، والغرب يستعد لتزويد أوكرانيا بأسلحة جديدة بما في ذلك الدبابات، وربما حتى الطائرات المقاتلة. وكل هذا يعني أنه من غير المرجح أن يكون هناك أي مخرج من هذا الصراع في القريب العاجل.

إن احتمال أن يحقق أي من الجانبين نصرا شاملا هو احتمال ضئيل، وما تسعى إليه كل من كييف وموسكو، كما اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه في خطاب الذكرى السنوية، هو “الهزيمة الإستراتيجية” للآخر.

ومن وجهة نظر روسيا، فإن الحرب المجمدة إلى الأبد في أوكرانيا هي الحل الذي يمكن لموسكو قبوله، حيث تم تجميد الصراع في شبه جزيرة القرم بشكل أساسي لسنوات حتى العام الماضي، وغزوها لجورجيا عام 2008 كان مجمدا أيضا.

وتلك الحروب المجمدة تفيد المعتدي، لأنها تقوض الزخم من جانب خصومها وتعتمد بشكل كبير على الأحداث السياسية الأخرى لتشتيت انتباه المؤيدين.

وفي نهاية المطاف، تظهر أحداث غير متوقعة، وكلها تضغط على البلدان الأخرى لإيجاد حل ولو كان حلا غير مثالي.

Thumbnail

وهكذا بدأت مسيرة التطبيع مع النظام السوري، حيث بدأت العواقب غير المتوقعة تظهر تدريجيا، مثل الضغط الهائل الذي تعرضت له الدول المجاورة على غرار الأردن ولبنان، ومزيج من تدهور الاقتصاد التركي ورد فعل الأتراك الاجتماعي العنيف ضد العديد من المهاجرين السوريين، والفرصة التي انتهزتها إيران للتدخل أكثر في سوريا. كل ذلك أقنع جيران سوريا بأن التطبيع أفضل من صراع مجمد لا نهاية له.

ويحدث الشيء نفسه في أوكرانيا، حيث تغيرت الحسابات تدريجيا في عام من الصراع، وليس فقط مع روسيا؛ فالصين هي مثال على كيف يمكن للأحداث غير المتوقعة أن تغير المفاهيم. فقبل عام، ربما كانت بكين راضية عن انتصار روسي خاطف أو حتى مقاومة أوكرانية تترك روسيا ضعيفة وأكثر اعتمادا على الصين، لكن الآن تغيرت حسابات بكين، حيث أن المقاومة الأوكرانية عنيدة إلى درجة أن الصين تشعر بالقلق الآن من الرسالة التي قد ترسلها الخسارة الروسية إلى تايوان. فهل ينظر التايوانيون عبر المضيق ويتصورون أنهم أيضا قد تكون لديهم فرصة ضد الجيش الصيني الأكبر حجما والأفضل تسليحا؟

إن أسوأ شيء بالنسبة إلى بقية العالم هو تجميد الصراع في أوكرانيا، حيث سيتلاشى كل الزخم والدعم الغربي. وكما حدث في سوريا، ستستمر الحوارات السياسية في أماكن أخرى إلى أن يحدث شيء ما مثل حرب أو زلزال أو أي شيء غير متوقع. وتماما كما تتسبب دبلوماسية الزلازل في إعادة التفكير في جميع أنحاء الشرق الأوسط، فإن الصراع الأوكراني يحتاج إلى إذابة الثلج من عليه بسرعة وبصورة مفاجئة.

7