شراكة ابتكارية بين الصين وإسرائيل: التكنولوجيا المتقدمة اهتمام مشترك

عند الحديث عن العلاقات بين مختلف دول العالم وإسرائيل، تأتي الولايات المتحدة في المقدمة، في حين يستبعد كثيرون الصين، رغم أن العلاقة بين البلدين متطورة بشكل كبير والتعاون بينهما يسجل أعلى مستوياته من حيث التبادل التجاري والاستثمارات الصينية في إسرائيل وعدد الشركات الإسرائيلية المتزايد في السوق الصينية.
ظاهريا، لا يبدو أن العلاقة بين الصين وإسرائيل تسير بشكل طبيعي، لدرجة يمكن أن تصل إلى حد الشراكة، لكن إسرائيل استضافت مؤخرا نائب الرئيس الصيني وانغ تشي شان في زيارة رسمية.
وتعد الصين ثاني أكبر شريك تجاري لإسرائيل على مستوى العالم، حيث تضاعف حجم التجارة 200 مرة منذ عام 1992، ووصل إلى 11 مليار دولار في عام 2017. وحسبما تشير الأرقام الحكومية، صدّرت إسرائيل بضائع بقيمة 2.8 مليار دولار إلى الصين في النصف الأول من عام 2018، أي قفزة بنسبة 80 بالمئة عن العام السابق.
ولا تلعب العلاقات العسكرية دورا مهما في هذه التجارة على الرغم من كون الصين واحدة من الدول القليلة التي تحافظ في الوقت نفسه على علاقات جيدة مع الإسرائيليين والفلسطينيين ومختلف دول العالم الإسلامي. وتتوافق إسرائيل بشكل وثيق في علاقاتها مع المنافس الرئيسي للصين، وهي الولايات المتحدة.
وعندما يتعلق الأمر بالحجم والديموغرافيا والجغرافيا السياسية، نلاحظ اختلافا كبيرا بين الدولتين. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، شهدت التجارة والاستثمار والتبادلات التعليمية والسياحة ارتفاعا ملحوظا.
ودفع وضع الصين كقوة عالمية محتملة، إسرائيل إلى بناء علاقات مع دولة وصفها رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون في مقال كتبه في عام 1953، إلى جانب الهند، بأنها “دولة عظيمة وقديمة”.
وبدأت إسرائيل والصين بناء روابط عسكرية في الثمانينات أثناء الحرب السوفييتية في أفغانستان، والتي عارضها كلاهما. حيث زودت كلاهما المجاهدين الأفغان بالسلاح. وأرسلت إسرائيل أسلحة منظمة التحرير الفلسطينية التي تم الاستيلاء عليها عبر الولايات المتحدة وباكستان.
بعد انهيار الاقتصادات الغربية في عام 2008، أعلنت الصين عن جعل الابتكار المحرك الجديد لاقتصادها، وخلص سياسيون ورجال أعمال إسرائيليون إلى أن الوقت قد حان لإعادة توجيه مستقبل بلدهم الاقتصادي
وبينما كثفتا مساعدتهما للمقاومة الإسلامية ضد السوفييت، تبادلت إسرائيل والصين زيارات الأكاديميين والخبراء ورجال الأعمال والجيش. وتفيد التقارير بأن العديد من الدبابات الثقيلة المستخدمة في استعراض الصين لليوم الوطني لعام 1984 أعيد تجهيزها من معدات حرب الستة أيام التي تم الاستيلاء عليها.
اجتماع سري
تم فتح الباب نحو الصين بشكل جدي عندما أصبح دينغ شياو بينغ زعيم البلاد في عام 1978 وسمح بإصلاحات السوق والاستثمار الأجنبي. وكان شاؤول أيزنبرغ واحدا من أوائل الذين استفادوا من هذه التغييرات، وكان من بين 20 ألف يهودي لجأوا إلى الصين خلال الحرب العالمية الثانية عندما استقرت عائلته في شنغهاي.
وفي عام 1979، رتّب أيزنبرغ لقادة صناعة الدفاع الإسرائيلية عقد اجتماع سري مع نظرائهم الصينيين، مما أدى إلى عقد صفقات أسلحة مربحة. وبفضل اهتمام أميركي صيني مشترك بإحباط الطموحات السوفييتية، دعمت الولايات المتحدة التعاون الإسرائيلي الصيني بهدوء. وبهدف عدم استفزاز حلفائها العرب، فقد صارت العلاقة إلى حد كبير في السر.
وعندما جلس الإسرائيليون مع الفلسطينيين في مدريد في عام 1991 وانهار الاتحاد السوفييتي، ظهر تحد جديد: لم تعد لدى الولايات المتحدة مصلحة في السماح لإسرائيل بنقل التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين.
ومع توتر العلاقات بين الصين والولايات المتحدة في ظل رئاسة بيل كلينتون، أجبر الأميركيون الحكومة الإسرائيلية في سنة 2000 على إلغاء صفقة بقيمة مليار دولار لبيع الصين أربعة أنظمة إنذار مبكر ومراقبة من طراز فالكون.
