سياسيون وصحافيون في مركب واحد

إشكالية التقاطع مع السياسي كانت وسوف تبقى قائمة ومعضلة أساسية، وما على الصحافي سوى أن يتمثّل براغماتية السياسي بحذافيرها لكي يكون مرضيا عنه.
الخميس 2018/10/25
بوب وودوارد خاض البحر المتلاطم وسلك طريق الأخطار

الحديث عن الصحافي المحترف والمستقلّ لا شك أنه من البديهيات التي يكثر تداولها.

الكلّ يريد الصحافة حرة ومستقلة، ولربما تطور الأمر إلى فكرة عدم الانحياز لأي طرف.

فكيف للصحافي أن يحافظ على كل تلك الصفات الحميدة، وهو يخوض في بحر هائج متلاطم يعج بالتماسيح وسمك القرش؟

ذلك هو حال الصحافي وهو يعيش في بيئة مضطربة وتحت ضجيج يصنعه السياسيون.

إنهم السياسيون الذين يكثرون من ديباجة الصحافة المستقلة والصحافيون الأحرار، لكن عندما تمارس الصحافة حريتها وينطلق الصحافي –الحر– في التعبير عن أفكاره ساعتها ستثور ثائرة السياسي.

الصحافي الذي يكشف خبايا الساسة وأخطاءهم ومصالحهم الخفية هو الذي يكون قد خرق قوانين الساسة بشكل صارخ.

يحضر هنا اسم الصحافي الأميركي الكبير بوب وودوارد الذي خاض ذلك البحر المتلاطم وسلك طريق الأخطار، من خلال ما عرف بفضيحة ووترغيت في سبعينات القرن الماضي، وفي عهد الرئيس السابع والثلاثين للولايات المتحدة ريتشارد نيسكون.

كانت صحيفة واشنطن بوست هي ساحة عمل ذلك الصحافي الشاب، وهو يغطي أسرار الفضيحة ويسلط على نفسه سخط الساسة من المساندين للرئيس، لا سيما أنّ ما نشره وودوارد كان يتعلق بقضية خطيرة هي التجسس. كل تلك الحصيلة المعقّدة جمعها هذا الصحافي البارع في كتابه المعروف “كل رجال الرئيس”، والذي تحوّل إلى فيلم جسد فيه الممثل الشهير روبرت ريدفورد دور وودوارد.

والحاصل أن هذا الصحافي الاستقصائي قد مارس تلك الفرضية التي تميّز الصحافي الحر والمستقل بجميع أبعادها.

وإذا كانت القصة ترتبط بسياقات المصالح فإن الصحافة يجب أن تضمن لنفسها السكوت على أخطاء الساسة وحتى فضائحهم، وتاليا الركوب مع الساسة في مركب واحد، وذلك حفاظا على المصلحة العامة أو مصلحة الوطن والمواطن.

هي واقعيا ديباجة عربية بامتياز، إذ كلّما لوحق الصحافي وتم تكسير أقلامه ونزعت جرأته قيل له أن ذلك كله قربان لمصلحة الوطن والمواطن.

الحديث عن ملفات الفساد في العالم العربي بصفة عامة هو في حكم الثوابت اليومية للناس لأن الفساد هو من بديهيات الحكم في العديد من البلدان العربية.

لكن عندما يتعلق الأمر بالوطن والمواطن ساعتها يجب على الصحافي أن يذعن ويثبت أنه مواطن صالح قبل أن يثبت أنه صحافي محنك ومحترف ومخلص لمهنته، وتاليا يلتحق بالسياسي ويتشاركان بالمهمة ويتقاسمان مركبا واحدا.

وإذا عدنا إلى الصحافي وودوارد فسنذكر أنه واصل المهمة حتى الساعة، وكان آخر كتبه قد تصدى فيه لسياسات الرئيس الحالي دونالد ترامب، فالمهمة واحدة منذ عهد نيسكون يوم كان الصحافي شابا إلى عهد ترامب حيث بلغ الصحافي من العمر عتيّا.

بالنسبة إلى صحافي مخضرم سيكون من الصعب أن يصبح هامشا في خطاب سياسي ولا تابعا لسياسي على أساس المصالح العليا.

هذه العبارة تحديدا ما انفك يستخدمها الرئيس الأميركي الحالي ترامب في مناكفاته مع الصحافيين بأنّ عليهم أن يراعوا مصالح الأمة الأميركية في ما يكتبون.

وهي واقعيا سجالات ما انفك الرئيس يخوضها إلى درجة الفرز ما بين صحافة مرضي عنها وأخرى مغضوب عليها.

هذه الخلاصة لا يراد منها سوى تخفيف حدة النقد وعدم تعقب أخطاء الساسة، وبما فيها أخطاء الرئيس نفسه في تصدّيه للعديد من الملفات.

إشكالية التقاطع مع السياسي كانت وسوف تبقى قائمة ومعضلة أساسية، وما على الصحافي سوى أن يتمثّل براغماتية السياسي بحذافيرها لكي يكون مرضيا عنه.

تلك البراغماتية التي سوف تحقق المصالح المشتركة للطرفين وتجعل أهدافهما مشتركة، وتلك بكل تأكيد من أبرز العلامات الفاقعة للأنظمة الشمولية على مرّ التاريخ.

18