صحيفة العرب.. البيت الذي يؤوينا

في الوقت الذي ألبستنا فيه أميركا ثوب الديمقراطية الزائفة وأذاقتنا علقم عسل التحرير، كُنّا نجد أقلامنا نحن الكُتّاب العراقيون وهي تهوي لتتكسّر يوما بعد يوم، خُصوصا وأنها وجدت أن هُناك من يدوس عليها ويسحقها في متاهات التّيه والفوضى والاستغباء.
كان الحبر الذي يتسلل إلى الأوراق عِبر أقلامنا وكأنه يكتُب شواهد قُبورنا.
أصبحنا نُساق إلى الفوضى وسياسات التجهيل وجرائم قتل الرأي والتعذيب، تحت زنازين التنكيل والاضطهاد وضياع الحقيقة في متاهات الدم والسلاح الكاتم وفي سجون التضييق وخنق الكلمة، حينها كانت تنساق أقلامنا إلى المجهول كمن قال عنهم القرآن الكريم في سورة الأنفال “كأنّمَا يُسَاقُون إلَى المَوتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ”.
وجدنا أن صحيفة "العرب" وشقيقاتها من المواقع الأخرى، ذلك الملاذ الآمن الذي أغوى أقلامنا بالكتابة وأتاح لِعقولنا البسيطة حُرية الرأي وفضاءات التعبير
عندها ضاعت كلماتُنا وتاهت العُقول، وغاب صِدق الكلمة عن الوعي ومعنى الكلام بين إعلام مُتحزّب وآخر فاسد وأخير لا حَول له ولا قوّة.
في خِضم ذلك التّيه والضياع وظلام الطريق، كُنّا نرى أن في نهاية ذلك الشارع المظلم ضوءا يلوح يستدل به السائرون طريقهم، كان هذا الضوء البوصلة التي يتوجّه بها من ضاع طريقهم في وسط الضباب الذي يسيرون فيه، كُنّا نرى صحيفة “العرب” وأخواتها وهي تحتضن كُل الأقلام والهويات العربية والذين ضاقت بهم بلادهم، وفي مُقدّمتهم المُغيبون الذين كانت لا تستطيع أقلامهم أن تُسمِع من بهم صَمم في أوطانهم.
وجدنا أن صحيفة “العرب” وشقيقاتها من المواقع الأخرى، ذلك الملاذ الآمن الذي أغوى أقلامنا بالكتابة وأتاح لِعقولنا البسيطة حُرية الرأي وفضاءات التعبير عمّا يجول في خواطرنا.
“العرب” التي جمعت كُل الكُتّاب العرب وأمتعت الأفكار بِشتّى أنواع المعرفة والعلوم إن كانت سياسية أو اقتصادية واجتماعية أو حتى قصصا عن الأفلام والأغاني وبأقلام كُتّاب تنحني لهم الثقافة احتراما، وتكون لهم الكلمة مُمتنّة، ويرفع الرأي العام قُبّعاته تقديرا لمساحات رأيهم التي تحتل صفحات “العرب” الغراء.
وجدنا نحن الكُتّاب العراقيون كغيرنا من الكُتّاب المُضطهدين في بُلدانهم واحة العرب وسط رمال تلك الصحراء القاحلة التي ضاعت فيها الكلمة وقتلها العطش والجوع.

لم تعد “العرب” صحيفة اعتيادية كسائر الأخريات، بل منبرا للالتقاء ومُلتقى أو حتى ساحة التحرير، البديل الآخر للمُثقفين العراقيين بعد أن فرغت شوارع ساحة التحرير ونصب الحُريّة الشاخص وسطها من الثائرين والمُنتفضين الذين غيّبتهم سجون السُلطة، أو مَن أصبحوا تحت التُراب، أو الذين رحلوا عن بلادهم بِزوارق المُهاجرين ليعبروا بحورا ومُحيطات من أجل الحفاظ على حياتهم وسلامتها.
سيقول البعض إن هذا المدح والثناء لِمن لا يستحقه أو ربما هو للتملّق والمُجاملة أو حتى هُراء، فإذا كانت شمس الحقيقة بِضوئها الساطع وعنوانها العريض بهذا الشكل فاعتبروه ما شئتُم وتكلّموا عنه ما أردتُم.
كلمات كثيرة ومعانٍ عديدة تتسابق وتتزاحم وهي ترجو أن تُسَجّل حُروفها على الورق لِتكون شاهدا على وجود رسالة إعلامية عنوانها صحيفة “العرب” تحتضن جميع الكلمات والأقلام.
شُكرا لـ”العرب” وأخواتها وهيئات التحرير، شُكرا لِكُل من عَمِل في “العرب” ومُلحقاتها وكُتّابها، شُكرا لرئيس تحريرها وللقُرّاء الذين تستهويهم تلك الصحيفة وهي تَضُم نُخبة كُتّاب الأمة العربية، تحيّة لِجميع العرب الذين استلهَمت الصحيفة عنوانها منهم.
ومن عام إلى عام وتَميُّز إلى آخر ونجاح يتبعه نجاح، شُكرا لكم جميعا.