شيطنة إعلامية قصيرة الأمد

ماكنة الشيطنة الإعلامية تفقد قدرتها على الابتكار وتبدو بائسة أحيانا وتخريجاتها المستمرة تتسم بالسطحية والعجز عن الإقناع، ولهذا تموت الحملات الإعلامية قصيرة ومتوسطة الأجل.
الثلاثاء 2019/04/30
القلق من الصين صارت علامته الفارقة شركة هواوي التي تستثمر في الجيل الخامس

تسخن أجواء السياسية فتنتقل درجة الحرارة مباشرة إلى الإعلام.

يغضب الساسة فيُحمى رأس وسائل الإعلام.

لكن أتراها ظاهرة صحيحة؟ ألا تحمل في طياتها شيئا من التناقض؟

فالكل ينادي بالفصل بين السلطات وتمجيد السلطة الرابعة واستقلالية الإعلام وإذا الإعلام بوق تابع للسياسي.

واقعيا نحن لن نتحدث عن بلدان مبتلاة بالشمولية والخط الإعلامي والسياسي الواحد، بل عن ظاهرة كونية عولمية شاملة.

الولايات المتحدة اليوم مثلا تواجه مشاريع صينية عملاقة من أبرز علاماتها مشروع الحزام والطريق، الذي سوف يعيد طريق الحرير الذي يربط الشرق بالغرب ويعيد مجد الصين التليد، أميركا ساخطة على مثل هذا التوجه كما هي ساخطة على الروس في علاقاتهم الظاهرة والخفية.

القلق من الصين صارت علامته الفارقة شركة هواوي التي تستثمر في الجيل الخامس، مسببة هلعا أميركيا دفع الإعلام الأميركي والغربي عموما إلى (شيطنة) المشروع والتكنولوجيا الصينية المتطورة، بوصفها مجرد تلصص وأعمال مخابرات وليس تكنولوجيا تفرض نفسها من خلال ولادة الجيل الخامس، وليست مشكلة الصين أن نظراءهم ومنافسيهم مازالوا غير مستعدين لذلك التحول.

الإعلام الغربي يزيد من جرعة الشيطنة صباحا مساء، وهو ما يزال مثلا يستخدم مصطلحا هجينيا مضادا للمسلمين في ما يعرف بدولة الخلافة أو الدولة الإسلامية على ثلة من قطاع الطرق ومصاصي الدماء لا يختلفون عن أي تشكيل عصابي في أي بلد، على الرغم من انهيار تلك العصابة وشبه انقراضها.

ماكنة الشيطنة الإعلامية تفقد قدرتها على الابتكار وتبدو بائسة أحيانا وتخريجاتها المستمرة تتسم بالسطحية والعجز عن الإقناع، ولهذا تموت الحملات الإعلامية قصيرة ومتوسطة الأجل.

الوصول إلى الخبر وإلى الحقيقة صار مشكلة حقيقية لمحترفي الشيطنة الإعلامية وصار تحديا ومعضلة تواجههم، فالجمهور العريض لم يعد يصدّق كل ما يقال وصار الشك ونظرية المؤامرة ظاهرة مرافقة للإعلام المعاصر حتى هُزّت عروش الصحافة، بسبب إمكانية الوصول إلى الأخبار من مصادر ولغات متعددة، سرعان ما تفضح الأخبار الملفقة والحملات الإعلامية.

ولتسهيل مهمة الشيطنة لم يكن هنالك أبرع من الولايات المتحدة في إطلاق صفات دول محور الشر وقبلها الدول المارقة.

فمثلا ظلت تلك اللعنة تلاحق العراق وتمت شيطنة النظام العراقي، وعلى أنه يمثل تهديدا للسلام العالمي حتى إسقاطه واجتياح العراق بغزو همجي تدميري أتى على الأخضر واليابس، وما زال العراقيون يدفعون كلفته الباهظة وسيبقون لعقود قادمة.

ومع انهيار أكاذيب أسلحة الدمار الشامل التي اتهم بها النظام العراقي السابق إلا أن الشيطنة ظلت كما هي، يجري تحضيرها بين الحين والآخر وصولا إلى قائمة الرئيس ترامب في حظر السفر على رعايا دول، من بينها العراق ودول إسلامية أخرى ليتم تعديلها لاحقا.

شيطنة النظام السياسي لم تعد تفي بالغرض بل تمت شيطنة الأفراد العاديين الذين لا ناقة لهم ولا جمل في السياسة، والشك فيهم حتى يثبت العكس وهي ظاهرة عكست انحطاطا قيميا ما نزال نعيش فصوله والتي أفضت إلى أشكال شتى من العنصرية والشوفينية التي لا تتناسب مع سوية البشر.

ولعل السؤال الذي يطرح بقوة هو إلى أي مدى سوف يقتفي الإعلام أثر الساسة وهم يمعنون في شيطنة الآخر وتشويهه وازدرائه؟ وأي مصداقية يمتلكها هذا الإعلام وهو يبيع قيمه الأساسية بدوافع عنصرية وانتهازية قصيرة النظر؟

في سلسلة محاضرات للعالم نعوم تشومسكي يؤكد أن هذه الظاهرة هي وليدة النظام الليبرالي في أزماته، أو ما يعرف النيوليبرالية التي تقتفي أثر الشمولية في شتى مناحي الحياة وبما فيها شمولية الإعلام المفضية إلى قيامه بمهامه في تمجيد أساليب الساسة في الشيطنة، مع أنها مجرد ضجة قصيرة الأجل واستهلاكية حالها حال العديد من الظواهر الطارئة والتي سرعان ما تنتهي صلاحيتها.

18