شطحات مثقف السلطة

الخميس 2014/02/06

مع بدء العد التنازلي للانتخابات الرئاسية في الجزائر(17 أبريل المقبل)، وارتفاع حمى مساندة ومعارضة الرئيس الحالي بوتفليقة، عاد الشاعر عزالدين ميهوبي إلى الواجهة، لكن ليس بديوان شعر كما عودنا، بل بتصريح صحافي يخالف الأعراف والتقاليد بالقول: “أنا مثقف السلطة، وأفتخر”. لكن صاحب “التوابيت” لم يخبر القارئ عن أية سلطة يتحدث، هل هي السلطة الظاهرة، التي تفشى فيها الفساد والفضائح المالية؟ أم السلطة الباطنة التي تحكم البلاد بغير وجه حق؟ وفي كلتا الحالتين أخطأ الشاعر ميهوبي الهدف، فالدولة الجزائرية الناشئة لا تعترف بالمثقف، بل تسعى جاهدة إلى وأد صوته واستبعاده ومحوه رمزيا. ولن يكفي مقال واحد لذكر أسماء كل المثقفين الجزائريين الذين اصطدموا بمنطق السلطة الحاكمة التعسفي، القائم على القوالب الجاهزة وليس على التفكير. السوسيولوجي مصطفى الأشرف يمثل نموذجا ناصعا لمثقف السلطة، الذي ساهم في بناء جزء من دولة ما بعد 1962، ليخرج في النهاية من الباب الضيق، ورضا مالك أيضا، حيث يعيش حالة تضييق وعدم قدرة على تمرير آرائه، وآسيا جبار التي صنع لها النظام أعداء افتراضيين لترهيبها وترهيب قرائها خوفا من سلطتها الثقافية.

النظام في الجزائر لا يحتاج إلى مثقفين، بل يحاول، من حين إلى آخر، وبحسب احتياجات المرحلة، توظيفهم بما يخدم خياراته الآنية. وميهوبي يفهم منطق اللعبة، ويعرف جيدا أنه كاتب بفضل جهد ذاتي، وإبداعاته مثابرة شخصية وليست هبة من عند السلطة، فلماذا يقدم نفسه قربانا لآلهة التعصب السياسي؟

في اللحظة الحرجة التي تعيشها الجزائر اليوم، وحالة الارتباك بين سلطة استمرارية وسلطة قطيعة، كان يفترض على المثقف أن يحدد لنفسه موقفا نقديا، وأن يتخذ مسافة لينظر إلى الأشياء بعمق، لا أن يركب، عن غير وعي، موجة المصفقين ويصطف في صف الانتهازيين، ففي الجزائر باتت كل السبل مباحة للوصول إلى قصر المرادية، سواء بالمحسوبية التي كرسها الرئيس بوتفليقة في عهدته الأولى، أو بتوظيف المال العام لخدمة الغرض الخاص كما فعل في عهدتيه الثانية والثالثة، وهو رئيس ينسب إلى نفسه كل الانتصارات الوهمية: السياسية، والأمنية، والاقتصادية، والاجتماعية، لكنه لم يفكر، هو والوسط المحيط به، في طريق للتصالح مع المثقف، وترك المفكر محمد أركون يموت ويدفن غريبا (2010)، وقبله الروائي محمد ديب (2003)، وحوّل الفعل الثقافي في البلد إلى جملة من المشاريع الفلكلورية التي تخدم صورته الشخصية وليس صورة البلد. فهل الشاعر عزالدين ميهوبي (ومن حوله) فخور بالانتماء إلى هذه السلطة المفخخة؟ هو خياره طبعا، ولا أحد يملك سلطة لمنعه، لكن سيهمنا جدا معرفة رأيه بعد عقدين من الزمن، لما سنجده يسب ويشتم ويمقت زمن الانتماء للخدعة، كما حصل قبله مع مثقفي السلطات.

الديكتاتورية الناعمة التي سقطت في تونس، ومصر، واليمن، وسوريا، كشفت عورة جيل كامل من المثقفين العرب، ففي الجزائر أيضا سيأتي يوم ينقلب فيه السحر على الساحر وسنرى مثقفي السلطة (وما أكثرهم) يعضون أصابع أيديهم. مع ذلك، وإلى غاية ذلك الحين، ما يزال باب التوبة مفتوحا.


كاتب جزائري

9