صفقات السلاح المصرية - التركية تنعش علاقتهما السياسية

الصفقات العسكرية بين مصر وتركيا تؤشّر على تطور العلاقات السياسية وتمهد لعودتها إلى طبيعتها بعد فتور، إلا أن ذلك لا يعني تجاوز كل الخلافات العالقة.
القاهرة – ترك إعلان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان عن تزويد بلاده لمصر بمسيّرات قتالية قبل أيام على زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان للقاهرة تساؤلات عدة حول تأثير صفقات السلاح على توجهات الحالة المصرية التي بدأت تشهد ارتباطا بين التعاون العسكري وتعزيز العلاقات السياسية والتجارية مع دول مختلفة.
وأبرمت القاهرة عددا من صفقات السلاح عقب تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي السلطة منذ نحو عشر سنوات، وفي ذلك الحين طورت مصر قدراتها العسكرية على النحو الذي انعكس على تصنيف جيشها عالميا في مرتبة متقدمة، وعززت التعاون مع دول غربية عدة، في وقت عانت فيه من فتور في العلاقات بعد إنهاء حكم جماعة الإخوان والمواقف القاتمة التي اتخذتها بعض الدول من احتجاجات الثلاثين من يونيو 2013.
وجاء حرص القاهرة على تنويع مصادر تسليحها بعد أن وجهت إليها ضربة أميركية قاسية من جانب إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما التي عطلت صفقات الأسلحة الثقيلة لمصر بعد إزاحة تنظيم الإخوان من السلطة، وذلك قبل أن تتراجع واشنطن عن موقفها في العام 2015، ما جعل القاهرة أكثر انفتاحا على دول العالم لتطوير ترسانتها وتحسين علاقاتها الدبلوماسية مع دول وجدت في التعاون العسكري مع مصر صيغة ملائمة يمكن توظيفها من أجل تطوير ملموس في مجمل العلاقات.
وشاركت مصر في مناورات عسكرية مع دول من الشرق والغرب، ودشنت تعاونا في مناطق إستراتيجية متباينة، ما خلق قدرا من الثقة رفع قيمة الصفقات التجارية، وانعكس على العلاقات الدبلوماسية بعد أن نظرت دول الاتحاد الأوروبي إلى القاهرة كحائط صد يخفف عنها متاعب أمنية بسبب تزايد معدلات الهجرة غير الشرعية، وتحقيق قدر من الأمن في جنوب البحر المتوسط.
وحسب تقرير أصدره معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فإن في الفترة بين 2013 و2017 حدثت طفرة في صفقات السلاح التي أبرمتها مصر، حيث ارتفعت مشتريات السلاح بنسبة 225 في المئة، مقارنة بمتوسط شراء السلاح في الفترة ما بين عامي 2011 و2013.
واشترت مصر خلال الفترة بين العام 2016 وحتى العام 2020، أسلحة بقيمة تخطت 34 مليار دولار، وشكلت وارداتها من السلاح 5.8 في المئة من واردات السلاح في العالم، وكانت روسيا أكبر مزود بنسبة 41 في المئة، تلتها فرنسا بنسبة 28 في المئة، ثم الولايات المتحدة بنسبة 8.7 في المئة.
وتمت المحادثات التي أجرتها مصر مع روسيا عام 2013 على أساس صيغة (2+2) التي أجراها وزيرا الخارجية والدفاع في البلدين، ما يشي بأن التعاون العسكري جاء على رأس مدخلات التعاون المشترك بينهما في ذلك الحين، وسمح للقاهرة بالتوسع في إبرام صفقات سلاح روسية لتشكل بديلا عن الطائرات التي أوقفت الولايات المتحدة توريدها لمصر آنذاك، وهي وسيلة ضغط هدفها استعادة وتحسين التعاون بين القاهرة وواشنطن في المجال العسكري.
وقال عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان المصري اللواء يحيى كدواني إن القاهرة لديها مصالح من وراء صفقات السلاح التي تبرمها، في مقدمتها تطوير القدرات القتالية للجيش المعني بالحفاظ على الأمن القومي، والتمهيد لإنفراجة في العلاقات مع بعض دول، فالتعاون العسكري وتطويره يعبران عن دخول العلاقات مرحلة متقدمة من التقارب في ملفات عديدة.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن مصر لم تتوقف عن تطوير علاقاتها الدبلوماسية شرقا وغربا، ولم تتوقف عن تطوير منظومتها العسكرية، وإبرام صفقة الطائرات المسّيرة “بيرقدار” مع تركيا يبرهن على أن القاهرة تضع احتياجاتها العسكرية في المقدمة، ما يمنح إشارات قوية لتطور العلاقات السياسية بين البلدين.
وعقد وزير الإنتاج الحربي المصري ونظيره التركي اجتماعا أخيرا لبحث التعاون في مجال الإنتاج المشترك للذخائر، وقام فريق مصري بزيارة ثلاث شركات تركية في ديسمبر الماضي، تمت خلالها الإشارة إلى استعداد الإنتاج الحربي المصري للتعاون مع شركات تركية للإنتاج المشترك لذخائر، واهتمام القاهرة بتوطين بعض تكنولوجيات التصنيع التركية الحديثة داخل خطوط الإنتاج بالشركات المصرية.
