طالبان تحظر تعليم الفتيات خوفا من حدوث انقسامات في صفوفها

الحركة غير بعيدة عن العودة إلى العمل المسلح والتعاون مع شبيهاتها من الحركات الإرهابية.
الاثنين 2022/04/11
لا تنازلات من طالبان في ما يتعلق بحقوق النساء والأقليات

يبعث قرار حركة طالبان المتشددة، التي استولت على الحكم في أفغانستان في أغسطس الماضي، حظر تعليم الفتيات إعطاء الحركة الأولوية لتماسكها الداخلي على تقديم تنازلات ترمي إلى اعتراف دولي بحكمها بما يمكّن من إنهاء معاناة الملايين من الأفغان.

كشف إصرار حكومة طالبان الأفغانية على تطبيق نهجها المتشدد في ما يتعلق بالسلوك والملبس وتعليم الفتيات، عن افتقارها للحلول العملية للأزمة الاقتصادية الطاحنة في البلاد، ما جعلها تلجأ للتشدد أيديولوجيا بعد انتصار الجناح الراديكالي داخلها في صراع دار مؤخرا على قيادتها.

أعلنت الحركة الأفغانية اعتبارا من نهاية مارس الماضي ألا يُسمح للنساء بالسفر دون رفقة رجل من العائلة، وأصدرت لوائح أكثر صرامة بشأن ارتياد الأماكن العامة، وقسمت أيام دخول الحدائق والمتنزهات العامة بين الرجال والنساء، وفرضت على الموظفين الذكور إطلاق اللحية وارتداء الزي المحلي التقليدي وأداء الصلاة في جماعة.

حرمت الحركة عددا كبيرا من الفتيات من التعليم، حيث استبعدت طالبات المرحلة الثانوية من قرار العودة إلى المدارس وحصرت العودة للطلاب والمدرسين الذكور في العام الدراسي الجديد بحجة عدم وجود مدارس كافية تفي لتطبيق خطتها لتخصيص مدارس للفتيات فقط.

حمل ربط طالبان بين عودة طالبات المرحلة الثانوية والتعليم العالي للدراسة وتطبيق تصوراتها بشأن الزي ومنع الاختلاط رسالة مزدوجة للمجتمع الدولي الذي طالبها بالتخلي عن مواقفها المتطرفة التي اعتمدتها خلال فترة حكمها بين عامي 1996 و2001، خاصة في ما يتعلق بمنع المرأة من التعليم وتغييب دورها عن المشهد السياسي.

الحاجة إلى تمويلات جديدة

قادة طالبان وجدوا أن الحفاظ على وحدة التنظيم أولى من مصلحة متوهمة مثل الحصول على اعتراف دولي يسهم في رفع المعاناة عن الأفغان

يعني تمسكها بمواقفها المتشددة حيال المرأة وإلغاؤها لوزارة شؤون المرأة التي كانت شُكلت أواخر عام 2001 لتضع مكانها وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المُوكَل إليها فرض التعاليم الدينية الصارمة، أن طالبان لن تقدّم تنازلات بهذا الخصوص مقابل الحصول على اعتراف دولي بها والسماح بتدفق المنح والمساعدات الاقتصادية.

راهنت الحركة على أن المجتمع الدولي لن يغامر بالوصول إلى سيناريو سقوط حكومتها ما ينذر بما هو أسوأ خاصة مع انتشار ناشطي داعش في غالبية ولايات البلاد، وأن الامتثال لمطالب الغرب بشأن تعليم المرأة يلزمه تعاون بالنظر إلى أن الفصل بين  الذكور والإناث يحتاج عمليا لاستحداث مدارس وكليات جديدة، والأمر يتوقف على ضخ تمويلات خارجية ضخمة وليس على تقديم تنازلات وتغييرات بشأن القناعات والتصورات.

وضعت طالبان تماسكها التنظيمي في مقدمة أولوياتها، لذلك استمر التمكين للجناح المتشدد ويمثل الأغلبية داخلها ولا يرفض فقط تنفيذ وعود إبداء مرونة في ملف المرأة إنما في غالبية الملفات التي كانت الحركة طمأنت الغرب بشأنها بعد استلامها السلطة.

