صراع لن يتوقف قريبا

بين “الميديا” و”السوشيال ميديا” يدور صراع مرير، وتبارٍ حول البقاء والقيمة والجدوى! أيّهم أبقى، أطول عمرا، أبلغ تأثيرا؟ وهل للوسائل والأدوات المستخدمة قدرة على التواصل والديمومة والصمود، أم إنها مرحلة عابرة تفضي إلى الانحسار؟
في ظل تسارع هوة الجدل والجدوى وحدود الانتفاع، بين المكتسبات المادية ومردوداتها والمعرفية ومحدّداتها، بين الإقناع والإغراء وبين الانحسار وقبول التحدي.
يومان عشتهما في دبي بين حشد من الإعلاميين العرب والأجانب، منهم التقليديون المدافعون بقوة عن فكرة التواصل بين أنماط وأفكار الميديا التقليدية المقرونة بالاعتراف العلني بضرورة التجدد، ومستجدات تغيّر الأردية المستخدمة في أنماط الميديا.
وتحديث الوسائل المستخدمة في مجابهة نمور شرسة من أجيال السوشيال ميديا، التي تهاجم القوالب السائدة وأصحابها من الجيل الجديد الذي لا يفكر مثل هؤلاء الأكابر الذين يضعون قيمة للكلمات والسطور ويستمتعون بمشاهدة أحرف الطباعة على الورق الصقيل من نوع “الأرت”، والذين اعتادوا النهوض صباحا ليذهبوا إلى مقرات الصحف ليستمتعوا بمزاولة مسؤولية المهنة التي تحدها أطر أخلاقية وأفكار لا تخرج للعلن دون تمحيص في المصداقية، لكن “السوشياليون” يجدونها أغطية ثقيلة، تحد من انطلاق صورهم وكلماتهم ورسومهم وتغريداتهم، دون حواجز أو محددات، وتنطلق بتدفق منتجاتهم الذاتية وفق أي هوى يشاؤون، ومتى يريدون، وكيف وأين يغردون، دون ماذا، ولماذا، وأين، أسئلة الصحافة المتتابعة والمؤرقة والملحة لكي تكتمل أركان الأخبار وتتواشج الأفكار وتتنوع الأنماط والأساليب في الإعلام التقليدي، المفجوع بالمجانية والسرعة وعدم الاحتشام والمسارب التي فرضتها السوشيال ميديا.
كنت مشغولا بسؤال واحد أحاول أن أسهم في إثارة الحوار عنه: ما الذي يجعلنا نصدق ما نراه ونسمعه ونتواصل معه عبر الأثير دون أن نعرف أصحابه الحقيقيين ومن هم آباؤهم الشرعيون؟ ما الذي يجعلنا نبقي نتاج الإعلام الجديد، كأنه منتج معلوم الجنسية من أب وأم شرعيين. معروفين للجميع؟ ما الذي يدفعنا إلى أن نشترك في التحاور مع رسائل متلقين متفاعلين مع ما يصدر للعلن؟
نعترف بأننا نواجه مدافع السوشيال ميديا ونتلقى سهامها كالمطر ونتلقى وخزها كالإبر، ما علينا سوى قبولها كنتاج مشكوك في صدقيته أو تبنيه، يكتنفه الكثير من الغموض في مصادره ودوافعه ومثيراته، لكننا شئنا أم أبينا أضحينا أسرى سطوتها وطغيانها وجبروتها وانتشارها لأنها لصقت بأيدينا جهازا بحجم الكف هو الموبايل الذكي، الذي صار صنوان أكفنا وملاذ أعيننا، ومثيرا لعقولنا كل حين، صار عنوان تواصلنا مع الآخر، أي آخر محسوس مرغوب معلوم مكتشف أم لغز، استعلام معرفة تحدّ صاعق جنوني ثوري يشد الجميع إلى سطوة، بالرغم من قصر عمره كأنه إعصار يداهم حياة الجميع وبلا هوادة.