صلاة الصدر في بغداد ودعوات الكاظمي في الرياض

شهدت بغداد يوم الجمعة (15 يوليو) موجة خوف وقلق وتوجس وباتت شوارعها شبه خالية، بسبب صلاة الصدر في بغداد وتحديدا في مدينة الثورة التي تعتبر منطقة نفوذه. حيث دخلت ميليشيات الحشد الشعبي في حالة إنذار والاستعداد لإحباط أيّ محاولة من قبل ميليشيات الصدر بضربة استباقية ضدها. وأضافت تسريبات نسبت إلى رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي بوصف مقتدى الصدر بالجبان، والإشادة بصولة الفرسان، وهي الحملة التي قادها المالكي بدعم القوات الأميركية في ربيع 2007 ضد جيش المهدي. وبغض النظر من صحتها أو عدمه، إذ سنعود إليها لاحقا، شكلت هـذه التسريبات عاملا آخرا في زيادة القلق والخوف من نشوب أيّ فوضى أمنية، خاصة أن عموم الجماهير في العراق، أهالي بغداد خاصة، اختبروا الحرب الطائفية عام 2006 التي تركت جراحا عميقة في ذاكرتهم ووجدانهم. وكانت ميليشيا الصدر (جيش المهدي) أحد أبطالها الرئيسيين الذين ارتكبوا المجازر الطائفية.
ولا تزال منطقة السدة في بغداد شاهداً على عدد الجثث المجهولة التي كانت تُرمى فيها بشكل يومي لأشهر عديدة. بالإضافة إلى نهر دجلة الذي كان يغذي الأسماك بالجثث المغدورة، مصحوباً بالطب العدلي الذي تحول إلى كمين للأهالي والأسر التي كانت تبحث عن أبنائها الغائبين المصنفين بالسنّة، حيث تختفي كما اختفى أبناؤها، في عهد كان فيه وزير الصحة واحدا من أتباع التيار الصدري.
لم تكن مصادفة أن يتزامن إعلان الصدر في تحديد موعد صلاته وجماعته مع زيارة الكاظمي إلى السعودية للمشاركة في اجتماع يشارك فيه قادة الخليج ومصر والأردن. ووصفت كتلة “الصادقون” في البرلمان، وهي جماعة ميليشيات عصائب أهل الحق التي يرأسها قيس الخزعلي، زيارة الكاظمي بالخيانة.
وكما شرحنا في أكثر من مناسبة فإن هناك مشروعين للطبقة الحاكمة في العراق، مشروع إعادة العراق إلى (المحيط العربي) الذي يقف وراءه التيار الصدري ومن خلفه الولايات المتحدة، ومشروع إلحاق العراق بإيران الذي تقف خلفه روسيا والصين.
والحق يقال كانت هناك محاولات لتعطيل مشاركة الكاظمي في اجتماع الرياض من قبل جماعة الإطار التنسيقي الموالين للمشروع الإيراني، إلا أن لعبة الصدر والاستعراض الذي قام به في صلاة الجمعة مع الحملة الدعائية التي سبقتها عبر تسريبات جماعته أنها ستقتحم المنطقة الخضراء كما فعلتها في عام 2016، نجحت في بث الخوف والقلق في المعسكر المضاد وإشغاله، مما دفع الأخير في تغيير أولوياته إلى رفع استعداده للمواجهة العسكرية.
بعبارة أخرى نجح الصدر في تأمين حضور الكاظمي وسفره للمشاركة في تأسيس ناتو عربي ضد إيران، حسب وصف الإعلام الغربي والإعلام المعادي للنفوذ الإيراني في المنطقة. وما ذهب إليه الصدر في تقديم مشروع قانون التطبيع مع إسرائيل لم يكن أكثر من ذر الرماد في العيون وسحب البساط من تحت أقدام منافسيه في معسكر إيران أو معسكر المقاومة والممانعة، وتعبيد الطريق لمشروعه آنف الذكر دون ضجيج ومزايدة سياسية.
