صاعود النخل مهنة تراثية مهددة في عراق مهدد

مهنة "صاعود النخيل" تشكل جزءا من التراث العراقي، وتشتهر بأدائها عائلات لاسيما في الجنوب العراقي المعروف بنخيله الممتد من البصرة إلى بغداد.
الأربعاء 2020/11/04
تراث متوارث عبر الأجيال

يتمسك متسلقو النخيل جنوب العراق بمهنة تعتبر جزءا من التراث العراقي يتوارثونها عير الأجيال، إذ يقفون في وجه كل الأزمات بما فيها أزمة كورونا حتى يحفظوا هذه المهنة من الاندثار.

الديوانية (العراق) – يمسك عباس عبود بالتبلية وهي أداة لتسلق النخيل ويلفها حول جذع النخلة، متسلقا الشجرة ومتنقلا من سعفة إلى أخرى مع بدء موسم حصاد التمر وقطع أعذاق النخل في قرية جليحة بشرق الديوانية في جنوب العراق.

وورث عبود البالغ من العمر 48 عاما مهنة قطع النخيل أو “صاعود النخيل” كما تسمى محليا، عن أبيه وجده، وتعلم من والده هذه المهنة التي تبدأ بصناعة “التبلية” ثمّ تسلق النخلة، وهو متمسك بها رغم الصعوبات.

وتشكل مهنة “صاعود النخيل” جزءا من التراث العراقي، وتشتهر بأدائها عائلات، لاسيما في الجنوب العراقي المعروف بنخيله الممتد من البصرة إلى بغداد.

ولفت عبود “نبقى قرابة عشرة أيام في البستان الواحد في بعض الأحيان، وأحيانا أكثر في حال كانت أعداد النخيل في البستان كثيرة”.

ويلف العراقي الأربعيني التبلية ويحضنها ليتسلقها بسلاسة، ماسكا بيده سكين قطع أعذاق التمر التي ترمى على الأرض.

وعندما تطال الأعذاق الأرض يجمع أبناؤه وبعض أفراد عائلة صاحب البستان، التمر في مكان واحد ليصار بعدها إلى وزنه ووضعه في أكياس لتجهيزه للبيع.

وتحدث هبان كريز (69 عاما)، وهو مزارع وصاحب بستان نخيل في الديوانية، أيضا عن طقوس قطع أعذاق النخيل، قائلا “كبرتُ ولدينا في العائلة بساتين كثيرة. نجتمع نحن والأقارب أثناء قطع أعذاق النخل وعلى حصاد التمر، وهذه واحدة من الطقوس العائلية التي أذكرها منذ الصغر”.

كما يتم استخراج لب النخيل “الجمار” من شجرة النخيل المعمرة، والجمار مادة تستخرج من قلب النخل بعد نزع السعف والليف ليؤكل وله العديد من الفوائد الطبية.

ورغم عراقتها، تواجه هذه المهنة صعوبات في الوقت الحاضر، منها تراجع أعداد النخيل.

 طقوس قطع أعذاق النخيل
 طقوس خاصة لقطع أعذاق النخيل

وأوضح محمد كشاش، رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية في الديوانية، أن نتيجة الحروب والوضع الاقتصادي المتدهور والإهمال الحكومي، انخفضت أعداد أشجار النخيل بشكل كبير، إذ فيما كان يحتوي العراق على 30 مليون نخلة حتى الثمانينات، يبلغ عدد هذه الأشجار حاليا النصف.

وفضلا عن ذلك، فإن مردودها قليل ومحصور بمواسم معينة، فموسم قطع أعذاق النخل لا يستمر أكثر من ثلاثة أشهر (من أكتوبر حتى ديسمبر)، ولا يتجاوز أجر تسلق وقطع أعذاق النخلة الواحدة أكثر من ألفي دينار عراقي (أي أقل من دولار ونصف دولار).

ولا تحظى زراعة النخيل عموما بدعم الدولة “ما تسبب بانخفاض كبير بالإنتاج والتسويق المحلي لمحصول التمور”، وفق كشاش الذي يطالب الدولة “باستلام محاصيل التمور من المزارعين ودعمها”.

وبحسب كريز، يصل سعر الطن الواحد من التمور التي تزرع في الديوانية، وهي من بين الأقل ثمنا في العالم، إلى نحو 270 دولارا، في حين أن سعر طن التمور الآتية من مناطق أخرى يصل إلى 3500 دولار في الأسواق العالمية.

ولفت كشاش إلى أن “التمور العراقية تصدر إلى دول الجوار بأسعار زهيدة جدا ومن ثم تعاد بعد تعليبها وتستورد من تلك الدول إلى العراق مرة أخرى وبأسعار باهظة وبالعملة الصعبة”.

ويرى أن الحل يكمن في إطلاق مبادرة وطنية يتبناها مجلس الوزراء لتأهيل النخيل وزراعته والاهتمام ببساتين النخيل التي تعد رمزا للبلاد، وبـ”إنشاء معامل للصناعات التحويلية للتمور وفتح القديمة منها لاسيما معمل تعليب كربلاء الذي كان يصدر إلى كل دول العالم”.

لكن العراق يعيش اليوم أزمة اقتصادية غير مسبوقة، لاسيما مع انخفاض أسعار النفط ووسط عجز الدولة عن معالجة الأزمات الاجتماعية مثل البطالة.

ولا تخلو المهنة من جهة ثانية، من المخاطر على أصحابها، فعبود تعرض لحادث سقوط خطير دخل إثره المستشفى، في حين قضى والده العام الماضي إثر سقوطه من أعلى النخلة.

ورغم مخاطرها وقلة مردودها، يأبى عبود الذي يحمل شهادة دبلوم من المعهد التقني بإدارة المخازن، التخلي عن هذه المهنة.

زراعة النخيل لا تحظى  بدعم الدولة في العراق
زراعة النخيل لا تحظى بدعم الدولة في العراق
متسلقو النخيل جنوب العراق يقفون في وجه كل الأزمات حتى يحفظوا المهنة من الاندثار
متسلقو النخيل جنوب العراق يقفون في وجه كل الأزمات حتى يحفظوا المهنة من الاندثار

 

24