شباب غزة يتحايلون على أزماتهم بمبادرات متواضعة

عدم توفّر أماكن كافية في غزة تراعي مواهب الشباب وتعزز إمكاناتهم وقدراتهم، يساهم في زيادة نسبة اليأس لديهم.
الأحد 2020/08/16
شباب غزة مصرون على تحسين واقعهم

يعيش شباب فلسطين في قطاع غزة مشكلات وأزمات متراكمة منذ 14 عاما أغلبها بسبب تبعات الانقسام السياسي الفلسطيني الداخلي، وفي ظل الحصار الإسرائيلي يحاولون إيجاد سبل للخروج من هذا الواقع بحلول في حدود الممكن.

غزة - تبخرت أحلام الشاب الغزاوي علاء أبوطير في العثور على عمل كمدرس للتربية الرياضية منذ تخرجه في هذا التخصص عام 2009، فقرر الانضمام إلى “فرقة الكوماندوز” التي تضم شبابا كان من المفترض أن يصبحوا معلمين وممرضين.

“فرقة الكوماندوز” الفلسطينية هذه لا علاقة لها بأي نشاط عسكري، بل هي عبارة عن فريق مكون من حوالي 40 شابا من خريجي الجامعة مهمتهم جني المحاصيل، وأطلقوا على أنفسهم هذا الاسم لسرعتهم في الأداء، حيث أصبحوا أسرع وأكفأ خمس مرات من الجرارات الزراعية لقاء أجر زهيد، بعد أن تعثرت خطاهم وفشلت مساعيهم في الحصول على وظائف تتناسب مع طبيعة دراستهم في قطاع غزة الذي يزيد معدل البطالة فيه عن 50 في المئة.

وقال عضو الفريق علاء أبوطير (31 عاما) إنهم بدأوا بخمسة أو ستة خريجين في عام 2016، وزادوا الآن إلى حوالي 40 خريجا، مضيفا أن الحصاد الذي يمكن أن يستلب من وقت المزارعين ساعتين ونصف الساعة باستخدام الجرارات لا يستغرق منهم سوى 30 دقيقة فقط.

وأضاف أبوطير “أنا خريج في عام 2009، حاولت أن أبحث عن عمل منذ عام 2009 حتى 2016 تقريبا، أي سبع سنوات، ولم أجد عملا، كانت الفرصة ضعيفة جدا أن أجد عملا فقررت أن أؤسس فرقة الكوماندوز، بدأنا بخمس شباب والحمد لله بسبب سرعة إنجازنا كبرت فرقتنا وصرنا الآن بين 35 و40 شابا”.

وتابع “الشاب الذي لا يملك المال لا يستطيع التحرك وخاصة المتزوج، ففي ظل الظروف الراهنة التي يمر بها قطاع غزة بسبب الحصار الإسرائيلي وبسبب الانقسام بين شطري الوطن في قطاع غزة والضفة الغربية نحن نمر بأزمة خانقة خاصة الخريجين والعمال”.

تبعات الانقسام

نسبة البطالة بين الشباب في قطاع غزة بلغت نحو 70 في المئة
نسبة البطالة بين الشباب في قطاع غزة بلغت نحو 70 في المئة

ويعيش الشباب الفلسطيني في قطاع غزة ظروفا معيشية قاسية، جرّاء تضاعف تداعيات الحصار الإسرائيلي المفروض للعام الـ14 على التوالي، وأدى إلى إغلاق العشرات من المنشآت التجارية والصناعية، إضافة إلى التبعات السلبية للانقسام السياسي الفلسطيني الداخلي الذي ساهم في انخفاض معدلات التوظيف، وتسبب في إغلاق عدد من المؤسسات.

وتقول إسرائيل إن القيود المفروضة على حدودها تهدف إلى الحد من القدرات القتالية لحركة حماس الإسلامية الفلسطينية. فيما يقول مسؤولون في غزة إن هذه الإجراءات أصابت اقتصادهم بالشلل.

