صيف ليبيا اللاهب بلا كهرباء

عاش الليبيون صيفا لاهبا لم يعايشوه منذ سنوات، وزادت أزمة انقطاع الكهرباء المتكررة من حرارته، ما دفع بالكثيرين إلى شراء المولدات الكهربائية وتحمل عبء مادي إضافي يثقل جيوب الميسورين، في حين لجأ ضعفاء الحال إلى نسمات البحر لتخفف عنهم وطأة الحر.
طرابلس - يعرف الصيف في العاصمة الليبية بأنه قاس، لكن صيف هذا العام كان الأقسى على أهلها منذ سنوات كثيرة في ظل حرارة تجاوزت الأربعين درجة مئوية مع غياب المراوح ومكيفات الهواء بسبب الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي.
واعتاد أحمد (29 عاما) الخروج من بيته من أجل الترويح عن نفسه، إذ أصبح يقضي أمسياته على شاطئ البحر المتوسط، حيث يمكنه الاستمتاع بنسيم البحر حتى وإن كان الظلام الدامس يغطي الكورنيش بسبب انقطاع التيار الكهربائي.
ووفقا لوكالة “بلومبيرغ” للأنباء، قال الشاب العشريني إنه يلتقي هناك أصدقاءه “ليتنفسوا قليلا” وليشكوا همهم لبعضهم البعض بشأن أوضاع الكهرباء والخدمات العامة.
وتعاني معظم مدن ليبيا، خاصة العاصمة طرابلس، من انقطاع يومي للكهرباء يصل إلى 12 ساعة، خاصة في فترة الذروة (الشتوية والصيفية)، حيث يلامس العجز في توليد الطاقة 2500 ميغاوات يوميا، بينما لا يتخطى الإنتاج الحالي 5 آلاف ميغاوات يوميا.
المواطنون الأكثر ثراء يتحملون تكلفة تشغيل مولدات كهرباء لتبريد منازلهم ومتاجرهم ومكاتبهم. أما الفقراء فليس لديهم خيار إلا تحمل الحرارة
وقد تسببت الحرب الأهلية التي تعانيها ليبيا منذ عام 2011 في دمار واسع بالبلاد التي تمتلك أكبر احتياطات من النفط الخام في أفريقيا. كما أصبحت شبكة الكهرباء، التي كانت قوية في الماضي، في حالة يُرثى لها. فقد وصلت شبكة الكهرباء إلى نقطة الانهيار من جراء غياب الصيانة ونقص الوقود في محطات التوليد والحصار الذي تسبب في وقف الصادرات النفطية.
ودفع هذا الوضع المئات من سكان طرابلس للتظاهر احتجاجا على إخفاقات الحكومة وانقطاعات الكهرباء، التي تصل لنصف ساعات اليوم، علما وأنه قلّما تشهد ليبيا احتجاجات جماهيرية.
وأعلنت الحكومة على إثر التظاهرات حظرا للتجوال في محاولة منها لاحتوائها وللسيطرة على تفشي كورونا.
وعلى مدار سنوات الحرب شهدت شبكة الكهرباء الليبية تدهورا متزايدا، إلا أن المرحلة الأحدث من الحرب كان لها التأثير الأكبر، وألحقت أضرارا بخطوط نقل الكهرباء ومحطات التحكم.
وأوضح مسؤول بالشركة العامة للكهرباء أن لصوصا قاموا بسرقة كابلات الجهد العالي من أعمدة الطاقة، مضيفا أن إنتاج الكهرباء على مستوى البلاد انخفض على مدار السنوات الخمس الماضية، وأصبح يكفي الآن فقط نحو 60 في المئة من ذروة الطلب في فصل الصيف.
وتقول شركة الكهرباء إنه يتعين الانتظار لحين تراجُع حدة الطلب في فصلي الخريف والشتاء حتى تتمكن من القيام بأعمال الصيانة.
وأفاد ناجي أبوزقية، مدير محطة جنوب طرابلس الغازية، ”لا يمكننا القيام بأي صيانة لوحدات التوليد حاليا.. إننا في حاجة ماسة لكل ميغاوات”.
