صراع أجيال بين الديمقراطيين لاختيار منافس لترامب

واشنطن - تتجّه الأنظار في الولايات المتحدة إلى الحملات الانتخابية المثيرة للاهتمام استعدادا للاستحقاق الانتخابي الهام في الخريف القادم.
وفيما تزال استطلاعات الرأي تمنح الرئيس الجمهوري دونالد ترامب حظوظا وافرة، فإن التطورات المتعلقة بحملة الحزب الديمقراطي لاختيار مرشحه للانتخابات قد تحمل مفاجآت قد تجعل ترامب نفسه لا يستهين بها.
ويلفت المراقبون إلى أن ظاهرة ترامب جاءت لتضرب أركان الحزب الجمهوري قبل الديمقراطي، من حيث أن الرئيس الأميركي جاء من خارج الدوائر السياسية التقليدية ليطيح بكافة مرشحي الحزب الواحد تلو الآخر، لينتهي مفاجئا كافة استطلاعات الرأي بالإطاحة بالمرشّحة الديمقراطية هيلاري كلينتون.
وفاز عضو مجلس الشيوخ بيرني ساندرز بنسبة 26 في المئة في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي بولاية نيوهامبشير، والتي جرت الثلاثاء، في السباق لاختيار مرشح يواجه ترامب. وحل رئيس البلدية السابق لساوث بند بولاية إنديانا بيت بوتيدجيدج خلفه بـ24.3 في المئة من الأصوات وإيمي كلوبوشار بـ19.9 في المئة.
وقد انسحب المرشح رجل الأعمال أندرو يانغ من سباق الحزب الديمقراطي كما أعلن عضو مجلس الشيوخ عن ولاية كولورادو مايكل بينيت (55 عاما) تخليه عن ترشحه بعدما جاء في المركز العاشر.
تنافس كبير داخل الحزب الديمقراطي بين باروناته التقليديين وشخصيات طموحة قد تقلب المعادلات
وعند مراقبة الانتخابات التمهيدية الأخيرة للحزب الديمقراطي في ولاية نيوهامبشير، يلاحظ وجود تنافس يجري بين بارونات الحزب التقليديين الذين تتردد أسماؤهم عند كل انتخابات وبين شخصيات طموحة قد تقلب المعادلات التقليدية وحسابات مهندسي الانتخابات.
واللافت للانتباه أيضا أن الخلفية الأيديولوجية التي ينطلق منها المرشحون تكشف تعدّد الرؤى التي باتت تتحكم بالسياسة في الولايات المتحدة والتي تجد لها واجهات رشيقة داخل الحزب الديمقراطي نفسه.
وقال ساندرز بعد الإعلان عن فوزه إن “النصر هنا هو بداية النهاية لترامب”. وأضاف “دعوني أغتنم هذه الفرصة كي أشكر أهالي نيوهامبشير على هذا الفوز العظيم الليلة”، مجدّدا دعوته لضرائب أكثر عدلا وإصلاح قطاع الرعاية الصحية.
وتكاد استراتيجية المرشح الديمقراطي الفائز في نيوهامبشير، السيناتور بيرني ساندرز أن تكون مشابهة للاستراتيجية التي اعتمدها دونالد ترامب قبل الانتخابات الرئاسية الماضية. فكما كانت مؤسسة الحزب الجمهوري تنفر من ترشيح ترامب القادم من هوامش بعيدة عن الحزب، فإن مؤسسة الحزب الديمقراطي ليست حاضنة لترشح بيرني ساندرز المفرط في يساريته. وبناء على ذلك فإن ساندرز اليوم، كما ترامب بالأمس، لن يستهلك جهوده في إقناع حزبه، بل وكما فعل ترامب تماما، فرض نفسه مرشحا وحيدا قويا من خلال إرادة ناخبي الحزب وحدهم.
وفي رأي محلّلي السياسة في الولايات المتحدة، فإن رئيس بلدية ساوث بند السابق، بيت بوتيدجيدج ليس سوى مرشح طموح يعمل على قطع الطريق على المرشّحين التقليديين للحزب الديمقراطي، وساندرز واحد منهم. ويرون أيضا، ووفق هذا التوصيف، بأن ترشيحه يشبه ترشح باراك أوباما الذي دفع بنفسه داخل السباق الانتخابي دون أن يكون الحزب نفسه مقتنعا بوجاهة مغامرته، وكثيرا ما قالوا عنه واعدا لكن تعوزه الخبرة، إلى أن انتخب، ولولايتين، رئيسا للولايات المتحدة.
وقال بيت بوتيدجيدج بعد إعلان نتائج نيوهامبشير “الآن تنتقل حملتنا إلى نيفادا، إلى كارولاينا الجنوبية، إلى مجتمعات في أنحاء بلادنا. وسنرحب بحلفاء جدد لحركتنا في كل خطوة”.
والظاهر أن الرجلين، ساندرز وبوتيدجيدج، على الرغم من فارق العمر والاختلاف في الأيديولوجيا، ووفق ظروف انتخابات نيوهامبشير، ذاهبان للتنافس داخل بيت الحزب الديمقراطي مع الملياردير مايكل بلومبيرغ ومع المرشحة الهامشية التي عادت آمالها للانتعاش السيناتورة إيمي كلوبوشار.
وازدادت شعبية كلوبوشار في نيوهامبشير بعد مناظرة قوية وضعتها أمام إليزابيث وارن التي لن يساعدها أداؤها في تنشيط حملتها.
والظاهر أن الحملة الديمقراطية ستشهد حلقات لافتة لاسيما في الكيفية التي يمكن من خلالها منافسة عمدة نيويورك السابق مايكل بلومبيرغ على تمثيل الحزب الديمقراطي لمنازلة ترامب. فبلومبيرغ الملياردير الأميركي التي تفوق ثروته الـ50 مليار دولار ينفق دون حدود على نحو يصعّب حظوظ المنافسة داخل الحزب نفسه.
ويرى محللون أن تنافس المال والسياسة والأيديولوجيا يحد من صعود المرشحين، كلوبوشار والسيناتورة إليزابيث وارن ونائب الرئيس السابق جو بايدن، مع الاعتراف بأن ما حققته كلوبوشار حتى الآن يعيدها إلى السباق، خصوصا أنها تميزت بسجل سياسي معتدل، وهي تستفيد من أنها المرشحة الأنثى ما يمنحها ميزة إضافية تخترق من خلالها مملكة المرشحين الذكور.
وبعد قراءة معمقة لنتائج الانتخابات التمهيدية في ولايتي أيوا ونيوهامبشير، بات بإمكان ساندرز أن يرى نفسه متصدرا للسباق (على الرغم من أنه حلّ ثانيا بفارق بسيط بعد بوتيدجيدج)، ما سيمنحه أوراقا إضافية للتغلب على منافسيه في ولايات لاحقة، وربما إقناع مؤسسة الحزب الديمقراطي بالتسليم به مرشحا مفرطا في يساريته يتولى مقارعة ترامب المرشح الجمهوري اليميني المفرط في يمينيّته.