ونكصت عن تعهدات تشكيل حكومة من جميع العرقيات والأقليات وعدم اقتصارها على عرقية البشتون، وحرصت على تمكين الجناح المتشدد، وهمشت عبدالغني برادر وأوكلت رئاسة الحكومة إلى محمد حسن أخوندزاده وكان وزيرا للخارجية في حكومة طالبان الأولى عام 2011، وهو صاحب العبارة الشهيرة “أسامة بن لادن ضيف أفغانستان ولن نسلمه لأحد”، فضلا عن إسناد وزارة الداخلية إلى سراج الدين حقاني المدرج على قائمة الإرهاب الدولي وصاحب العلاقات المتينة بالجماعات الجهادية العابرة للحدود، وتقلد محمد يعقوب منصب وزير الدفاع وهو الابن الأكبر للملا عمر وأحد المقربين من زعيم الحركة الحالي هبة الله أخوندزاده.

صراع على القيادة

باءت محاولات تغيير هيكل قيادة طالبان مؤخرا عبر تصعيد الجناح الأقل تشددا بقيادة عبدالغني برادر الذي يُعد رجل الولايات المتحدة في أفغانستان وأبرم اتفاق السلام عام 2020 مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالفشل، ما يعني الاستقرار على مجموعة قيادية أكثر معاداة للغرب تقدم الأيديولوجيا على المصلحة العامة ولا تثق كثيرا بالمجتمع الدولي.

بعد أن جرى تداول أنباء قبل أيام بحدوث تغييرات في قمة السلطة عقب نشر صحيفة “إطلاعات روز” الأفغانية خبرا عن تقديم رئيس الحكومة محمد حسن أخوندزاده استقالته بسبب مشكلات صحية، خرج المتحدث باسم الحركة نافيا حدوث أي تغيير واصفا التقارير الإعلامية التي تحدثت عن تعيين الملا عبدالغني برادر خلفا لأخوندزاده بالشائعات غير الصحيحة.

محاولات تغيير قيادة طالبان عبر تصعيد الجناح الأقل تشددا بقيادة عبدالغني برادر باءت بالفشل، ما يعني الاستقرار على قيادة أكثر معاداة للغرب

وأعطت تلك الأنباء فور نشرها قبل نفيها رسميا على لسان المتحدث باسم الحركة انطباعا بأن طالبان ضحت بتماسكها التنظيمي وتوازن القوى داخلها القائم على تقسيم النفوذ بين أجنحتها لانتزاع اعتراف دولي بحكمها.

تبددت ظنون إقصاء الجناح المتشدد سريعا وجرى التأكيد على عدم حدوث أي تغيير لصالح التيار الراغب في الانفتاح على الغرب والتعلم من دروس تجربة الحركة الأولى في السلطة بالإعلان عن قواعد السلوك الصارمة بشأن الزي وتعليم الفتيات ومنع الاختلاط بين الجنسين.

وعمدت طالبان رغم الضغوط والتحديات الهائلة خاصة في ما يتعلق بالوضع الاقتصادي والإنساني إلى تثبيت مستويات النفوذ داخلها على وضعها التقليدي عبر تقاسم السلطة والنفوذ بين الجناحين القويين المتنافسين الأكثر راديكالية، وهما جناح الملا يعقوب نجل مؤسس الحركة وجناح شبكة حقاني الذي يمثله جلال الدين حقاني وزير الداخلية، مع إبقاء الجناح الثالث المتمثل في فريق مفاوضات السلام بقيادة عبدالغني برادر على الهامش.

يعني حدوث إخلال بتوازن القوى بطالبان عدم استبعاد تجدد الاقتتال بين الجناحين الأكثر تشددا، وهما جناحا يعقوب وحقاني، فضلا عن توقع احتدام الخلاف بشأن عديد من الملفات المهمة، مثل العلاقات مع الهند والسماح بتدريب متشددين مناهضين لها بمعسكرات داخل أفغانستان على تنفيذ عمليات في كشمير من عدمه، والعلاقات مع باكستان الداعمة لأجنحة بعينها داخل طالبان التي تعاني من اضطرابات سياسية وتوتر في علاقتها بواشنطن، علاوة على الموقف من القاعدة وداعش خراسان.

إذا لم يحدث الحدّ المقبول من التوافق بشأن جميع هذه  الملفات فإن طالبان مهددة بالدخول في موجات انقسام وظهور حركات تمرد واقتتال داخلي وهروب العديد من أعضائها إلى أحضان تنظيم الدولة الإسلامية.

