صعيد مصر.. بديل داعش الجديد للتمدد خارج سيناء

الاثنين 2017/03/27
استنفار أمني في كل الجهات

القاهرة - أثار التصعيد الجديد للتنظيمات الإرهابية في سيناء (شمال شرق مصر) بهجماتها على قوات الجيش المصري، تساؤلات عما إذا كان الإرهابيون يخوضون معركتهم الأخيرة هناك تحت وطأة خسائرهم المتلاحقة على أيدي القوات المصرية، وما إذا كانت هذه الاعتداءات تغطية على محاولة داعش نقل مركز نشاطه إلى الصعيد في جنوب مصر.

وكان 12 عنصرا من الجيش والشرطة في مصر بينهم ثلاثة ضباط قد لقوا مصرعهم الخميس الماضي وسط سيناء إثر انفجار عبوتين ناسفتين في سيارتين كانوا يستقلونهما، كما قتل الجمعة عنصران آخران من الشرطة في العريش.

وسلط تعامل الأمن المصري مع محاولات تكوين خلايا إرهابية في صعيد مصر الضوء على تحركات التنظيمات الإرهابية في سيناء وما إذا كانت تعمل على خلق مناطق ارتكاز جديدة لها هناك، مستغلة تشابه البيئة القبلية والصحراوية والاجتماعية بين المنطقتين.

وتمكن جهاز الأمن الوطني المصري (المختص في التعامل مع التنظيمات الإرهابية) من تفكيك خلية إرهابية مكونة من 20 شخصا كانت تنوي الإعلان عن تأسيس “ولاية الصعيد” في محافظات جنوب مصر ومبايعة تنظيم الدولة الإسلامية.

وبحسب تحقيقات النيابة العامة، فإن داعش كلف قياداته المتواجدة في ليبيا بإرسال البعض من عناصره نحو صعيد مصر لتشكيل خلايا عنقودية ومعسكرات تدريب، استعدادا للإعلان عن ولاية الصعيد.

وأظهرت التحقيقات أن المجموعة الأولى وصلت من خلال الظهير الصحراوي لمحافظة أسيوط (جنوب مصر)، وحاولت التمركز في إحدى النقاط الصحراوية هناك تمهيدا لاستقبال العناصر القادمة من ليبيا وسيناء.

وكشفت التحقيقات أن داعش أسس مجموعة أخرى بمحافظة بني سويف (شمال الصعيد) لتنفيذ عمليات إرهابية تستهدف المنشآت العامة وإيهام الرأي العام الداخلي والخارجي بخروج الأوضاع عن السيطرة في صعيد مصر.

وقالت مصادر أمنية لـ”العرب” إن الخلية الإرهابية تورطت من قبل في حادث إطلاق النار على أحد القطارات الحربية المخصصة لنقل الجنود بمحافظة بني سويف قبل عامين، واستهدفت إحدى البنايات الشرطية بالمحافظة ذاتها في العام الماضي، لكنها شددت في الوقت ذاته على عدم نجاح الخلية في أن تكون جسرا لتواجد داعش بالصعيد.

العلاقات الجيدة بين قوات الأمن وعمد القرى بالصعيد، تسهل من مهمتها في القضاء على أي بؤرة إرهابية تظهر هناك

وأضافت المصادر أن الوصول إلى الخلية كان خلال تعامل قوات الأمن المصرية مع حادث اختطاف صيدلي قبطي بمحافظة أسيوط قبل أيام من نهاية العام الماضي إذ تم الكشف عن مخزن للمتفجرات بجوار مزرعة استخدمها الإرهابيون كمنطقة آمنة لإيواء الشخص المختطف بالقرب من أحد الجبال الوعرة بالظهير الصحراوي للمدينة.

وأشار خبراء عسكريون إلى أن الطبيعة الجبلية لعدد من مدن صعيد مصر واتساع رقعتها الصحراوية، يمثلان بيئة مثالية وخصبة للتنظيمات الإرهابية.