وكانت الصين غاضبة، لكن كونها دولة براغماتية، بقي قادتها هادئين. ومع وصول التكنولوجيا المتقدمة لإسرائيل في العقد الأول من القرن الحالي، تضاعفت المعاملات التجارية بين الدولتين إلى ثلاثة أمثالها.
وحدث التحول الحاسم بعد انهيار الاقتصادات الغربية في عام 2008. وفي عام 2010، أعلنت الصين عن نيتها جعل الابتكار المحرك الجديد لاقتصادها، وخلص سياسيون ورجال أعمال إسرائيليون إلى أن الوقت قد حان لإعادة توجيه مستقبل بلدهم الاقتصادي.
ويتضح هذا التحول من خلال ثلاثة أمثلة، ففي سبتمبر 2011، استضافت الشبكة القيادية والأكاديمية العالمية الصينية-الإسرائيلية (سيجنال) أول ندوة إستراتيجية وأمنية بين الصين وإسرائيل في إسرائيل. وأسست سيجنال خمسة برامج دراسات إسرائيلية في الجامعات الصينية.
وفي عام 2013، أعلن معهد التخنيون، معهد إسرائيل للتكنولوجيا أنه سيكون لديه حرم جامعي في جامعة شانتو في غوانغدونغ، أكبر مقاطعة في البلاد من حيث عدد السكان. وخصصت إسرائيل المئات من المنح الدراسية للطلاب الصينيين لدراسة العلوم والتكنولوجيا في إسرائيل.
وتبعت ذلك مبادرات أخرى عزّزت الروابط بين الدولتين: حيث تقوم شركة تشاينا هاربور الهندسية ببناء ميناء في مدينة أشدود الجنوبية لإدماجه في مبادرة الحزام والطريق في الصين من خلال تفريغ البضائع في ميناء إيلات على البحر الأحمر ونقلها بواسطة القطار إلى ميناء أشدود، وبالتالي إلى أوروبا.
تعزيز التعاون
تستمر الرحلات الجوية المباشرة بين بكين وتل أبيب. وتعتبر إسرائيل واحدة من الأعضاء المؤسسين الـ51 للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، والذي يتناسب مع السياسة الاقتصادية الخارجية الشاملة للصين.
وستوقع الصين وإسرائيل على اتفاقية تجارة حرة قريبا، وتم إلغاء التأشيرات بينهما. وكنتيجة لذلك، وفي عام 2016، تضاعف حجم الاستثمار المباشر للصين في إسرائيل ثلاث مرات تقريبا ليصل إلى 16 مليار دولار. ومن المتوقع أن تتفوق الصين على الولايات المتحدة في وقت قريب باعتبارها المصدر الأول لإسرائيل للاستثمار الأجنبي.
إسرائيل تنظر إلى الصين على أنها حائط صد لمحاولات المقاطعة وسحب الاستثمارات من دول أخرى
ومن ناحية تنجذب الصين إلى قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي، في حين ترحب إسرائيل باستثمار الصين وإمكاناتها كمتعاون في الأبحاث. وتنظر إسرائيل إلى الصين على أنها حائط صد لمحاولات المقاطعة وسحب الاستثمارات من دول أخرى.
وفي عام 2004، طلبت حكومة الولايات المتحدة من إسرائيل التراجع عن تعهدها بتحديث نظام صواريخ هاربي، الذي باعته شركة إسرائيل لصناعات الطيران إلى الصين قبل عشر سنوات. ونفى مسؤولون إسرائيليون المزاعم الأميركية بأن النظام الصاروخي احتوى على التكنولوجيا الأميركية وتابعوا التزاماته التعاقدية للصين.
ويحذّر بعض الإسرائيليين، خاصة بين مسؤولي الأمن الوطني السابقين (مثل مدير الموساد السابق إفرايم هاليفي)، من القضايا الأمنية المحتملة واحتمال وجود احتكاك مع الولايات المتحدة نتيجة لمشاركة الصين في مشاريع البنية التحتية الإسرائيلية.
وتعرف إسرائيل أنها يجب أن تكون حذرة خشية أن تجد نفسها على خلاف مع أعظم حليف لها في ما يتعلق بالمنتجات ذات الاستخدامات العسكرية المحتملة. وسيكون ذلك أكثر صدقا إذا تحولت النزاعات بين الولايات المتحدة والصين إلى حرب تجارية.
وفي غضون ذلك، تستمر التجارة بين الصين وإسرائيل وتأخذ الاستثمارات الصينية في إسرائيل في الارتفاع. وقد يبدو الإنجاز التجاري البالغ 11 مليار دولار ضئيلا مقارنة بتجارة الصين مع الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي ولكنه يستمر في الزيادة، ولا سيما وأن المكونات التجارية العالية التقنية والعسكرية تلعب دورا رئيسيا في التعاون الاقتصادي الشامل.