صيادو السمك الصقليون لا يعرفون متى يعودون بعد إبحارهم

الصيادون يعرّضون أنفسهم للخطر مقابل صيد القريدس الأحمر الذي يباع الكيلوغرام الواحد منه بحوالي 50 يورو بسعر الجملة.
الخميس 2020/11/12
مخاطر متعددة تعرقل الصيد

ماتسارا ديل فالو (إيطاليا) - يذكر دومينيكو أسارو أحد أيام 1996 حيث بدأت فيه القوات الليبية إطلاق النار على مركبه لصيد السمك “أوزيريد”، مطلقة بذلك مطاردة استمرت أربع ساعات كاد يصاب خلالها برصاصة في الجمجمة.

وصودر مركبه بعدما أبحر من بلدة ماتسارا ديل فالو في صقلية لصيد الجمبري الأحمر العملاق الذي يلقى رواجا كبيرا، في المياه الدولية على بعد حوالي تسعين كيلومترا قبالة مدينة مصراتة الليبية، واحتجز مع أفراد طاقم سفينته الثمانية ليمضوا الأشهر الستة التالية في سجن ليبي.

الآن، يرى “ميمو” كما يلقبونه، وهو في الرابعة والستين من العمر، هذه التجربة تتكرر مع دخول مدة احتجاز 18 صيادا من المدينة نفسها الواقعة في جنوب صقلية، في ليبيا شهرها الثالث على إثر حادثة مماثلة وقعت في سبتمبر الماضي.

هذه الحوادث الخطيرة مألوفة لدى صيادي ماتسارا الذين اعتمدوا لأجيال على هذه المياه للقمة عيشهم، لكنهم يرون مستقبلهم مهددا أكثر فأكثر.

ومع تضاؤل مخزونات السمك السمكية وتحسن قدرات سفن الصيد، باتت قواربهم تبتعد عن الميناء في العقود الأخيرة بحثا عن صيد مربح، لكن في مياه تقول ليبيا إنها تحت سيادتها.

وتصاعد التوتر حول حقوق الصيد بين صقلية وجيرانها في شمال أفريقيا ولاسيما ليبيا وتونس ليبلغ ما سمي بـ”حروب الصيد”.

وقال ميمو، وهو ينظر إلى البحر من ميناء ماتسارا حيث ترسو العشرات من سفن الصيد المتهالكة لقدمها وبسبب المياه المالحة، إن “الأسوأ هو أن الصيادين يعرفون متى سيغادرون لكنهم لا يعرفون مطلقا متى سيعودون”.

يعتبر الصيادون الصقليون أنهم يستطيعون الصيد في المياه الدولية في البحر المتوسط طالما أنهم يعملون على بعد 12 ميلا بحريا عن الشاطئ، المسافة التي تعتبرها الأمم المتحدة المياه الإقليمية لبلد ما. في المقابل، لا تقر ليبيا بذلك وتقول إنها تستطيع المطالبة بمساحة بحرية أكبر.

تصاعد التوتر حول حقوق الصيد بين صقلية وجيرانها في شمال أفريقيا بلغ ما يسمى بحروب الصيد

وتصاعدت الخلافات بشأن حقوق الصيد منذ 2005 عندما أعلنت ليبيا أن منطقة الصيد المحمية الخاصة بها تمتد 74 ميلا بحريا (حوالي 140 كلم) عن الساحل، في تحد للمعايير الدولية.

وأدت الحرب الأهلية في ليبيا إلى تفاقم الخلافات وباتت السلطات الإيطالية تنصح صياديها بتجنب المنطقة المتنازع عليها.

وتقول الحكومة المحلية لصقلية نقلا عن “صيد السمك في المتوسط” الذي يتخذ من ماتسارا مقرا له، إن 300 صياد من صقلية أسروا في هذه المعركة من أجل حقوق الصيد خلال العقود الماضية، وتمت مصادرة 150 قاربا وتبلغ قيمة الأضرار أكثر من مئة مليون يورو.