ولفت صبرة القاسمي، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية لـ”العرب”، إلى أن الحرب التي تخوضها التنظيمات الإرهابية ضد الدولة المصرية لا تقتصر على سيناء فقط، وأن فلسفتها ترتكز على وجود أهداف متعددة في حال الفشل بإقامة إمارة إسلامية في سيناء، بحيث تكون الحدود المترامية جنوبا وغربا، بديلا مناسبا للارتكاز بعيدا عن الحدود الشمالية التي تشهد نجاحات متتالية لقوات الأمن.

وأضاف أن التنظيمات الإرهابية استغلت السيولة الحدودية عقب ثورة يناير 2011 لخلق بؤر جاهزة تكون حاضنة لتواجدها الفكري والعسكري، ووجدت ضالتها في محافظات الصعيد، ساعدها في ذلك تمدد الجماعات الإسلامية المتشددة بمختلف توجهاتها داخل تلك المحافظات والتي لجأت إليها هربا من ملاحقتها بالعاصمة.

ويعتقد الكثير من المراقبين أن فلول الجماعات الإسلامية والإخوان الذين تأثروا بالخطابات التحريضية على منصة اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في عام 2013، تعد من الفئات الأكثر جاهزية لاعتناق الأفكار الإرهابية في جنوب مصر، إذ أن عملية الدعم الفكري واللوجيستي لتلك الفلول انقطعت منذ ثورة 30 يونيو 2013، وبالتالي فإن العديد من الأفراد شرعوا في البحث عن مصادر فكرية أخرى.

وكان صعيد مصر بمثابة المعقل الرئيسي للعديد من التنظيمات الإسلامية في تسعينات القرن الماضي، حيث نفذت العديد من العمليات الإرهابية هناك قبل أن يتم التضييق عليها وإجبارها على نقل أنشطتها إلى سيناء، لكن الصعيد يظل بقعة تأثير قوية لدى جماعات الإسلام السياسي وراهنت عليه جماعة الإخوان للوصول إلى السلطة.

وقال ناجح إبراهيم، القيادي بالجماعة الإسلامية سابقا لـ”العرب”، إن ما يتم ضبطه في الصعيد من خلايا إرهابية لا يعدو كونه تأثيرا فكريا أيديولوجيا دون اتصال مباشر مع داعش.

وأوضح أن اعتناق الأفكار الداعشية يعود إلى عوامل كبيرة تظهر صورتها بشكل واضح في الصعيد، فهناك نسب بطالة مرتفعة بالإضافة إلى وجود سيولة في حمل السلاح والاتجار به وانتشار حوادث الثأر.

ورأى القيادي السابق بالجماعة الإسلامية أن أدوات الحكومة لشغل الفراغ الذي تركته جماعة الإخوان وغيرها من التنظيمات الأخرى لم تأت بثمارها حتى الآن، فوزارة الأوقاف لم تعوض غياب هذا الدور من خلال سيطرتها على المساجد، وكذلك فإن الصوفية المعتدلة ورموزها لم يقوموا بالدور الأمثل حتى الآن.

ويتفق الخبراء على أن الدولة المصرية حققت نجاحات كبيرة على مستوى التعامل الأمني مع التنظيمات المتشددة على أراضيها، من خلال نجاحها في تفكيك الخلايا الصغيرة قبل توسعها، لكن ذلك لم يواكبه وجود تعامل فكري تنموي يستوعب طاقات الشباب.

وعلى خلاف هذه الرؤية، فإن العديد من المهتمين بشؤون الجماعات الإسلامية، رأوا أن الصعيد قد يكون بيئة طاردة للتنظيمات الإرهابية ، ويبرهن هؤلاء على ذلك باختلاف البيئة القبلية المنغلقة بالصعيد عن نظيرتها الأخرى المنفتحة في سيناء، كما أن هناك حدودا منفتحة بين سيناء وقطاع غزة، وهو ما لا يوجد بالصعيد، كما أن الحدود الليبية أصبحت أكثر رقابة من ذي قبل.

ويشير اللواء عبدالرافع درويش، الخبير العسكري لـ”العرب” إلى أن “العلاقات الجيدة والوطيدة بين قوات الأمن وشيوخ وعمد القرى بالصعيد تسهل من مهمتها في القضاء على أي بؤرة إرهابية تظهر هناك والتي ستكون محاصرة من الأهالي والأمن أيضا، الأمر الذي يصعّب من مهمة ارتكاز أي تنظيمات بشكل مستمر”.

7