سيناريو واقعي لعالم فانتازي

الإشكالية تبدو مركبة لجهة استسهال وظيفة كاتب السيناريو وبالتالي استسهال التعامل مع الجمهور وكسب رضاه وتفاعله.
الأحد 2021/07/11
استيعاب الواقع وتمثّله سينمائيا من صميم وظيفة كاتب السيناريو

يقوم كاتب السيناريو بما يجب من أجل إيصال الفكرة والموضوع إلى الجمهور العريض، فمهمته مختلفة كليّا عن سائر العاملين في الفيلم.

هو العقل المفكر القادر على ترجمة الأفكار وتجسيد الشخصيات والأماكن والأحداث من سياقها الأدبي والقصصي وحتى المسرحي والميثولوجي إلى شكلها السينمائي المتدفق بالعناصر الجمالية.

لكن كاتب السيناريو مشدود عضويا إلى الواقع ومهما ذهب بعيدا في إسباغ صورة مختلفة عمّا هو معيش فإن الواقع يبقى حاضرا بقوة عنده.

وفي موازاة ذلك هنالك أسرار كثيرة ومركبة تتعلق بجوهر عمل كاتب السيناريو وأسلوبه التعبيري وقدرته على صناعة الحدث وبناء المشهد هي التي تجعل مهمته أكثر صعوبة، وتجعل كاتب السيناريو عالي الاحتراف عملة نادرة، كما تجعل كثيرا من الإخفاقات الفيلمية تبدأ من السيناريو وتنتهي به.

ولا تكاد تسترجع تجربة مخرج سينمائي بارع على مستوى العالم لا يضع السيناريو أسبقية أولى، ولهذا لم يكن مستغربا أن يعلنها هيتشكوك بعد منجز إبداعي غزير وأفلام عديدة أخرجها بجدارة أن أسرار نجاح أي فيلم هي ثلاثة وهي السيناريو أولا والسيناريو ثانيا والسيناريو ثالثا.

على وفق هذه القاعدة يمكننا النظر إلى المشكلات التي تواجه صانعي الفيلم والتي تبدأ من مشكلة متراكمة على صعيد السينما العربية وهي عدم إتقان عملية كتابة السيناريو ووجود العديد من الثغرات في عملية كتابته.

كاتب السيناريو مشدود عضويا إلى الواقع ومهما ذهب بعيدا في إسباغ صورة مختلفة عمّا هو معيش فإن الواقع يبقى حاضرا بقوة عنده

والأمر يرتبط في بعض الأحيان بعملية استسهال مطلقة على أن متطلبات الإنتاج وميزانية الفيلم لها الأسبقية ثم توفير أحدث التقنيات الممكنة، لكنها جميعا مهما تضخمت فلن تنجح في تقديم فكرة وموضوع ومعالجة قصصية-سينمائية بطريقة متقنة، وبالتالي فإن معيار رضا الجمهور وتأثره وتفاعله سوف تبرز بقوة.

الجمهور ليس مستعدا للجلوس أمام الشاشة لساعة ونصف الساعة أو ساعتين من أجل متابعة مجموعة مشاهد مفككة وشبه انعدام للفكرة.

في موازاة ذلك تبدو الإشكالية مركبة لجهة استسهال وظيفة كاتب السيناريو وبالتالي استسهال التعامل مع الجمهور وكسب رضاه وتفاعله أو رفضه، ليس ذلك مهما ولهذا ليس هنالك الكثير من الأفلام التي يمكن أن تبقى في الذاكرة، وواحدة من أهم الأسباب هي ضعف السيناريو وهشاشته.

من جهة أخرى تبدو النصائح الموجهة لكاتب السيناريو في غير موضعها بسبب رسوخ القناعة بأن كاتب السيناريو قد تجاوز مرحلة التعلّم من أخطائه والثغرات التي أوجدها، وبالتالي يكون سببا أساسيا من أسباب فشل الفيلم جماهيريا أو نجاحه.

الاستفادة من الأخطاء وتصحيحها تحتاج إلى المزيد من الخبرات والمزيد من إدراك أسرار عملية الكتابة للشاشة وليس مجرد مشاهدة أفلام عالمية حصدت جوائز مهمة.

وإذا كان الأمر مرتبطا بأسلوب كاتب السيناريو -هذا إذا وصل إلى مرحلة امتلاك الأسلوب- فإن كيفية نقل كل هذا الواقع الغزير الأقرب إلى الجمهور هي مهمة صعبة أخرى تواجه كاتب السيناريو وتحدّيا لقدراته في امتلاك المهارات الكافية لنقل الواقع في صوره وتجلياته العديدة والمركبة.

ذلك ليس مدخلا نظريا بل هو في صميم وظيفة كاتب السيناريو في استيعاب الواقع وتمثّله سينمائيا، ولهذا فإن مشكلة التسطيح في الشكل والمعالجة السينمائية والبناء التعبيري والجمالي كلها ترتبط مفصليا بعدم القدرة على تمثل الواقع.

هنالك وظيفة ترتقي بعمل كاتب السيناريو وتكاد تتلمّسها في الأفلام الناجحة وتتمثل في السيناريو الواقعي، وهو هنا مرحلة متقدمة لقراءة غرائبية الواقع وحتى فانتازيته، وهنا تبدو العملية عكسية فالواقع يزخر بالغرائبيات والفانتازيا واللا منطق واللامعقول على عكس الظن أن كاتب السيناريو هو الذي يسبغ كل ذلك على الواقع، بل بمستطاعه تقديم محتوى فكري مكتنز بالعناصر الجمالية التي يتم من خلالها إعادة إنتاج الواقع بطريقة عبقرية وذلك هو التحدي الكبير الذي يواجه كاتب السيناريو.

15