ضعف أداء المرأة الكويتية سياسيا أدى إلى تراجعها

لم تسجل المرأة الكويتية أداء متميزا في المجال السياسي عموما وعلى مستوى مجلس الأمة خصوصا، ما جعلها تفقد ثقة الناخبين الذين فضلوا منح أصواتهم للرجال تعزيزا للحضور القبلي أو الطائفي. وأدى نزول النساء أرض الانتخابات بمعزل عن انتمائهن إلى أي تيار أو طائفة إلى نتائج مخيبة تعكس الواقع الذي تعيشه المرأة الكويتية.
الكويت ـ يؤكد المتابعون للشأن السياسي والمهتمون بقضايا المرأة في الكويت أن واقع المرأة الكويتية حامل لوجهين متناقضين، لا يعكس أحدهما الآخر، ولم يستطيعا طوال السنوات العشر الأخيرة على أقل تقدير أن يمتزجا أو أن يؤثر أحدهما “الإيجابي” في الآخر ”السلبي”، فبدت المرأة إزاء هذا الوضع وكأنها أمام انفصام في الصورة.
وأشار المتابعون إلى أنه بالرغم من نجاح المرأة في المستويين الاقتصادي والاجتماعي، حيث قادت دفة العديد من الشركات إلى تحقيق النجاحات والإنجازات وأثبتت حضورا طاغيا في القضايا الاجتماعية والخدمية، إلا أنها منيت بفشل وهزائم متتالية في المجال السياسي ولم تستطع إثبات علو كعبها في هذا الميدان.
تراجع
أكدت الإعلامية الكويتية حنان الزايد، وهي شريك مؤسس في فريق منار التطوعي لأمن وسلامة المرأة، أن تراجع المرأة الكويتية في البرلمان هذا العام وفي ظل جائحة كورونا لم يتح فرصة كافية للمرأة المرشحة أن تكون لها قاعدة كبيرة من مواطني ومواطنات الدائرة التي ترشح نفسها فيها وأن يكون لها وقت لتقنع الناخبين والناخبات بتوجهاتها وأهدافها والإمكانيات المتاحة لها لتكون أهلا للساحة البرلمانية.
وقالت لـ”العرب” إن نزول المرأة للانتخابات دون دراسة وتخطيط مسبق لأعوام سابقة لن يجدي نفعا، وإذا لم تكن لديها خطة واضحة ومنهج تتبعه قبل نزولها الانتخابات بسنوات فإنها ستمنى بالفشل.
وأضافت أن المرشحة التي تنزل الانتخابات بشكل فردي وشخصي لن تحقق نجاحا يذكر، وذلك لأن البرلمان الحالي هو برلمان يمثل نصرة للقبلية والطائفية والحزبية، لذا إن لم تكن المرشحة تنتمي لأحد هذه الأحزاب وتتلقى الدعم المستمر والوفاء وتوحيد الصفوف من هذه الطائفة أو تلك فإنه لن يتم انتخابها.
وأشارت الزايد إلى أنه في العام 2009 تمكنت أربع سيدات من الفوز بكراسي مجلس الأمة، لكن المرشحات اللاتي وصلن المجلس لم يحققن طفرة نوعية في أدائهن البرلماني ولم يكن أداؤهن مميزا أو يختلف عن أداء زملائهن الرجال في قاعة المجلس، مما خلق إحباطا وخذلانا لدى الشارع الكويتي الذي أصبح يفضل أن يعطي أصواته للرجال من أجل تعزيز الحضور القبلي أو الطائفي وحتى لا تهدر الأصوات على سيدات نزلن أرض الانتخابات بمعزل عن انتمائهن إلى أي تيار يذكر.
وأكدت أنه من الطبيعي أن تختار الأم والجدة والزوجة والأخت والعمة والخالة قريبها المرشح وتدعمه خاصة مع نظام “الصوت الواحد”.
وركزت ندوة افتراضية عقدها مؤخرا برنامج الكويت “لندن سكول أوف إيكونوميكس” على أبحاث الدكتورة زينب كايا حول المشاركة السياسية للمرأة في الكويت مع تلقي المزيد من التعليقات والرؤى من الدكتورة لبنى القاضي والدكتورة كورتني فرير من كلية لندن للاقتصاد التي تعمل كرئيسة.
