شاب عراقي ينقل عشقه للطبيعة والحيوانات إلى الأجيال القادمة

بغداد- في قلب بغداد، أطفال من دار للأيتام يتناولون إفطارا غير عادي في مطعم دربونة مع الناشط البيئي مهدي ليث، الذي ينتقل بهم في رحلة إلى منطقة الأهوار المهددة والمعرضة لخطر تآكل رقعتها في العراق.
في عام 2019، أجرى ليث إصلاحات وأعمال ترميم لمنزل قديم في بغداد مستخدما مواد بناء تقليدية من الأهوار، بعد أن صنع الجدران من أعواد القصب ووضع الوسائد الملونة والأثاث الخشبي وأنشأ مطعم دربونة.
ويذيع صيت ليث، عاشق الحياة البرية والعضو المؤسس في “مركز الحياة البرية العراقي”، على موقع إنستغرام، ويزيد عدد متابعيه عن 120 ألف شخص. بدأ ليث في تنظيم ورش عمل للأطفال داخل المطعم يتحدث فيها عن أهمية الحفاظ على البيئة والتنوع في البلاد.
الحيوانات ملك للجميع وهي ارث طبيعي وجزء لا يتجزأ من العراق وعلى العراقيين أن يحبوا كل ممتلكات بلادهم
قال ليث إن الحروب على مدى عقود وجائحة فايروس كورونا حالت دون وضع قضية الحفاظ على البيئة على رأس جدول الأعمال السياسي في البلاد. كان ليث يتحدث بينما كان الأطفال يَخُطٌون بأيديهم رسوما ملونة لحيواناتهم المفضلة.
ربط ليث بين تعليم وتنشئة الأطفال على حب الحياة البرية والحفاظ على البيئة في المستقبل. وقال “أعتقد أنه من المهم للغاية أن يحمل هؤلاء الأطفال في قلوبهم أهمية هذه الحيوانات عندما يكبرون. أكيد، لن نرى هذه المجازر التي تحدث في العراق من قتل وصيد غير مشروع ومتاجرة بالحيواناتالبرية”.
وقال الناشط العراقي “هذه محاضرة بسيطة ليعرف الأطفال الحيوانات والحياة البرية في الأهوار، بعد ذلك سيرون بعض الحيوانات المتوفرة بالدربونة فهي فرصة سعيدة للأطفال لكي يغيروا أجواء الحجر التي يقضونها في البيوت طيلة فترة كورونا، وهذه فرصة للترفيه يحصلون فيها على معلومات هامة”.
وتحدث ليث عن تأثير الأوضاع الحالية بالعراق في ظل جائحة كورونا وسنوات الحرب الطويلة، وقال “نعاني من تلاحق الأزمات، فنحن نعيش هذه الفترة محاصرين بوباء كورونا، ومن قبلها مرّ العراق بحروب متتالية”.
وبدأ مهدي ليث باقتناء الحيوانات الأليفة منذ كان صغيرا رغم عدم تقبل العائلة لهذا الأمر، ليتحول الموضوع بعد سنوات إلى مشروع كبير، حيث أسس محميّته الخاصة داخل المنزل وراح يستقبل الناس لرؤية حيواناته بهدف كسر حاجز الخوف لديهم.
وقال ليث “بدأت بشراء الحيوانات المنزلية بعد أن بحثت عنها وعن طريقة تربيتها عبر الإنترنت، حتى صارت عندي محمية حيوانات خاصة، وبدأت بنشر نشاطاتي على مواقع التواصل حتى صار لي اسم وأحب الناس فكرتي وبدأوا بالتوافد على بيتي لالتقاط الصور مع الأفاعي والسلاحف”.
وانضم ليث إلى منظمة تعنى بالنشاط البيئي تديرها مجموعة من المختصين، وبعدها أسس فريقا من المتطوعين البيئيين سماه “منقذو الحياة البرية” ليساعد الناس في التعرف على أنواع الحيوانات الخطرة منها والأليفة.
ويهدف الفريق إلى “إقامة مهرجانات وملتقيات توعوية في الأماكن العامة والمدارس والجامعات لدعوة الناس إلى عدم قتل حيوانات الشوارع حتى لو كانت خطرة، فهي بالتأكيد لها دور كبير في الحفاظ على البيئة، إضافة إلى تقديم النصائح الوقائية في حال تعرض أحد إلى لدغة أو عضة من حيوان سام، وكيفية التعامل مع الجرح ريثما يصل إلى المشفى” بحسب ليث.
وقرر الشاب افتتاح ملتقى عام لاستقبال الناس من محبي الحيوانات، فأسس مطعمه الفولكلوري الخاص، ووضع فيه بعض الزواحف والحيوانات المائية والطيور، وصار يستقبل القادمين في رحلات مدرسية ليشاركهم الطعام ويعرّفهم على الحيوانات الموجودة في المطعم.
يذيع صيت ليث، عاشق الحياة البرية والعضو المؤسس في “مركز الحياة البرية العراقي”، على موقع إنستغرام، ويزيد عدد متابعيه عن 120 ألف شخص
ويحتفظ ليث أيضا بعدة أنواع من الزواحف النادرة في العراق والمهددة بالانقراض في غرفة منفصلة من المبنى، خصصها للأطفال ليكسر لديهم ما يسميه “حاجز الخوف” من الحياة البرية.
ومنذ شهور، أُغلق المطعم وأغلقت المدارس أيضا بسبب جائحة كورونا. وبعد إعادة افتتاح مطعم دربونة للجمهور في الآونة الأخيرة، يأمل ليث في معاودة تنظيم ورش العمل مرة أخرى واستقبال الرحلات.
ويقول “نحن نرى الكثير من العنف ضد الحيوانات الموجودة في الشوارع، فأردنا أن نجعل الناس وخاصة الأطفال يتحمّلون الإنسانية وحب التعامل بلطف مع الحيوانات، فهي لن تؤذيهم، ومن الممكن التعايش والتعامل معها، وكثير من حيوانات الأهوار معرضة للانقراض وهذه فرصة أيضا للأطفال لكي يتعرفوا عليها”.
وجرى تجفيف الأهوار، التي يقول عنها الكتاب المقدس إنها موقع “جنة عدن” بشكل كامل تقريبا في عهد صدام حسين، وتم إدراجها في عام 2016 على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) لمواقع التراث العالمي. ويختتم مهدي ليث حديثه “الحيوانات ملك للجميع وهي إرث طبيعي وجزء لا يتجزأ من وطننا وعلينا أن نحب كل ممتلكات هذا الوطن”.