ضبط الحدود يفرض التغيير السوري

تهريب الكبتاغون والمخدرات لم يعد ممكنا فصله عن سياسة الضغط على دول الخليج وابتزازها عبر إغراق أسواقها وتدمير مجتمعاتها وشبابها.
الأحد 2022/12/11
الأردن نقطة عبور الكبتاغون من سوريا إلى السعودية

مع مرور كلّ هذه السنوات على الثورة الشعبيّة في سوريا، لا بدّ من التساؤل هل في استطاعة النظام البقاء على قيد الحياة بعدما تبيّن أن سوريا تحولت إلى خطر إقليمي ومصدر قلق لكل جيرانها. أثبتت التجارب التي مرت فيها سوريا منذ انطلاق الثورة في ربيع العام 2011 أن نظام دمشق غير قادر على ضبط حدوده، هذا إذا أخذنا الأمور بحسن النية..

صارت الحدود الشمالية السورية مع تركيا، منذ سنوات، في حال تفلّت شبه كاملة. أضحت كامل الحدود مساحات عبور مهمة لتهريب المواد، المسموح بها والممنوعة، فضلا عن الأسلحة بكل أنواعها والمتفجرات. الأهم من ذلك كلّه الأشخاص. ثمة تهريب للإرهابيين ولأشخاص مسالمين وللاجئين الذين تستغلهم تركيا للضغط على أوروبا. قبل أسابيع قليلة، اكتوت تركيا نفسها بنار تسيّب حدودها مع سوريا بعد تفجير إسطنبول.

بالنسبة إلى الحدود الجنوبية مع الأردن أصبحت هذه الحدود أهم نقطة لتهريب حبوب الكبتاغون بالملايين إلى الأردن ومنه إلى دول الخليج. صارت تجارة تصدير الكبتاغون والمخدرات من أهم روافد الأموال التي يحتاج إليها النظام السوري ويستخدمها جيّدا في لعبة صراع البقاء الذي تعيش دمشق في ظلّها في الوقت الحاضر.

◘ قريبا، قد يضطر بشّار الأسد إلى استخدام القوة لقمع انتفاضة الدروز في السويداء كما فعل في المناطق السنّية في الماضي القريب

لم يعد ممكنا فصل تهريب الكبتاغون والمخدرات عن سياسة الضغط على دول الخليج وابتزازها عبر إغراق أسواقها وتدمير مجتمعاتها وشبابها بحبوب مخدّرة ومهيّجة تصنعها معامل النظام السوري وتهربها وتوزعها شبكات “حزب الله” اللبناني الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني.

ما بات لافتا في الأشهر القليلة الماضية ظاهرة تهريب السلاح إلى الأردن. هذه الظاهرة قديمة، لكنّها أخذت حديثا بعدا جديدا على الرغم من محاولات الحكومة الأردنية التغطية على هذه المعضلة الجديدة بطريقة أو بأخرى.

سيصبح تهريب السلاح مشكلة أكبر نظرا إلى أنّه يدخل ضمن الأجندة الإيرانية لنشر عدم الاستقرار في الأردن. كذلك، يبدو أن هذه السياسة قد تستفحل، كونها تندرج في سياق محاولات إيران تصدير المشاكل الداخلية التي تواجهها حاليا إلى الخارج، تحديدا نحو الأردن وبقية دول الخليج.

بالنسبة إلى الحدود الجنوبية مع إسرائيل، لا يوجد شكّ بأنّ إسرائيل تتابع وتراقب بحذر شديد الوضع في الجنوب السوري وتحديدا في محافظتي القنيطرة ودرعا وأخيرا السويداء. تطرح إسرائيل علي نفسها السؤال الرئيسي: إلى متى سيبقى نظام بشّار الأسد قادرا على التقيّد بالتزامه القديم القائم على تأمين حدودها الشمالية؟

تبدو عودة الفصائل الفلسطينية “المقاومة” التابعة لإيران إلى دمشق مؤشرا مقلقا لإسرائيل، خصوصا في ظلّ الإرهاق الذي يواجهه نظام بشّار الأسد. هل يمكن أن تمارس إسرائيل لعبة الانتظار قبل أن ينتشر السلاح الفلسطيني الممول إيرانيا في الجولان.. وهل ستقبل أن تتحول الحدود السورية إلى ما كانت عليه الحدود اللبنانية في السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي عندما كانت الفصائل الفلسطينية تطلق صواريخها وترسل الفدائيين لتنفيذ عمليات في العمق الإسرائيلي؟

يبدو مثل هذا النوع من الأسئلة مشروعا ومنطقيا في ضوء العجز الواضح للنظام السوري على ضبط انتشار “حزب الله” و”الحرس الثوري” الإيراني في الجولان السوري وتغلغله ضمن الفرقة الرابعة التي أصبحت مثل “حزب الله” اللبناني، مجرّد تابع لـ”الحرس الثوري” من ضمن ما يسمّى “الجيش العربي السوري”.