ويشير خبراء اقتصاد محليون إلى أن ما يقرب من اثنين من كل ثلاثة فلسطينيين عاطلين عن العمل في غزة هما من خريجي الجامعات الجدد.

وعندما لا يعثر فريق الكوماندوز على عمل في الأرض مقابل 20 شيقلا (5.80 دولار) في اليوم لكل منهم، فإنهم يلجأون إلى العمل في أشغال البناء.

ويقول العامل الزراعي أحمد عليان “من الظلم أن يكون الشاب خريجا جامعيا وأنفق أكثر من 8000 دينار على دراسته، ثم يعمل في هذا المجال، فلو بقي يعمل منذ الآن حتى خمس سنوات قادمة لن يجني ما يعادل الرسوم التي دفعها للجامعة”.

لكنه يضيف “البداية كانت صعبة والآن أصبحنا فريقا كاملا نعمل معا ونكسب لقمة العيش معا من هذا المجال”.

ويرى متابعون أن حل مشكلة البطالة لدى شباب غزة يكمن في “إنشاء مشاريع تشغيلية محلية فورية، وتوفير فرص تدريب تتيح لهم العمل في مجالات العمل الحر والإلكتروني عبر شبكات الإنترنت”.

مشاريع تشغيلية فورية

الظروف المعقدة لوضع المعابر في غزة تقتل أحلام الشباب
الظروف المعقدة لوضع المعابر في غزة تقتل أحلام الشباب

ويقول الكاتب والباحث الفلسطيني مصطفى إبراهيم إن عدم وجود أماكن كافية تراعي مواهب الشباب وتعزز إمكاناتهم وقدراتهم، يساهم في زيادة نسبة اليأس لديهم.

وتابع إبراهيم “إنشاء الحاضنات الشبابية، التي تراعي المواهب والقدرات والإمكانيات، من شأنه أن يساهم إيجابيا في دفع عجلة الحياة المجتمعية”.

ودعا الشباب إلى “ضرورة تحدي الظروف وإنشاء مبادرات وأنشطة تعبّر عنهم بشكل مباشر، دون انتظار مبادرة الجهات الحكومية والأهلية بذلك”.

وتتعدد الأزمات التي تعاني منها فئة الشباب بغزة، أبرزها، إلى جانب ندرة فرص العمل وتفشي البطالة، عدم القدرة على استكمال التعليم الجامعي، والأعباء المالية التي تحول دون الزواج، وصعوبة التنقل والسفر بسبب إغلاق المعابر، إضافة إلى غلق منافذ الوصول إلى مراكز صناعة القرار.

وبحسب بيانات صادرة عن مركز الإحصاء الفلسطيني لعام 2019، فإن عدد الشباب يبلغ حوالي 1.1 مليون من الجنسين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما، وهم من أصل 1.5 مليون فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وبلغت نسبة البطالة بين الشباب في قطاع غزة نحو 70 في المئة، مطلع العام الجاري، وفقا لما أوردته اللجنة الشعبية لرفع الحصار عن غزة، بينما بلغت في صفوف المواطنين بشكل عام 46 في المئة، مقابل 14 في المئة فقط بالضفة الغربية المحتلة.

وأشارت بيانات مركز الإحصاء الوطني (حكومي) إلى أنّ 50 في المئة من الشباب (18 – 29 عاما)، كانوا في عام 2018 خارج سلك العمل والتعليم والتدريب، بواقع 41 في المئة في الضفة الغربية، مقابل 63 في المئة في قطاع غزة.

التعليم حلم

شباب غزة أرهقهم ضنك العيش
شباب غزة أرهقهم ضنك العيش

بحسب ورقة صادرة عن مركز مسارات للأبحاث والدراسات (غير حكومي)، فإن متوسط التكلفة السنوية للدراسة الجامعية، للطالب الواحد يتراوح بين 1000 و2000 دولار أميركي.