وأشارت الدكتورة كايا محاضرة في دراسات التنمية في جامعة باث ومتخصصة في العلاقة بين النوع الاجتماعي والعنف والتنمية في حالات النزاع وما بعد النزاع إلى أن الكويت كانت متقدمة على دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، حيث أعطت المرأة الحق في الترشح للبرلمان منذ عام 2005، ومع ذلك لم تكن الأرقام مشجعة، على الرغم من أن عدد النائبات القليلات اللائي تم انتخابهن كان لهن تأثير ملحوظ. وفي 2006 – 2008 لم تكن هناك عضوات برلمانيات، وفي 2009 كانت هناك أربع منهن، وفي 2012 ثلاث، وفي 2013 امرأتان، وفي 2016 واحدة، وفي انتخابات 2020 لا شيء.
وفي مشروع بحث يعود إلى عام 2019 حول السياسة ونشطاء حقوق المرأة، أجرت الدكتورة كايا وعلى مدى ثلاثة أسابيع مقابلات مع نساء من مختلف مناحي الحياة، لكنها لم تكن قادرة على ضم النساء المحافظات والمنظمات الإسلامية والبدو والقبائل والنواب الذكور.
وانقسمت التحديات السياسية للمرأة إلى خمسة مجالات رئيسية: المعايير الجنسانية وعدم المساواة، وازدواجية المعايير والتمييز على أساس الجنس، والطبيعة المنغلقة للديوانيات نظرا لأهميتهن الانتخابية، وحدود الشبكات النسائية والواسطة والفساد.
تحيز جنسي
بيّنت كايا أن الحقوق المتساوية للمرأة على الورق لم تترجم إلى تكافؤ فرص على أرض الواقع، حيث يتم فرض النظام القانوني الذكوري للأسرة التي تم تحديدها في الدستور على أنها الوحدة الأساسية للمجتمع. وفي التسلسل الهرمي الجنساني، يتفوق الرجال على النساء في الزواج والوصاية القانونية والطلاق والسكن والميراث، وفي الآونة الأخيرة فقط، وبموجب المادة 153، تم إلغاء جرائم الشرف وحظر العنف المنزلي، لكن العديد من النساء العاملات لا يتمتعن بإمكانية الوصول إلى حساباتهن البنكية الخاصة، وليست للأمهات سيطرة قانونية على أبنائهن، وتواجه النساء المطلقات العديد من الصعوبات.
وفي ما يتعلق بالمعايير المزدوجة والتمييز الجنسي، أظهر بحث الدكتورة كايا أن المجتمع الكويتي لا يعتقد أن المرأة الكويتية مؤهلة أو ماهرة في الحياة السياسية مثل الرجل. وهذا يؤدي إلى فرض المزيد من الرقابة الصارمة على النساء في البرلمان. وتعمل المعايير المزدوجة لصالح الرجال حيث يتم منحهم فرصا متعددة، وعلى الرغم من عدم أهليتهم في كثير من الأحيان، تتم إعادة انتخابهم ولا يخضعون لأي رقابة. وفي الوقت نفسه، ينتشر التحيز الجنسي وكراهية النساء والنظام الذكوري على وسائل التواصل الاجتماعي، ويتم الحكم على النساء في السياسة والتقليل من شأنهن لعدم التزامهن بالأدوار التقليدية.
وفي عام 2009 تم وصف النساء المنتخبات في البرلمان على أنهن فاشلات، لكنهن أحرزن تقدما كبيرا في أقل من ثلاث سنوات في مشروع قانون لحقوق المرأة، بينما عرقل نواب محافظون من الذكور مشروع القانون.
المجتمع الكويتي لا يعتقد أن المرأة الكويتية مؤهلة أو ماهرة في الحياة السياسية مثل الرجل وهذا يؤدي إلى فرض المزيد من الرقابة الصارمة على النساء في البرلمان
ورغم أن البرلمان الكويتي يحتله الرجال، وعلى الرغم من أن الكويت لم يكن لديها سوى عدد قليل من البرلمانيات، إلا أن المرأة كانت نشطة للغاية في السياسة لسنوات عديدة، بشكل غير رسمي ومن خلال المنظمات غير الحكومية، في المجتمع المدني وحقوق الإنسان والجمعيات الخيرية.