يضاف إلى ذلك كلّه، فشل روسيا في التزام تعهداتها لإسرائيل. تتعلّق هذه التعهدات بوقف التمدد الإيراني في الجنوب السوري. أجبر ذلك إسرائيل على تنفيذ عملياتها العسكريّة الأخيرة بشكل مباشر وعلى مرأى من موسكو وسمعها. ليست الضربات الإسرائيلية الأخيرة في العمق السوري، أقلّه في جانب منها، سوى رسالة إلى موسكو الغارقة إلى ما فوق أذنيها في الوحول الأوكرانيّة.

في ظلّ هذه المعطيات، وفي ظلّ تردّي الوضع الداخلي السوري إلى أبعد حدود، عاد مطروحا دوليا ما يمكن تسميته الحل الأسرع والمستدام لضمان أمن الحدود السورية للجميع. هذا يعني إعادة طرح فكرة المجلس العسكري السوري، المرشّح لأن يكون خليطا ممّا بقي من الجيش السوري والضباط العلويين والمعارضة المسلحة المعتدلة. يضاف إلى هؤلاء الآلاف من الضباط السوريين السنة المنشقين من الذين تحتجزهم تركيا ضمن معسكرات الضباط في أضنة إضافة إلى الأكراد من “قسد” (قوات سوريا الديمقراطية).

لماذا بات تشكيل مثل هذا المجلس مطروحا الآن؟

◘ الحدود الشمالية السورية مع تركيا صارت، منذ سنوات، في حال تفلّت شبه كاملة. أضحت كامل الحدود مساحات عبور مهمة لتهريب المواد، المسموح بها والممنوعة

الجواب في الفشل الاقتصادي للنظام السوري. بات النظام عاجزا عن تأمين الأمن الغذائي، في حده الأدنى، لما بقي من مواطنين يعيشون على أرض سوريا. سيسرّع ذلك في تحويل سوريا إلى دولة فاشلة. الجواب أيضا في التململ الواضح داخل البيئة الحاضنة للنظام، خصوصا في أوساط الطائفة العلوية التي أصبحت اليوم تمتلك ما يكفي من الجرأة لكيل السباب وتوجيه الانتقادات لبشار الأسد وزوجته واتهامهما بالفساد والفشل وعدم الاكتراث بشعبهما الذي صمد ودفع الدم في سبيل الدفاع عن نظام الأسد وما يسمّى “سوريا الأسد”.

فقد نظام الأسد ورقة التوت التي كانت يستتر بها تحت مسمى “حماية الأقليات”. هاجر أكثر من ثمانين في المئة من مسيحيي سوريا. واليوم نرى الدروز في محافظة السويداء يطالبون بإسقاط النظام ويقولون جهارا إنّ بشّار الأسد ليس حاميا للأقلّيات ولا ضامنا لها، بما في ذلك الأقلّية العلويّة التي تسيطر على سوريا منذ العام 1970.

قريبا، قد يضطر بشّار الأسد إلى استخدام القوة لقمع انتفاضة الدروز في السويداء كما فعل في المناطق السنّية في الماضي القريب.

في هذا الإطار، يبقى من اللافت عالميا، خصوصا على صعيد الدول المانحة التي ما زالت تساعد سوريا، أنّ هذه الدول باتت تعلن يوميا وفي كل محفل دولي، أن أيّ تقارب مع بشّار الأسد وأيّ اعادة قبول به شخصيا وبنظامه باتا من المستحيلات.. خصوصا إذا تم تمرير القانون المقترح حاليا أمام الكونغرس الأميركي الذي يعتبر بشار الأسد زعيما لمافيا دولية لتصنيع المخدرات وتهريبها.

هل آن أوان التغيير في سوريا بعد كلّ الذي يحدث في إيران وبعد خسارة فلاديمير بوتين حربه في أوكرانيا؟

5