سيناريوهات مستهلكة وطرق إخراجية عفا عليها الزمن

مساحة التجريب محدودة للغاية في عموم التجارب السينمائية العربية لأن المنتجين يحبذون ما هو مسرف في الواقعية.
الأحد 2021/05/23
قصص مستهلكة

في الفيلم كما في الحياة هنالك تلك الصلة بالواقع التي تعبّر عنها الشخصيات وتتفاعل معها.

لكن هذا الأمر الذي طالما اشتغلت عليه التجارب السينمائية كان وما يزال يربك المخرج السينمائي وقبله كاتب السيناريو وكأنهما يشعران بالذعر إن هما تخليا عن ذلك الحب السرّي الذي يربطهما بالواقع ولهذا انطبعت السمة الواقعية وطبعت أغلب الإنتاج السينمائي العربي حتى الساعة.

لو شاهدنا أفلاما أنتجت في خمسينات أو ستينات أو سبعينات القرن الماضي لما وجدنا اختلافا كثيرا عن أفلام يتم إنتاجها خلال السنوات الأخيرة، وحتى التي تعرض الآن.

هنالك إغراق مبالغ فيه بالواقعية ربما تنفيذا للحكمة التي تقول تشبّث بما تعلم خيرا من أن تتورّط بما لا تعلم.

ولأن مساحة التجريب محدودة للغاية في عموم التجارب السينمائية العربية ولأن من بيده المال ومستلزمات الإنتاج لا يتفاعل ولا يريد من كاتب السيناريو ولا المخرج غير ما هو مسرف وغارق في الواقعية، لهذا غرق الجمهور في تلك الواقعية التي كرّست جمودا فكريا واحتباسا جماليا، وبدت كثير من تلك التجارب فقيرة في جانبها التعبيري أقرب إلى المباشرة في طرح الفكرة، لا تمتلك الجرأة ولا القدرة على إبهار المشاهد.

هذا النوع من (الذبول) والضمور الواقعي ظل حتى الساعة عامل تردٍّ للتجارب السينمائية أكثر من كونه عامل دفع بالإنتاج السينمائي إلى الأمام.

وفي ذروة الصلة العميقة بين الرواية العربية والفيلم، وبالأخص على صعيد السينما المصرية، فقد شهد جمهور السينما تحفا فنية مأخوذة خاصة عن روايات لنجيب محفوظ أو توفيق الحكيم أو يوسف إدريس أو إحسان عبدالقدوس أو يحيى حقي أو يوسف السباعي أو غيرهم.

كانت هنالك مساحة واقعية ناضجة وعميقة وبدا دخول الكاميرا في صميم الحياة الاجتماعية والعائلية ذا أثر تعبيري وجمالي عميق وجرأة فكرية ملموسة.

والحاصل أن التجارب السينمائية اللاحقة من حول العالم كانت تنهل من التجارب الرصينة السابقة وتقوم بتطويرها، لاسيما وأن موجات التجديد في مسار السينما العالمية كان قد انطلق منذ الخمسينات والستينات، فما بالنا حتى الساعة في أمس الحاجة إلى موجة جديدة كتلك التي شهدتها السينما الفرنسية في الستينات وأحدثت ثورة على صعيد الشخصيات والقصص السينمائية وطرق السرد والإخراج، وقبل ذلك الأفكار والسيناريو.

هذه البحيرة الراكدة هي أحوج ما تكون إلى تلك الهزة وإلقاء الحجر فيها لغرض الانتقال إلى الواقع بشكله الجديد غير المستهلك ولا المألوف والمعتاد.

لقد كانت الحارة الشعبية ويوميات الطبقات المثقلة بمشاكل وهموم الفقر هي الشغل الشاغل للسينما العربية وبما شغل مساحة واسعة من الإنتاج السينمائي، ولعل السؤال الذي يطرح هنا يا ترى هل استوفت التجارب السينمائية ما أرادته من الحارة الشعبية، وهل هنالك من مزيد لمستزيد من تكرار ذات السيناريو وذات الشخصيات وهي تدور في نفس الدائرة المكانية وتعبر عن ذات المشكلات الاجتماعية اليومية دون مقاربات أشد جرأة وشراسة وإعادة قراءة للواقع؟

هذه الإشكالية لا بد من التوقّف عندها ابتداء من كتّاب السيناريو، إذ يبدو أن كثيرا منهم قد استسهلوا عملية الكتابة ولهذا كانت تلك القصص السينمائية التي يكتبونها معلومة إلى أين ستنتهي وكيف ستسير وإلى أي نتيجة ومحصلة سوف تفضي، وذلك على خلفية شخصيات متكررة ومعلومة  ومشكلات حياتية مستهلكة وصراعات مكشوفة وحبكة درامية وطريقة في السرد عليها الكثير من مآخذ التكرار لا فرق بينها وبين ما كان سوى أن هذه تم تصويرها بأحدث التقنيات الرقمية وتلك تم تصويرها بكاميرا ضخمة وشريط 35 ملم مرزوم في بكرات ضخمة لغرض العرض السينمائي.

والحاصل إننا أمام إشكالية مركبة تتعلق بالشخصيات وبالمكان والمصادر الواقعية للقصص السينمائية التي استهلكت منذ زمن وانتهت قيمتها التعبيرية والجمالية أو قل صلاحيتها، ومع ذلك ما يزال هنالك من يعيد على جمهور المشاهدين سيناريوهات مستهلكة أيضا وطرقا إخراجية عفا عليها الزمن.

 
15