"شاورما القطط" على نخب المصالحة الإدارية في تونس
يحتاج التونسيون إلى الكثير من سعة البال والصدر لاستيعاب الأحداث التي تتواتر من حولهم بشكل يومي وسرعان ما تتحول إلى مصدر استقطاب ولغو في البلاد.
يسأل التونسيون في مواقع التواصل الاجتماعي عما إذا كانت هناك قطط بالقدر الكافي في الشوارع وما إذا كان عددها قد تناقص فعلا بعد ضجة ” شاورما القطط” التي صدمت مرتادي أحد أشهر المطاعم التركية في العاصمة.
ففي يوم واحد كان يتعين على التونسيين أن يركزوا اهتمامهم بين تقصي حقيقة شاورما القطط، وبين متابعة النقاش الدائر في البرلمان بشأن “قانون المصالحة الإدارية” المصيري الذي يتوقع أن تكون له تبعات كبيرة على الإدارة في تونس وعلى مصير العدالة الانتقالية الشائك.
وفي الوقت الذي كان فيه الصراخ يعلو في البرلمان بين السلطة والمعارضة بشأن القانون الذي يهدف إلى رفع الملاحقة القضائية لموظفين عملوا في حقبة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في قضايا ترتبط بالفساد، كان الرأي العام خارج البرلمان يتطلع إلى حقيقة ما يروج عن المطعم التركي المورط في حادثة الشاورما، ودور إدارة الصحة في كل ما يحدث.
بغض النظر عما إذا كان الخبر حقيقة أم إشاعة فإن ما يهم أنه قد تحول فعليا إلى مصدر انقسام جديد بين الإسلاميين والعلمانيين من العامة، بين مدافع عن الشاورما التركية الأصيلة وكل ما يصدر عن المطبخ التركي من جهة، وبين ساخط على كل منتجات الباب العالي التي أغرقت الأسواق المحلية، حتى أنها تسببت في عجز مستمر منذ سنوات في مستوى المبادلات التجارية بين البلدين.
ومع أن هذا الطبق المثير للجدل يعد من الأكلات الرئيسية الشائعة في دول مثل الصين والهند ومناطق أخرى من شرق آسيا، إلا أن الأمر في تونس قد يحتاج إلى ثورة راديكالية في المطبخ الوطني من أجل تطبيع قسري مع لحوم القطط والكلاب، هذا إن صحّ فعلا ما يروج عن هذه الطبخة الدخيلة على تونس.
وفي الواقع لا يخرج الخبر العاري من أي مصدر رسمي حتى الآن، عن نطاق الفوضى الإعلامية في تونس ما بعد الثورة، على شاكلة الفوضى التي تجتاح الإدارة وحالة الانفلات والتسيب في مؤسسات الدولة، التي يرنو مؤيدو قانون المصالحة الإدارية إلى أن يضعوا حدا لها ولحالة البيروقراطية المقيتة.
فلا تخفى على التونسيين حالة الإسهاب المستمرة لمثل هذه الأخبار منذ فترة، لا يتوقف الأمر عند “شاورما القطط” فحسب، فمنذ سنوات يتردد في الشارع التونسي تسويق لحم الحمير وسط باقي اللحوم الحمراء، وانتشار مخازن الأكلات الفاسدة والسلع المهربة والمواد المعلبة فاقدة الصلوحية، دون أن تكون للأجهزة الرقابية سلطة رادعة لمافيا الإرهاب الغذائي في البلاد.
وسواء كانت “شاورما القطط” قد استقرت في بطون التونسيين أم لا فإن ما ينتظر من القانون المثير للجدل هو أن يكون فعلا، كما يسوق له مناصروه، أداة إصلاح وتحرير لإرادة الآلاف من الموظفين والمسؤولين الذين ظلوا لسنوات منذ 2011 تحت طائلة التهديد بعقوبات سجنية وأن يساهموا في إخراج الإدارة التونسية من حالة الكساد التي جلبت الكثير من الويلات على الحياة اليومية للتونسيين.
الانتظارات من القانون الذي مر بحكم الأمر الواقع بعد أن فرضته الأغلبية البرلمانية الحاكمة، وفي غفلة من جمهور شاورما القطط، تبدو عالية وربما تتحول عكسيا إلى ضغوط مضاعفة على الحكومة لتسريع المزاعم حول الإصلاحات الإدارية والاستثمارات والمشاريع التنموية المعطلة في الجهات الداخلية منذ 2011.
لقد ظل الفهم السائد ضمنيا من وراء الحملة التي قادتها الأحزاب في الحكم واستماتتها في تمرير القانون بعد أكثر من عامين من التجاذب السياسي مع المعارضة، وما رافقها من احتجاجات قادها المجتمع المدني في الشوارع، أن تمرير قانون المصالحة الإدارية، بعد إدخال تعديلات على نسخته الأولى كمصالحة اقتصادية، سيمهد فعلا لرؤية تونس مختلفة في السنوات القادمة، كما يتطلع إليها الشعب بعد انتفاضة 2011.
وطالما أن سقف الانتظارات عال، فإن ما ينتظره التونسيون الآن هو كيف سيمكن هذا القانون، مثلما حرر رقاب الآلاف من المسؤولين والموظفين من العقوبات التي كانت تكبلهم، من تحرير المشاريع الكبرى المقيدة في الجهات الفقيرة وكيف سيحسن البنية التحتية المتهالكة في قطاع الصحة والتعليم، وكيف سيساهم في خلق فرص عمل لخريجي الجامعات ويوفر للتونسيين عموما خدمات سريعة وبيئة يطيب فيها العيش.
يفترض أن تكون حكومة الوحدة الوطنية واعية بحجم تلك الانتظارات المضاعفة الآن، ومثلما تحدث الرئيس الباجي قايد السبسي عن فرصة الأمل الأخير لبناء تونس الجديدة من وراء التعديل الوزاري الموسع، فإن صبر التونسيين قد يكون أيضا بلغ سدرة المنتهى في رؤية بلد مختلف طالما حلموا به.
كاتب تونسي