صحافة ساخرة يهرب منها السياسيون

وسط قتامة الصورة والصرامة التامة التي تنطوي عليها المواقف السياسية خاصة في ما يتعلق بالقضايا الساخنة في العالم يبرز الساسة الذين يجري انتخابهم ويصبحون رهن شعوبهم في الوفاء بوعودهم الانتخابية.
هؤلاء الساسة سيكون النقد بانتظارهم، والمعارضة ستتوعدهم، لكن ما ليس في الحسبان أن تتعملق أمامهم القصص الفكهة التي تطلقها صحافة متخصصة وصحافيون متخصصون بنوع من الصحافة الساخرة.
صارت الصحافة الساخرة اليوم والإعلام الساخر بصفة عامة لزوم ما يلزم لتتبع أخطاء الساسة واقتفـاء أثر إخفاقاتهم وحتى مخالفاتهم ومن يحيطون بهم.
في فترة مبكرة من عمر الصحافة الساخرة كان هنالك الكاتب العبقري مارك توين صاحب مغامرات مارك توين الشهيرة (1835-1910) الذي بدأ أول ما بدأ كاتبا صحافيا ساخرا، وبسبب سلسلة المقالات النقدية اللاذعة التي كان ينشرها في صحيفة ولاية فرجينيا والتي كان ينتقد فيها الساسة ويسخر منهم تمت ملاحقته فاضطر لترك الصحيفة والهجرة إلى ولاية سان فرنسيسكو لكي يتمكن من مواصلة عمله الصحافي وفي الإطار الساخر نفسه.
تجربة مارك توين المبكرة في هجاء الساسة والأسلوب النقدي الساخر في ملاحقتهم إنما تحيلنا إلى تطور تلك الأداة مع تطور الوسائل الاتصالية الحديثة حتى صارت البرامج الساخرة التلفزيونية الحية ركنا أساسيا في تتبع هذا الصنف الذي يقدم نوعين من المتعة وهما الطبيعة الصحافية لمثل هذه البرامج والشكل التلفزيوني الذي يعتمد على المقدم الكوميدي البارع.
سيحضر هنا بكل تأكيد النجم اللامع في هذا الحقل منذ العام 2000 وهو جون ستيوارت الذي حقق نجاحا منقطع النظير وشعبية عريضة ليكمله اليوم جون أوليفيه من خلال برنامجه الساخر الأسبوع الأخير الليلة.
يدرس الباحث الأميركي أر. بيلي قضية امتزاج الصحافة بالسخرية باعتبارها نوعا مستقلا يجد له سوقا رائجة وجمهورا عريضا خاصة في بلدين هما الولايات المتحدة وبريطانيا، ويذهب الباحث إلى أن هنالك بيئة حاضنة لهذا النوع لكي تصبح الصحافة قادرة على النفاذ في أوساط الساسة ليس بالشكل التقليدي المعتاد بل بذلك الأسلوب اللاذع الذي يلاحق الساسة فيحسبون له حسابا ويضعونه في الاعتبار.
من المؤكد أن هذا العنصر (البيئة الحاضنة) هو الأهم والأخطر في ما يتعلق بهذا النوع الصحافي، وإلا فإن تطيّر السياسي من ذلك النوع من النقد الفكاهي وعدّه مساسا بشخصه ومكانته وهيبته سيخلقان رد فعل غير مستحب وسيقطع الطريق أمام نمو هذا النوع.
على صعيد التشريعات والقوانين والحريات الصحافية سوف يبرز سؤال متكرر وهو هل أن هذا النوع من الصحافة اللاذعة محمي بموجب القانون؟
واقعيا هو نوع من أنواع التعبير والحق في التعبير المكفول على صعيد التشريعات الأميركية والبريطانية ولهذا وجد فرصته في التطور بعدّه نوعا من الرقابة الشعبية على الساسة يكمل مهمة المعارضة السياسية لكنه سيكون مع ذلك محفوفا بمحاذير تتعلق بحدود القضايا التي يجري تناولها والتعليق عليها فضلا عن حقوق الملكية الفكرية في استخدام الأدوات والوسائل الساندة.
عربيا كانت هنالك صحف ساخرة مشهورة منها “المضحك المبكي” و”الدومري” في سوريا، و”الدبور” في لبنان، و”النديم” و”الصريح” في تونس، و”الكشكول” و”خيال الظل” و”أبونظارة” في مصر، أما العراق فقد عرف العديد من الصحف الساخرة منذ بدايات القرن الماضي منها “المراقب” و“النديم” و“أبوالشمقمق” و“جحا” و“كناس الشوارع” و“حبزبـوز” وغيرها.
يبدو أننا في العالم العربي لم نعد نملك من تلك الصحافة الساخرة سوى ذكراها المتحفية وأن في تلك البلاد لا مناخ ولا أجواء إيجابية فيها اليوم لهذا النوع الصحافي الجذاب الذي يجذب الجمهور العريض ولكنه يغيظ أغلب الساسة.