طاقة لا تنضب.. الاندماج النووي يصبح حقيقة

إنها اللحظة التي انتظرها العالم طويلا.
الجمعة 2023/05/12
مفاعل إيتير يجري أكبر تجربة اندماج نووي في العالم

على مدى خمسة عقود حاول العلماء من 50 دولة توليد طاقة نظيفة غير محدودة من الاندماج النووي، دون جدوى. ولكن خلال السنوات الثلاث الماضية تضاعفت الاكتشافات وهناك اليوم مؤشرات تشير إلى تحول الحلم إلى واقع.

لندن- تغيّرت الآراء المرتبطة بالاندماج النووي التجاري بفضل مزيج من الاكتشافات العلمية والتمويلات الخاصة والعامة والدعم الحكومي. وكان الصحافيون وخبراء الصناعة قبل عشر سنوات يقولون إن “الاندماج النووي يبعد 30 عاما.. وسيظل كذلك دائما”. لكن الآراء تبدلت فجأة على ما يبدو من “إذا حدث هذا السيناريو”، إلى “متى يحدث هذا السيناريو”.

ويقول الخبراء الآن إننا قد نرى انطلاق عمل محطات طاقة نووية نموذجية في غضون عقد من الزمن بدل افتراض إمكانية أن نشهد خلال الأجيال القادمة استعمالا آمنا على مراحل.

لقد تغير كل شيء خلال السنوات الثلاث الماضية، وتضاعفت الاكتشافات العلمية بين عشية وضحاها. ومثّل كل اكتشاف مفتاحا لتطور التكنولوجيا الوليدة، لكن لثلاثة منها القدرة على قلب مقاييس الاندماج النووي التجاري وتحوله من حلم إلى واقع.

◙ الاندماج سيحتاج إلى إطار عمل تنظيمي إلى جانب المسائل الهندسية والمالية
الاندماج سيحتاج إلى إطار عمل تنظيمي إلى جانب المسائل الهندسية والمالية

وحطّم الباحثون في مفاعل توكاماك التجريبي المتقدم فائق التوصيل “إيست” في الصين الأرقام القياسية السابقة لتفاعل اندماج مستمر ثابت الحالة في 2021، وحققوا اندماجا لمدة 1056 ثانية (حوالي 20 دقيقة). ثم ضاعفت حلقة الطاقة الأوروبية المشتركة “جيت” في أوكسفوردشاير بعد بضعة أشهر فقط من اندماجها السابق الذي حققته في 1997، وأنتجت 59 ميغاجول من طاقة الاندماج في تجربة واحدة.

لكن التطور الأكثر أهمية حدث في ديسمبر الماضي، حيث حقق الباحثون في منشأة الإشعال الوطنية “نيف” في كاليفورنيا تقدما هائلا عندما أصبحوا أول فريق يتغلب على ما لا يزال أهم حاجز للانصهار النووي، وهو إنشاء طاقة إيجابية صافية من تفاعل الاندماج. وشملت التجربة تسليط شعاع ليزر بقوة 2.05 ميغاجول على كمية من وقود الاندماج لا تتجاوز حجم حبة فلفل. ونتج عن ذلك 3.15 ميغاجول من الطاقة، أي ما يعادل ثلاثة أصابع من الديناميت.

وقوبلت كل هذه النجاحات بزيادة هائلة في التمويل. وكانت الحكومات تشرف على تمويل جلّ تجارب الاندماج في الماضي، حيث كانت الكيانات الوحيدة التي تمتلك القدرة المالية على تحمل التجارب الطموحة. لكن انخراط القطاع الخاص تضاعف خلال السنوات الأخيرة بفضل التدفق الحقيقي لرأس المال الاستثماري. وتشمل القائمة المختصرة للمستثمرين من القطاع الخاص أسماء بارزة مثل جيف بيزوس، وبيتر ثيل، ولوكهيد مارتن، وغولدمان ساكس، وليغال أند جنرال، وشيفرون.

لكن القطاع العام لم ينسحب ولا يزال يواصل تمويل غالبية مفاعلات الاندماج الأكثر أهمية وإدارتها، بالإضافة إلى اندراج بعض مشاريع الاندماج الجديدة الواعدة ضمن
المؤسسات العامة.

ودخلت لجنة الطاقة الذرية ووزارة الطاقة الأميركية مؤخرا في شراكة مع مؤسسات خاصة مثل جنرال أتوميكس، مما مثّل تطورا مهما في أوجه التعاون بين القطاعين العام والخاص. كما تطورت سياسات دعم تقدم أبحاث الاندماج النووي وتجاربه في السنوات الأخيرة. وخصص قانون خفض التضخم الذي وضعته إدارة بايدن، على سبيل المثال، 280 مليون دولار لمشاريع الاندماج.

2030 عام يأمل فيه الخبراء أن نشهد خلاله تحقيق الطاقة الصافية عن طريق الاندماج المغناطيسي

لكن الأخبار ليست كلها جيدة، فلا يزال الاندماج مكلفا للغاية، ولا يزال تحقيق صافي إنتاج الطاقة بعيد المنال. حتى إن المفاعل التجريبي الحراري النووي الدولي (مفاعل إيتير جنوب فرنسا)، الذي يجسّد أكبر تجربة اندماج في العالم، والعامل بتمويل مشترك من 35 دولة، تجاوز الميزانية وتأخر عن جدوله الزمني. كما فاقم الوباء العالمي التعطيل الذي يشهده التقدم. وتوقع العلماء في إيتير إنتاج البلازما الأولى في 2025، ثم أخروا الموعد إلى 2026 على الأقل.

ويواجه القطاع فوق كل هذا تحديات تنظيمية كبيرة. “فسيحتاج الاندماج أيضا إلى إطار عمل تنظيمي إلى جانب المسائل الهندسية والمالية”، حسب مقال للمحلل توماس دبليو أوفرتون نشرته مجلة باور التي حددت أيضا أن الصناعة واللجنة التنظيمية النووية تتفقان على أن إطار العمل الحالي المصمم للمفاعلات غير مناسب لمحطات الطاقة الاندماجية.

لكن التوقعات تبقى أفضل مما كانت عليه قبل عقود رغم النكسات والتحديات الكبيرة التي تواجه الاندماج النووي القابل للتوسّع. وقال توماس دبليو أوفرتون إن “كثافة المشاريع التي تعمل بالتوازي تشير إلى إمكانية تحقيق الطاقة الصافية عن طريق الاندماج المغناطيسي قبل 2030، مما سيتزامن بشكل ملائم مع إطار اللجنة التنظيمية النووية. وإن حدث ذلك، فمن المحتمل أن يكون التمويل متاحا لأول مفاعل اندماجي يبدأ الإنتاج”.

12