وكانت البحرية الإيطالية تقوم عادة بدوريات في المنطقة لضمان سلامة الأشخاص الموجودين على متن القوارب، لكنها تمتنع عن ذلك الآن كما يقول الصيادون الغاضبون من معلومات تفيد بأن بعض الهجمات جاءت من زوارق دورية سلمتها إيطاليا إلى ليبيا لمنع المهاجرين من الوصول إلى الشواطئ الأوروبية.

وبعد حادثة 1996، واجه ميمو مشكلة أخرى في العام 2010، عندما تمكن من الإفلات من نيران زورق عسكري على بعد حوالي خمسين كيلومترا قبالة الساحل الليبي، أدت إلى إحداث 96 ثقبا في هيكل السفينة المدني.

بعد سنتين، تمت مصادرة سفينته وحصيلة صيده في شمال بنغازي وأمضى ميمو أسبوعا في السجن.

وعلى الرغم من تجاربه المؤلمة، يواصل ميمو الذي بدأ حياته في البحر في سن الرابعة عشرة على خطى والده، صيد السمك.

وقال “بالنسبة للقريدس الأحمر العملاق، نعم لكن ليس قرب الشواطئ الليبية بعد الآن”.

كان يفترض أن يكون ذلك واحدة من سبع رحلات يقوم بها صيادو الروبيان الأحمر العملاق على سفينتي “انتاريد” و”ميدينيا” انطلاقا من ماتسارا.

وهم يبقون عادة في البحر بين ثلاثين وأربعين يوما قبل أن ينفد الوقود تماما في مناطق صيد تم اكتشافها منذ عقود وينقلون حوالي 35 طنا من القريدس الأحمر العملاق. وتتطلب كل رحلة في البحر حوالي خمسين ألف يورو مقدما لتغطية النفقات من الوقود إلى الشباك الجديدة مرورا بالرواتب.

هذا النوع من القريدس الأحمر الذي يسبح على عمق 600 متر تحت سطح البحر، يستحق كل هذا العناء إذ يباع الكيلوغرام الواحد منه بحوالي خمسين يورو بسعر الجملة.

مهنة متراجعة
مهنة متراجعة

وفي مساء الأول من سبتمبر، واجهت القوارب التسعة التي أبحرت قبل أسبوع مشكلة كبيرة، فقد ظهر قارب خفر السواحل الليبي فجأة وفتح أضواءه بينما قامت قوارب مطاطية سريعة بالدوران بسرعة حولها.

وتمكنت سبعة قوارب صيد من الفرار لكن تمت مصادرة اثنين آخرين وأسر جميع من كانوا على متنهما.

وقال جوزيبي جاكالوني (56 عاما) الذي شهد اعتقال ابنه جاكومو مع سبعة إيطاليين آخرين وستة تونسيين وإندونيسيين اثنين وسنغاليين اثنين، “كنا جميعا هناك وكان يمكننا رؤية كل شيء”.

وأضاف “لم أعرف ماذا علي أن أفعل”، مؤكدا “كنت مستعدا للذهاب بدلا من ابني لو استطعت”.

اتُهم الرجال بالصيد في المنطقة المحمية الليبية.

ومنذ اعتقال هؤلاء الصيادين، احتل أفراد من عائلاتهم مبنى بلدية ماتسارا حيث علقوا لافتات عملاقة كتب عليها “أطلقوا سراح صيادينا” في قاعة المجلس.

وقالت باولا بيجيوني إحدى زوجات الصيادين اللواتي يشغلن دار البلدية إن هؤلاء النسوة “يطلبن مساعدة دولية”. وأضافت “لم نعد نثق في الحكومة الإيطالية”.

من جهته، يؤكد وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو الذي التقى أسر الصيادين في سبتمبر مع رئيس الوزراء جوزيبي كونتي، أن عودتهم إلى إيطاليا تشكل “أولوية مطلقة” للحكومة.

20