وأشار كدواني إلى أن الطائرات المسيرة ذات أهمية كبرى في الحروب الحديثة، ولها أهمية بالغة في تحقيق نجاحات عسكرية، وكان من الضروري أن تتزود مصر بتلك الطائرات لتكمل قوتها التسليحية، وتركيا لها باع طويل في هذا المجال، وطائراتها بيرقدار سوف تضيف قدرات كبيرة لتحقيق التوازن العسكري في المنطقة.
وتعاملت تركيا مع صفقة الطائرات المسيّرة التي تفاهمت عليها مع مصر على أنها تطبيع للعلاقات بشكل كامل بين البلدين، حيث تسهم الصفقة في تعزيز أواصر العلاقات، ويمكن أن تقود إلى حفظ الأمن في شرق البحر المتوسط.
وقلل مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي من أهمية المقارنة بين اتجاه القاهرة لإبرام صفقات تسليح مع دول الاتحاد الأوروبي في وقت سابق وبين التوجه الحالي لإبرام صفقة طائرات مسيّرة مع تركيا، فالأخيرة تأتي في سياق تجاري دون أن يكون لها مردود مباشر على العلاقات الإستراتيجية بين البلدين.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن العلاقات المصرية – التركية شهدت تحولات مهمة وعادت إلي طبيعتها، لكن ذلك لا يعنى أن الملفات الحيوية بين البلدين تم التوافق عليها، وهناك رؤى متعارضة تجاه التعامل مع بعضها، ما يجعل صفقة المسيّرات تأخذ بعدا تجاريا أكثر من كونها خطوة في الفضاء الإستراتيجي.
وعمدت القاهرة إلى الاستفادة من تطور العلاقات مع أنقرة بما يخدم مصالحها العسكرية، لأن المسيّرات التركية رقم مهم في معادلة التسليح العسكري بعد أن أضحت لها فعالية قتالية، وأقدمت دول عدة على شرائها، كما أن حجم إنفاق دول منطقة الشرق الأوسط على المسيّرات تضاعف في السنوات الماضية.
وذكر تقرير نشره معهد السياسات الدولية “أي.أس.بي.أي” منذ ثلاث سنوات أن حجم إنفاق الشرق الأوسط، باستثناء إسرائيل، على الطائرات المسيّرة في السنوات الخمس السابقة على صدور التقرير بلغ 1.5 مليار دولار، وتوقع أن تصل الاستثمارات في سوق المسيّرات إلى 100 مليار دولار في العقد المقبل.
ولفت رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق بالجيش المصري اللواء نصر سالم إلى وجود فوارق مهمة بين صفقات التسليح والتعاون العسكري بين الدول، وفي الحالة المصرية – التركية لم يرتق الأمر إلى التعاون العسكري الواسع، فمعنى ذلك أن الدولتين ستخوضان معارك ضد عدو مشترك، وهي عملية يصعب حدوثها ما يجعل الصفقة تجارية فقط.
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن تعزيز العلاقات السياسية يمكن أن ينعكس على تطوير العلاقات العسكرية، والأمر يرتبط أيضا بصفقات التسليح التي يصعب إبرامها في ظل أجواء توتر بين أي بلدين، وبالتالي فالجهود الدبلوماسية لتعزيز العلاقات تسهل إبرام الصفقات ضمن تعاون يبقى دائما على مستوى التبادل التجاري.
وذكر نصر سالم أن القاهرة لديها رغبة في إبرام صفقات سلاح يمكن تشبيهها بـ”الماء والهواء” بالنسبة للجيوش المتقدمة، والتطورات السريعة في عمليات التسليح العالمية تجعل مصر في حاجة دائما إلى ملاحقة التكنولوجيا، ويبقى ذلك أولوية ضرورية لجميع دول العالم التي تهدف إلى الحفاظ على مصالحها وأمنها القومي.
وأصبحت مصر في مقدمة الدول التي عقدت صفقات سلاح مع إيطاليا عندما وقعت القاهرة مع روما بما تصل قيمته إلى 12 مليار دولار تشمل فرقاطات بحرية وغواصات وأقمارا اصطناعية عسكرية، و24 مقاتلة حربية من طراز “يوروفايتر تايفون” يتم تسليمها عام 2025، إضافة إلى صفقة تحصل بها مصر من إيطاليا على 20 طائرة تدريب من طراز M – 346.
واستوردت من فرنسا 20 في المئة من مبيعات السلاح في الفترة من 2015 إلى 2021، أبرزها صفقة بحوالي 5.8 مليار دولار شملت شراء 24 طائرة رافال المقاتلة وفرقاطة بحرية، وشراء 30 طائرة رافال أخرى بنحو 4.5 مليار دولار.
وكانت مصر من أكبر الدول التي اشترت من ألمانيا عام 2021، وحصلت على أسلحة بما يوازي 4.8 مليار دولار وهو أكبر رقم لصادرات السلاح الألماني لدولة خارج حلف الناتو والاتحاد الأوروبي.