ومن أجل الدخول في الحياة السياسية، فإن المشاركة في الديوانيات (الاجتماعات المسائية في المنزل) والشبكات مهمة للغاية. ويمثل دخول المرأة إلى ديوانية تحديا، كما هو الحال بالنسبة إلى شاب ليست له خلفية قبلية. وقد أقامت النساء عددا قليلا من الديوانيات المخصصة للإناث والجنس المختلط. وتحتاج السياسيات الطموحات إلى شبكات لكن ليست لديهن إمكانية الوصول إلى الشبكات الذكورية. وكنتيجة لذلك، تقوم المرشحات باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي أكثر بكثير من نظرائهن من الرجال، بإنشاء شبكات على الإنترنت، كما أنهن يتعاملن مع الشباب أكثر ويولين اهتماما أكبر لقضايا الشباب مثل المجتمع المدني ومستقبل دولة الكويت والديمقراطية.
ولكنّ هناك جدلا يدور حول ما إذا كانت النائبات أقل فسادا من زملائهن الرجال. وهو ليس بأمر يسهل اكتشافه، حيث أن بعض الوزيرات كنّ مقربات من الحكومة. وأرادت معظم النساء في الدراسة المزيد من الشفافية، وتحدين الواسطة والفساد ودعين إلى المساواة في الخدمات مثل الرعاية الصحية والتعليم.
وبشكل مختصر، قالت الدكتورة كايا إن حق المرأة في التصويت كان له تأثير: فالديوانيات تتغير والنساء يطالبن بالشفافية في البرلمان. النواب الذكور يتحدثون عن قضايا المرأة. والأحزاب الإسلامية تشمل النساء. وقد أدى حق المرأة في التصويت إلى الكشف عن أوجه عدم المساواة بين الجنسين وكراهية النساء.
وناقشت الدكتورة القاضي مديرة مركز البحوث والدراسات النسائية بجامعة الكويت في تعليقاتها كيف تم تقسيم الدوائر الانتخابية على مدار التاريخ إلى خمس دوائر، وهو ما يؤثر على أنماط التصويت، وخاصة بالنسبة إلى المرشحات.
وأكدت أن السياسة القبلية تهيمن في عدة مناطق ومن غير المرجح أن يتم اختيار النساء في منطقة قبلية. كما أن القبائل تحتكر مناطقها، وتجري انتخابات تمهيدية خفية غير قانونية، ثم تعلن عن مرشحيها المختارين. وعادة ما تصوت نساء القبائل وفقا لمعايير الولاء القبلية، خائفات من التصويت بشكل مستقل.
وتكتظ المناطق القبلية بالسكان بشكل عام وليس من السهل على النساء المشاركة فيها. ويحتاج المرشحون، رجالا ونساء، إلى تمويل إضافي في هذه المقاطعات، لكن هذا التمويل أحيانا يوجهه المرشحون الذكور إلى شكل معين من أشكال الفساد، حيث لا يُسمح للناخبين بالقيام بالإدلاء بأصواتهم إلا في منطقتهم الخاصة، لذا يقوم المرشحون الأثرياء بنقل الناس لتأمين تصويتهم، وهذا بالطبع يعتبر ممارسة من ممارسات الفساد. ولا تذهب النساء إلى هذا الحد من الفساد وليست لديهن الأموال اللازمة للقيام بذلك.
عوائق

هناك المزيد من العوائق التي تواجه المرأة مثل المجموعات الحضرية التي اختارت أن تقاطع الانتخابات والأحزاب السياسية والإسلامية والقبلية “غير المرئية” (الأحزاب محظورة ولكن العديد من المجموعات تعمل كأحزاب). وبالتالي تحولت الديوانيات التي بدأ الرجال في عقدها للمناقشات إلى “مطابخ سياسية” تتخذ فيها قرارات ليست للمرأة أي مساهمة فيها. وتعد الديوانيات أكثر انفتاحا في المناطق الحضرية ولكن في المناطق القبلية لا تحاول النساء المشاركة في أي منها.