من الحماقة والسذاجة السياسية الانتظار، سواء من حكومة الكاظمي أو أيّ حكومة قادمة عن العملية السياسية، إحلال الأمن والسلام والعمل على حل الميليشيات
وعلى صعيد تشكيل الحكومة، فإن صلاة الصدر في مدينة الثورة مجرد تحصيل حاصل أحبط كل السيناريوهات التي أعدتها جماعة الإطار التنسيقي لتشكيل الحكومة دون الصدر، والمحاولة في تمديد عمر حكومة الكاظمي إلى أجل غير مسمى. أو بالأحرى حتى تلوح في الأفق مسألة الحسم في أوكرانيا التي تقسم الأخوة الأعداء على طرفي الصراع بين روسيا والولايات المتحدة كما أشرنا قبل قليل، أو في مناسبات أخرى، كما في مقال “ورطة الصدر في مأزق العملية السياسية”.
تسريبات المالكي، التي وصف فيها الصدر بالجبان، عشية تحشيد الصدر لجماعته قبل أيام قليلة بالرغم من نفي المالكي لها، هي بالون اختبار أُطلق من قبل تحالف الميليشيات التي يقودها المالكي – العامري لرد فعل الصدر، والترتيب على أساس ذلك للمضي في رسم سيناريوهات تشكيل الحكومة. وقد جاء رد الفعل عبر خطبة الصدر حيث دعا إلى حل الميليشيات، وهو رد واضح على تلك التسريبات. أي بمعنى آخر الإعلان بالمضي أبعد من ذلك إذا قام تحالف المالكي الميليشياوي بأيّ عمل يقصي الصدر من المعادلة السياسية.
لا توجد في الأفق حرب أهلية، على المدى المنظور على الأقل، وكما قلنا أيضا في نفس المقال المذكور، فإن طرفي الصراع على السلطة غير مؤهلين وغير قادرين، سواء إقليميا أو دوليا أو حتى على الصعيد الذاتي والمحلي، بحسم الصراع وإلحاق هزيمة ساحقة بالطرف الآخر.
بشكل آخر نقول إن خروج الصدر من البرلمان يكشف عن انسداد أفقه السياسي عبر العملية السياسية ووصول مشروعه العروبي والقومي المحلي المطعّم بالإسلام إلى طريق مسدود، وليس أمامه إلا اللعب على الوقت، والعمل على إعاقة تشكيل أيّ حكومة تُقصيه أو ينجم عنها تعطيل مشروعه، وهذا هو هدف صلاة الصدر بجماعته.
وأخيرا ما كشف عنه تحشيد الصدر لجماعته ودخول ميليشيات الحشد الشعبي في حالة استنفار أو إنذار، أن طرفي الصراع على استعداد لارتكاب المجازر ويدفع المجتمع العراقي الثمن من حياة جماهيره من أجل التشبث بالسلطة مثلما حدث بعد تفجيرات سامراء عام 2006 وفي تسليم المالكي ثلث مساحة العراق لعصابات داعش.
وهذا يدعوا من جديد إلى التفكير والاستعداد لمواجهة سيناريوهات هذه الجماعات عبر التنظيم في المحلات والمناطق وأخذ زمام المبادرة بالدفاع عن أمن أسرنا وسلامتها ونعلن أنّ لا مكان للميليشيات في مناطقنا ومحلات سكننا.
من الحماقة والسذاجة السياسية الانتظار، سواء من حكومة الكاظمي أو أيّ حكومة قادمة عن العملية السياسية، إحلال الأمن والسلام والعمل على حل الميليشيات. فجميع الأطراف تستمد قوتها وسطوتها وإدامة نهبها وسرقتها دون أيّ محاسبة عبر ميليشياتها.
وحقا ما يثير السخرية إعلان القوات الأمنية أنها نجحت في تأمين صلاة الجمعة لجماعة الصدر ولكنها لم تستطع تأمين الحفلات الغنائية التي أقيمت في مدينة السندباد عندما اقتحمتها الميليشيات. وهذا يؤكد أنه لا مكان للقانون ولا للدولة التي صدّع الكاظمي بهما رؤوسنا كل يوم، إنما السلطة والقانون للميليشيات.