وحذرت المؤسسة الوطنية للنفط مؤخرا من أن وقف التصدير، الذي يؤثر أيضا على الغاز المنتج من حقول النفط، سيؤدي إلى تفاقم أزمة انقطاع التيار الكهربائي في الشرق.
وقد تراجعت إمدادات الغاز لمحطات إنتاج الكهرباء بمدينتي بنغازي والزويتينة بشرق البلاد إلى 160 مليون قدم مكعب في اليوم من 250 مليونا. وأشارت المؤسسة إلى أن هذه الإمدادات قد تتوقف بالكامل.
ولجأ الليبيون إلى التصدي للمشكلة بأنفسهم. وكما هو الحال في العراق ولبنان، تقوم الشركات والمواطنون الأكثر ثراء بتحمل تكلفة تشغيل مولدات كهرباء لتبريد منازلهم ومتاجرهم ومكاتبهم. ولا تكف محركات المولدات، التي تعمل بالبنزين، عن إطلاق الضجيج في العديد من أحياء طرابلس. أما الفقراء فليس لديهم خيار إلا تحمل الحرارة.
وقال العارف حميدة إنه حقق مبيعات هائلة من المولدات هذا الصيف حيث باع ثلاثة آلاف مولّد تمثل كل ما لديه من مخزون، وذلك خلال أقل من شهرين.
وصار مشهد انتشار مولدات الكهرباء الصغيرة مألوفا أمام المحلات وفي معظم المنازل، كما انتشرت بشكل واسع ورش صيانتها، حيث بات مولد الكهرباء من الأساسيات الضرورية للعيش داخل المنازل الليبية وللتغلب على تداعيات الحرب وحرارة الصيف، لكنه يشكل ضغوطا اقتصادية على أرباب الأسر، حيث صارت الكهرباء تشكل كابوسا لليبيين إلى جانب الحرب، وعملية توفرها بانتظام أشبه بالحلم.
ووفقا لوكالة الأنباء الصينية (شينخوا)، قال عادل غرمول الذي يقطن بمنطقة السدرة جنوب طرابلس، “صحيح أن المولد يقدم حلا مؤقتا، ويجعلنا نعود إلى منازلنا والعيش فيها مجددا، لكنه يشكل ضغوطا اقتصادية على أرباب الأسر، لأنه يحتاج إلى شراء وقود وصيانة دورية، وكلها أعباء لا يمكن لكل المواطنين تحملها، خاصة مع تراجع القدرة الشرائية لليبيين جراء الحرب الجارية”.
وفي محاولة منها لتقليل التداعيات، تقوم شركة الكهرباء بقطع التيار بالتناوب لتوزيع الإنتاج المحدود بين المدن. إلا أن مسلحين يقتحمون بصورة متكررة منشآت التوليد للضغط على المهندسين لإعادة التيار إلى مناطقهم.
وحذر أبوزقية من أن هذا قد يؤدي إلى انقطاعات أكبر أو حتى انهيار الشبكة. وكانت الشبكة قد انهارت ثلاث مرات في مطلع الشهر الماضي ما أدى إلى انقطاعات واسعة في جنوب وغرب ليبيا.
وأضاف ”عندما يجد موظف مدني نفسه في مواجهة مع شخص مسلح أو جماعة مسلحة، فإنه لا يمكنه فعل أي شيء سوى الامتثال”.
وفسر محمود الرياني، أحد مسؤولي الإعلام بالشركة العامة للكهرباء في ليبيا، المشاكل التي تواجه العجز في تأمين الطاقة خاصة في الصيف، قائلا إن “الطلب على الطاقة يرتفع جدا خلال فصل الصيف الحار والشتاء أيضا، وبالتالي يصبح الفارق بين الإنتاج واستهلاك الطاقة واضحا، فتضطر الشركة إلى طرح مبرمج للكهرباء عن المدن والمناطق، لضمان عدم انهيار الشبكة والدخول في إظلام تام، وهو يحدث بين الحين والآخر، ويكبد الدولة خسائر مالية ضخمة”.