الأولوية للوحدة

تُعد سيناريوهات الاقتتال الداخلي بين أجنحة طالبان من منطلق الرضوخ للمطالب الغربية والأميركية بشأن ملفات حقوق الإنسان والحريات والمرأة أو ملف مكافحة الإرهاب عائقا أمام أي تطوير، خاصة أنها قد تقود إلى تحالف بين أتباع جناح حقاني مع داعش خراسان في مواجهة فصائل طالبان الأخرى، ما يدفع طالبان إلى منح الأولوية للوحدة والتماسك التنظيمي، ويجعل الغرب أكثر حذرا حال ممارسة الضغوط على الحركة لئلا ينفرط عقدها بما يصب في النهاية لمصلحة داعش.

وكما لا يمكن إحداث تقدم في ملفات حقوق المرأة والحريات والمساواة في التعليم طالما أن طالبان حريصة على هذا التوازن في النفوذ بين أجنحتها، يصعب إحداث تقدم فعلي وملموس في ملف مكافحة الإرهاب، حيث إن مطالب الغرب الخاصة بتقويض داعش خراسان لا تجد استجابة من فصيل حقاني المعروف بعلاقاته الوثيقة بالقاعدة والمقاتلين الأجانب.

يفضل الجناح الراديكالي لطالبان الذي انتصر في صراع السلطة والنفوذ ممارسة المناورات ومبادلة الضغوط بأخرى موازية مع المجتمع الدولي، حيث يستبعد قادة هذا الفصيل مسألة حصول اعتراف دولي بحكم الحركة حتى لو جرى تصعيد عبدالغني برادر في قمة المشهد، لأن الغرب يرهن الاعتراف والمساعدات بالقيام بخطوات تقنع العالم بأن طالبان تغيرت.

حولت الحركة عبر جناحها الأكثر تشددا ملف منظومة السلوك وحق الفتيات في التعليم إلى قضية سياسية توظفها وقتما تشاء بالطريقة المناسبة في أثناء تعاطيها ونقاشها مع القوى الدولية.

ودأبت على التلاعب بالألفاظ وإطلاق الوعود الغائمة بغرض إثارة جدل عالمي وطرح تساؤلات بشأن اختلافها عن نظام حكمها الرجعي القديم من عدمه، كمثال التصريح الذي أطلقه الناطق الرسمي باسمها ذبيح الله مجاهد وطالب العالم بالاعتراف بالحركة إن كان لا يريد أن تمثل أفغانستان تهديدا له، وتصريحات أخرى تعطي وعودا بتحقيق إصلاحات دون نتائج عملية.

وفي مراحل معينة تزيد طالبان من الضغوط عبر مواقف واضحة لا لبس فيها مثل الموقف الذي أعلنته حيال تعليم الفتيات وقرارات زي المرأة وتقسيم أيام الأسبوع بين النساء والرجال للدخول إلى الحدائق والمنتزهات، والذي أعقب اجتماع ومناقشات بشأن تلك الملفات بين قادة من طالبان ومبعوثين من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والنرويج وألمانيا والاتحاد الأوروبي في العاصمة النرويجية أوسلو نهاية يناير الماضي.

ردود الأفعال الدولية الغاضبة ومن الداخل الأفغاني على اجتماع أوسلو على خلفية محاولة إضفاء الشرعية على نظام متشدد، أوحت لقادة طالبان بأن الحصول على اعتراف دولي بسلطتهم أمر بعيد المنال وسط هذه الأجواء المشحونة الضاغطة على صانع القرار الغربي.

وجد قادة طالبان أن تحقيق مصلحة حقيقية وهي وحدة التنظيم وتماسك الكيان أولى من مصلحة متوهمة مثل الحصول على اعتراف دولي بالحركة يسهم في رفع المعاناة عن الملايين من الأفغان ممن يعانون أسوأ الكوارث الإنسانية والصحية في العالم، لذا لم يتفاجأ من يعرف أساليب طالبان وخطورة وضعها الداخلي بمدونة السلوك التي أصدرتها وتمديدها الحظر على تعليم الفتيات.

وتراهن الفصائل الأكثر تشددا داخل الحركة على تخوف القوى الدولية من تداعيات ترك الحركة لمصيرها ودفع البلاد بوقف المساعدات والدعم إلى الانهيار المالي والاقتصادي والفوضى الاجتماعية الشاملة، ما يدفع الحركة مجددا إلى العمل المسلح والتشبيك واسع النطاق مع حركات إرهابية أخرى، منها تنظيم داعش الذي ينشط حاليا بشكل متزايد.

6