صحافيون بلا أسئلة وسياسيون لا يحبون الأسئلة

يحمل الصحافيون كثيرا من الأسئلة، والصحافي بلا أسئلة يومية وعلى مدار الساعة وهي تدور في رأسه يصبح دوره هامشيا.
تقدم له الحياة اليومية في كل حين سيلا من الأسئلة وتدفعه إلى المزيد من البحث عن إجابات وافية ومقنعة.
في كل تخصص وحقل ونوع من الصحافة لا تفارق القائم بالمهمة تلك الأسئلة اليومية الضاغطة.
وإذا حصل والتقى الصحافي بحشد من الناس في مناسبة ما وفي أحد البلدان العربية فلا شك أن الناس سوف يحمّلونه أسئلة إضافية ويعرضون عليه شكاوى.
لكن ما بال الصحافي المثقل بالأسئلة يتوارى عنه ذلك الركام من الأسئلة الصاخبة وتحل محلها الأسئلة الناعمة والخفيفة؟
يبتعد تماما عن أكثر الأسئلة إلحاحا ويبذل مجهودا لمداعبة خيال السياسي وأحيانا الإشادة بلمحة من عبقريته.
وكذلك تختفي أسئلة الناس التي حمّلوها له.
حضرت في ذهني هذه الفكرة وأنا أشاهد المؤتمر الصحافي الأسبوعي لرئيس الوزراء العراقي، وهو عادة لا يتعدى الساعة من الزمن، يحتل نصفه موجز عن نتائج الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء والنصف الآخر لأسئلة الصحافيين وهم لا يتعدون أصابع اليدين أو أقل في أحسن الأحوال.
الواقع العراقي يعج بالمشكلات الكبيرة فيما الأسئلة تلامس الواقع بنعومة من دون أن تحفر فيه.
ولعل إشكالية “المؤتمرات الصحافية” إشكالية أخرى يجرنا الحديث الجانبي عنها استطرادا لأنها وحدها ظاهرة ملفتة للنظر إذ هي ليست مؤتمرات صحافية في الغالب بل شبه محاضرات يلقيها المسؤولون عن المستجدات على مسامع الصحافيين.
سيختفي السّجال الصحافي المنشود وستتوارى الأسئلة الحادة والملحة ولا ملامسة للقضايا الخطيرة.
تشعر أحيانا وكأن تلك الأسئلة قدم تم إعدادها مسبقا لكي لا تكون “ثقيلة وصعبة الهضم” على معدة المسؤول ولهذا لا تستغرب أن أغلب السياسيين يطلبون مسبقا محاور اللقاء الصحافي والتلفزيوني ونوع الأسئلة التي سوف تطرح عليه لكي يستعدون لها.
مرة شاهدت برلمانيا انتفض على مقدم البرنامج التلفزيوني قائلا له إنك قد خرجت عن الأسئلة التي سبق أن أرسلتها إلى مكتبي الصحافي.
الوصفة السحرية للأسئلة التي يجب أن تعرض على المسؤول والسياسي هي التي لا تسبب له إحراجا وأن يكون مجاملا وبعيدا عن الصراحة والمكاشفة لكي لا يغضب آخرين.
في المقابل تشاهد في بعض الأحيان ضيوفا يستشيطون غضبا من نوع الأسئلة وبعضهم يغادر المكان في أثناء بث تلفزيوني مباشر أو مسجل في مسرحية ساخرة ورديئة الإخراج.
هذا المستوى من التعامل مع الأسئلة الصحافية المحرجة هو الذي يؤكد على الدوام كم يمكن أن توجع تلك الأسئلة الصحافية الملامسة للقضايا الحساسة والتي هي علامة الصحافي المميز وعنوانه ودوره والمعبرة عن كونه صحافيا ذا رؤية وقضية.
نعم سوف تنشأ فئة من الصحافيين من غير المرضي عنهم وقد لا يدعوهم فخامته لمؤتمره الصحافي القادم وقد تجري مقاطعة المؤسسة الإعلامية التي يعملون فيها لكن ذلك لا يغير من الحقيقة شيئا، أن السياسي يهرب من مواجهة الحقيقة التي تحملها أسئلة الصحافي.
ولعل من الظواهر الملفتة للنظر والمعتادة أن يُتهم الصحافي بسبب أسئلته الحادة والموضوعية بأنه يحمل نوعا من الأسئلة الصفراء أو أنه مدفوع من جهات معينة وهكذا يجري التمويه على الحقيقة وإيجاد نوع من الصحافيين ونوع من الأسئلة تكون مفصلة على مقاس المسؤول والسياسي.
أية صحافة تبقى وهي تتحول إلى ذيل وتابع للسياسي والمسؤول وأية سلطة رابعة تمتلك وأي دور ريادي في المجتمع سيكون لها، واقعيا لا شيء من ذلك يبقى وسوف ينتج النظام السياسي فئة مدجنة من الصحافيين وذليلة وهامشية.