وظهر التحيز الجنسي والمعايير المزدوجة على منصات التواصل الاجتماعي في الانتخابات الأخيرة. وتم انتقاد بعض المرشحات على أنهن عدوانيات على الرغم من تنفيذهن لحملات انتخابية جيدة. وأجرى الرجال حملات انتخابية بنفس القدر من القوة دون انتقاد. ومع ذلك، كما أشارت الدكتورة القاضي، فإن النساء هن من حصلن على حق التصويت للقضاء على العنف ضد المرأة بموجب المادة 153، بدعم من العديد من المنظمات غير الحكومية والجمعيات الخيرية.
وتم تمرير مشروع القانون في العام الماضي، وعرف النواب الذكور أن الانتخابات قادمة، وأن موقفهم من المادة 153 سيكون مهما وكان عليهم محاولة الحصول على تصويت النساء.
وواصلت النساء اللواتي خسرن حملتهن لأنه، وفي سياسات البلاد، لا يمكن لأي شخص أن يتوقع أبدا توقيت الانتخابات المقبلة. وتحظى المرشحات بدعم من الشباب من كلا الجنسين الذين يلعبون دورا رئيسيا في التعبير عن مخاوفهم بشأن المستقبل السياسي والاجتماعي لبلدهم أثناء مراقبة ما يجري في البرلمان.
وقالت القاضي إن الشباب يتحدثون بصوت عال حول حقوق المرأة والفساد والطريقة التي تتجه بها السياسة الكويتية وحول الديمقراطية في البلاد. ويرى هذا الجيل الجديد من الشباب أن وجود النساء في البرلمان يجب أن يصبح أمرا طبيعيا.
يتم الحكم على النساء الكويتيات في السياسة والتقليل من شأنهن وتصغيرهن لعدم التزامهن بالأدوار التقليدية
وتعتقد الزايد أن المرأة الكويتية لن تحقق تقدما سياسيا إلا من خلال ثلاثة اتجاهات، وهي أن تنخرط للعمل وتحظى بتأييد كامل لحزب أو تيار سياسي يدعمها بالأصوات ويقودها للنجاح في البرلمان.
وأن يتم تطبيق نظام الكوتا بشكل مؤقت ولفترة زمنية حتى يقتنع المجتمع الكويتي بأطيافه بدورها الفعال في العملية السياسية عندما تتميز بإنجازاتها.
والأمر الثالث أن تعمل الحكومة على تعزيز وتمكين المرأة الكويتية في تعيين عدد أكبر من السيدات الناجحات القياديات في تولي حقائب وزارية كما هو الحاصل في الفترة الحالية ولكن مع زيادة نسبة النساء.
والى الآن نجحت الحكومة وأصحاب القرار في إعطاء المرأة القيادة في تولي بعض الوزارات والمجالس البلدية وكذلك بعض الهيئات وأثبتت المرأة جدارتها وقوتها في العطاء والنزاهة والإنجاز للمشاريع المختلفة.
ووفق زينب السماك إحدى الفاعلات في الشأن السياسي الكويتي، لم تكن جهود المرأة الكويتية نحو تحقيق التغيير من القاعدة إلى القمة ومن القمة إلى القاعدة في ظل وضعها الاجتماعي ومكانتها السياسية بالمهمة السهلة. فلا يزال نقص التمويل المتوفر للمرشحات، ونظام الصوت الواحد المقيد، واستمرار المنتديات السياسية التي تقتصر على الرجال، والفكرة المنحازة السلبية المتأصلة بعمق في المجتمع في ما يتعلق بدور المرأة، عوائق أمام تحقيق تكافؤ الفرص السياسية للمرأة.
وبالنسبة إلى السماك، فإن أحد أكبر التحديات التي تعيق مشاركة المرأة في السياسة هي الصورة النمطية المأخوذة عن المرأة داخل المجتمع. حيث يعتقد الكثيرون أن النساء غير قادرات على التعامل مع الضغوط السياسية والتشريعية للمجالس الانتخابية. ويعتقد كثيرون أنه ينبغي على المرأة إما العودة إلى مجالها الخاص أو أن تدلي برأيها، ولكن في نطاق محدود.