وتقول عندليب عدوان، مديرة مركز الإعلام المجتمعي (غير حكومي) “شعور الشباب بعدم قدرتهم على استكمال دراستهم الجامعية، أو تغطية الرسوم الدراسية، من أعقد وأصعب المشكلات التي تواجه هذا الجيل”.

وتابعت “التعليم الجامعي، بشقيّه الأكاديمي والمهني، يعتبر البوابة الأولى للشباب، التي يفترض أن يعبروا من خلالها إلى المجتمع وسوق العمل”.

وطالبت عدوان الجهات الرسمية بـ”تبنّي مشاريع واضحة تؤمن التعليم الشامل لجميع الطلاب”، معتبرة أن “الاصطدام بمعيقات التعليم يؤثر على نفسية الشباب وطبيعة تفكيرهم”.

وتعتبر صعوبة التنقل مشكلة أخرى يعاني منها الشباب، كما بقية السكان المحاصرين، جراء الإغلاق الدوري لـ”معبر بيت حانون (إيريز)” مع إسرائيل و”معبر رفح” مع مصر.

وفي ما يتعلق بمعبر بيت حانون، فإن إسرائيل لا تسمح لجميع الفلسطينيين بالتنقل بحرية من خلاله، إنما وفق شروط ومحددات، أبرزها الحصول على الموافقة الأمنية من قبل تل أبيب.

وأما معبر رفح، فقد شهد حالة من الإغلاق شبه الكامل منذ يوليو 2013 لدواع أمنية، إلا أن العمل فيه تحسّن في مايو 2018، بعدما أعادت مصر فتحه، ما خفف بشكل كبير من الأزمة الإنسانية التي يعاني منها الراغبين في السفر.

ومؤخرا، فاقمت أزمة كورونا من القيود المفروضة على حرية التنقل، حيث فرضت الجهات الحكومية المختصة بغزة، إغلاقا للمعابر منذ منتصف مارس الماضي، ضمن جهود مكافحة الفايروس.

وخلال الأزمة، تم فتح معبر رفح، استثنائيا لعدة مرات، لدخول العالقين خارج القطاع، بينما تم السماح بخروج المسافرين من القطاع، للمرة الأولى منذ الإغلاق، على أن يستمر خروجهم لمدة 3 أيام.

الشاب الغزاوي عبدالكريم جبر (30 عاما)، حاول خلال السنوات الخمس الماضية، السفر إلى الخارج أكثر من مرة، للعمل وبناء حياة جديدة، لكن محاولاته باءت بالفشل.

ويقول جبر “وضع المعابر بغزة، والإغلاق شبه الكامل، وهذه الظروف المعقدة، قاتلة لأحلام الشباب”.

ولا تضم المؤسسات الحكومية أو الأحزاب الفلسطينية، في هيئاتها القيادية والإدارية العليا، أشخاصا من فئة الشباب، إلا بنسبة محدودة جدا، تكاد لا تتجاوز 1 في المئة، بحسب ما يوضح الباحث إسلام عطاالله.

وأضاف عطاالله “غياب الشباب عن مراكز صناعة القرار بالمؤسسات الرسمية والحزبية، يساهم في غياب طرح قضاياهم داخل البؤر القيادية، التي يُفترض أن يكون المسؤولون فيها هم أول المبادرين لحل تلك الأزمات”. وبيّن أنّ استمرار تلك الحالة يساهم في زيادة مشكلات الشباب “لأنّ معظم القيادات الفلسطينية الحالية، لا تعمل لصالح تنفيذ مشاريع تنموية وتشغيلية، ولا تلتفت لهموم الشباب ومعاناتهم إلّا في المناسبات الرسمية”.

كما تسبب الانقسام السياسي بين حركتي “فتح” و”حماس” عام 2007، في تعطّل العملية السياسية بشكل شبه كامل، الأمر الذي أفقد الشباب حقوقهم  في المشاركة السياسية.

واستكمل عطاالله “إهمال فئة الشباب، له تبعات وانعكاسات وخيمة ليست على تلك الفئة فحسب بل على الأمن والتنمية”.

19