صناعة قوارب الصّيد حرفة مهددة بالاندثار في غزة

غزة (فلسطين)- تواجه صناعة قوارب الصيد مؤشرات الاندثار في قطاع غزة المطلّ على البحر الأبيض المتوسط بفعل التراجع شبه الكلّي على طلب الجديد منها.
ولا يتعلق الأمر بهجران متعمد للبحر من الصيادين، بل بما تفرضه إسرائيل من قيود على عملهم طوال أكثر من 12 عاما، بحسب مسؤولين محليين.
فمع تراجع مهنة الصيد وارتفاع تكلفة إنشاء القوارب، توقّف الصيادون عن صناعة قوارب جديدة وشرائها، واكتفوا بإصلاح مراكبهم القديمة وصيانتها، بتبرعات من جهات مانحة خارجية.
ويقول عبدالله النجار في الستينات من عمره، والذي يعدّ أقدم صانع للقوارب الكبيرة في غزة، إنه الوحيد تقريبا الذي يمارس المهنة حاليا على مستوى القطاع كلّه.
ويبدو النجار وكأن له من اسمه نصيبا، فقد أمضى حياته منذ لم يتجاوز 14 عاما من عمره، في تحويل عينات خشب الأشجار الضاربة في القدم إلى قوارب تناطح الأمواج، التي تعود برزق البحر الوفير.
لكن الرجل يشتكي اليوم من أن رزق البحر لصيادي غزة “لم يعد وفيرا”، وصناعة القوارب تحوّلت إلى حرفة مهددة بالاندثار والانقراض كليّا.
ويقول، إنه لا يذكُر بالتحديد عدد المراكب الكثيرة التي صنعها طيلة سنوات عمله، لكن هذا كان قبل تقييد السلطات الإسرائيلية عمل الصيادين الفلسطينيين، عندها بدأ إنتاجه من القوارب يقلّ حتى بات يقتصر اليوم على إعادة ما أتلفه الاستهداف الإسرائيلي المتكرر.
ويقول، وهو يقوم بإعادة تأهيل أحد القوارب، إن عددا من القوارب أفرجت عنها إسرائيل قبل أسابيع بموجب تفاهمات التهدئة مع الفصائل الفلسطينية “وصلت إلى حالة قصوى من التّلف، ما استدعى إعادة تصميمها من جديد، وذلك يشمل الخشب ومواد الفيبر”.
ويؤكد النجار، أنه يُصر على التمسك بحرفة بات هو سرّ بقائها إلى اليوم، لكنه يشير بحزن إلى أنه توقف عن صناعة القوارب الجديدة منذ نحو سبع سنوات.
ويعزو ذلك إلى ارتفاع التكلفة التي تضاعفت 10 مرات عن السابق، بسبب ارتفاع تكلفة المواد، ذلك أن تكلفة القارب الذي يتراوح طوله بين 6 و7 أمتار أصبح يبلغ أكثر من 12 ألف دولار، وهو ما لا يستطيع الصياد توفيره.
كما يشير إلى ندرة المواد الخام المستخدمة في صناعة القوارب واستمرار قيود إسرائيل على عمل الصيادين، وهو ما أدى بمجمله، بتراجع هذه الصناعة، إلى حدّ خطر الاندثار.
وفضلا عن ذلك تتواجد مساحة يطلق عليها “مقبرة المراكب” في غزة، حيث تتراكم قوارب أكلها التراب، وصارت هياكل أثّر ارتفاع تكلفة صيانتها بعد الحظر الإسرائيلي في إدخال معدات الصيد إلى قطاع غزة. ويؤكّد زكريا بكر مسؤول الصيادين في اتحاد لجان العمل الزراعي في غزة، أن صناعة السفن والقوارب متوقفة في غزة بسبب ارتفاع التكلفة وانعدام الصيد، وهو ما أدى إلى تراجع عدد المهنيين العاملين في هذا المجال.
ويقول بكر إن السلطات الإسرائيلية “تفرض قيودا مشددة على إدخال المحركات القوية المستخدمة في القوارب وتشترط ألّا تتعدى قوة المحرك 25 حصانا”.
ويشير بكر إلى أن عدم إدخال محركات ذات قدرة عالية لا يساعد الصيادين على تسيير قواربهم التي تكون محملة بالأسماك، إذ يحتاج الصيادون إلى محركات تبلغ قدرتها 40 حصانا على الأقل.
ويوضح أن المحركات الموجودة تمّ إدخالها عبر الأنفاق السابقة بين قطاع غزة ومصر، لكن غالبيتها توقفت عن العمل لأسباب متعددة، وهو ما يستدعي العمل على إدخال محركات ذات قدرة كبيرة.
وبحسب بكر، تمنع السلطات الإسرائيلية إدخال السلك المجدول، الذي يستخدمه الصيادون في قواربهم، إضافة إلى غالبية المعدات المستخدمة في الصيد، ما عدا شباك الصيد.
وينبّه إلى أن الدخل المالي للصياد في غزة يتراوح ما بين 100 و150 دولارا أميركيا، وهو لا يكفي لسدّ الاحتياجات اليومية للصياد الذي سيقوم بصيانة القوارب، وأن قطاع غزة الآن يحتاج إلى صيانة كل المراكب الكبيرة تحديدا المراكب التي يفترض أن تبحر حتى 15 ميلا.
ويقول صيادون في غزة إن ربط أرزاقهم بالتطورات الميدانية يحوّل حياتهم إلى جحيم، ويدفع الكثير منهم إلى حدّ الإفلاس والتخلّي عن ركوب البحر.
ويبلغ عدد الصيادين في قطاع غزة نحو أربعة آلاف، يعملون على ما يزيد عن 700 مركب، فيما يقتات من صيد الأسماك وبيعها نحو 70 ألف نسمة، بحسب إحصائيات فلسطينية رسمية.
وقد فرضت إسرائيل قيودها على عمل الصيادين الفلسطينيين في غزة، ضمن حصارها المشدد المفروض على القطاع منذ منتصف عام 2007 إثر سيطرة حركة “حماس” الإسلامية على الأوضاع فيه. وتبرّر الدولة العبرية هذه القيود باعتبارات أمنية، مثل مكافحة عمليات التهريب عبر البحر أو احتمال شنّ الفصائل الفلسطينية هجمات تستهدفها من خلال البحر.
ويقول مسؤولون فلسطينيون إن رفع كامل القيود الإسرائيلية على عمل الصيادين في غزة من شأنه زيادة الإنتاج وتخفيض أسعار أنواع الأسماك، لتكون في متناول سكان القطاع البالغ عددهم زهاء مليوني نسمة، ويعانون من معدلات قياسية من الفقر والبطالة.
ويبلغ إجمالي إنتاج غزة من الصيد حاليا أقل من 1500 طن سنويا، بعد أن كان يتجاوز 5 آلاف طن سنويا قبل فرض الحصار الإسرائيلي على غزة، مع فروق في الجودة، بحسب وزارة الزراعة في القطاع.