سوق مطرح للأسماك في مسقط على قائمة جائزة أغا خان للعمارة

تلتقي العمارة القديمة بروح الهندسة العصرية في سوق مطرح للأسماك في مسقط، وبالاعتماد على مواد بسيطة وأفكار جديدة استطاعت السوق أن تكون فضاء لبيع السمك في الصباح يخضع لجميع الشروط الصحية والتهوئة الضرورية، كما حوّلها سحر عمارتها إلى منتزه في المساء.
مسقط – أعلنت جائزة الآغا خان للعمارة في جنيف منذ فترة عن قائمة المشاريع المرشحة لجائزتها المرموقة في دورتها لعام 2019، والتي تبلغ قيمتها المالية مليون دولار أمريكي. وتضمنت القائمة عشرين مشروعا فريدا ومتميزا من أنحاء مختلفة من العالم، من بينها مشروع سوق مطرح للأسماك في سلطنة عمان.
إلى الغرب من مدينة مسقط على ساحل خليج عمان، تم بناء سوق جديدة للأسماك في قلب مدينة مطرح، التي تعد أكبر ميناء في السلطنة وتشتهر بتاريخها الطويل في التجارة وبمرفئها المتميز وإرث أنشطة صيد السمك التقليدية والمصايد القديمة.
وتقع السوق الجديدة، التي قامت بتصميمها شركة نوهيتا النرويجية -وهي واحدة من أهم الشركات المعمارية في العالم اليوم- على مقربة من سوق السمك الأصلية في المدينة، والتي تم بناؤها في عام 1960، وهي تمثل دون شك استمرارا لتقاليد التجارة وصيد الأسماك في المنطقة، وتلبي أيضا حاجة عمان إلى استيعاب صناعة السياحة المتنامية في البلاد.
وبينما جاء التصميم ملفتا وفريدا بمفرداته وتعبيراته التقليدية والمعاصرة، قدم البناء نموذجا رائعا للعمارة البسيطة والعصرية في آن، حيث تستخدم المواد البسيطة، لكن باستخدام التكنولوجيا الحديثة والتفاصيل غير التقليدية التي تجمع بين البساطة والعبقرية من جهة وتشيد بماضي هذا البلد العريق وتقدم صورة لافتة عن مستقبله المشرق من جهة أخرى.
قال المهندس المعماري روبيرت غرينوود من فريق العمل في المشروع، “في نواح كثيرة، تم بناء هذه السوق على نحو مشابه للمباني التقليدية في سلطنة عمان، إذ أنها عبارة عن هيكل بسيط يحتوي على مواد بسيطة للغاية، تماما مثلما هو عليه الحال في العمارة الموجودة ضمن مدينة مسقط بالكامل”.
من خلال الدمج بين مفهوم الحفاظ على التقاليد وضرورة البحث عن الابتكار، تم تصميم سوق مطرح للأسماك على مساحة واسعة تزيد عن 4 آلاف متر مربع على نحو رائع يعزز من أهمية التفاعل بين القديم والجديد.
وبالإضافة إلى دورها كأماكن للعرض وبيع السمك، تخلق المساحة السخية ضمن الموقع مساحات رائعة ومريحة للاجتماعات العامة حيث يلتقي الصيادون المحليون والزائرون، سواء من أهل المدينة أو السياح من جميع أنحاء العالم، تحت نفس السقف سواء في الصباح لشراء وبيع السمك أو في المساء للاستجمام والتنزهبين معالمها بما فيها مطعم على السطح، بالإضافة إلى السوق نفسا.
يقول غرينوود، “تحول الموقع إلى سوق لابتياع السمك في الصباح ومركز للمجتمع في المساء”.
من ناحية أخرى، يجسد التصميم سياق المنطقة، ويحترم مستوى وكمالية السياق التراثي مع إضافة عناصر ديناميكية جديدة، كما يعكس الجدار المنحني الذي يحدد العمود الفقري للسوق الشكل نصف الدائري لمنطقة الكورنيش والخليج.
وتتميز السوق بديكور شبكي مخرّم لتصفية الضوء، أما شكل المظلة، فمستوحى من الانسياب المتموج للخط العربي، مستغلا التلاعب المرح بين الضوء والظل، وتوفر زعانفها المصنوعة من الألمنيوم الظل والتهوية الطبيعية والمظهر المؤقت الذي يختلف عن الصلابة البسيطة للهيكل الخرساني.
وإذا نظر المرء من بعيد، فيمكن له أن يرى كيف يرتبط الجدار المنحني للبناء بالشكل الهلالي للكورنيش ومنطقة الخليج الأوسع، ويتفاعل هذا التصميم مع الشارع من خلال الكشف عن الدرج عبر فتحات السقف على طول الكورنيش.
وبالرجوع إلى الواجهة البحرية السابقة وامتداد الكورنيش، تحدد سوق السمك حدود المساحة العامة، وتربط بين المدينة والجبال والواجهة البحرية.
ولعل من أهم الخصائص التي يتميز بها هذا المبنى استخدام أنظمة التهوية الطبيعية للحد من التلوث والحفاظ على البيئة من جهة وتوفير الطاقة من جهة أخرى.
وهذا ما يشير إليه المعماري غرينوود بالقول، “المساحات الموجودة في السوق ليست مكيفة باستخدام الطاقة الكهربائية، فهي ذات تهوية طبيعية ويتم تبريدها بشكل طبيعي، وهذا ما تحاول أن توفره العمارة إذ أنها توفر التبريد الهادئ والتهوية الطبيعية”.
ويؤكد مدير عام المديرية العامة للشؤون الفنية ناصر الهنائي، على أهمية استخدام التكنولوجيا الحديثة في السوق بالقول، “كان من المهم للغاية بالنسبة لنا الحفاظ على الطريقة التقليدية لبيع الأسماك، ولكن كان من المهم بالنسبة لنا أيضا إدخال تقنيات جديدة للحفاظ على جودة الأسماك وصحتها”.
في المحصلة تحوّلت سوق مطرح للأسماك إلى منصة فريدة وصرح معماري لافت في الواجهة البحرية على طول الكورنيش الحيوي في مطرح، وتجاوزت السوق دورها التقليدي لتصبح بمثابة نقطة محورية لمجتمع مطرح مستقطبة العمانيين والسياح في المدينة على حد سواء، في حين تعمل في الوقت نفسه على تعزيز السياحة وكمركز لصناعة صيد السمك المزدهرة في عمان.
كل هذه العوامل جعلت السوق تستحق أن تكون من بين المشاريع المرشحة لجائزة عالمية قديرة بحجم جائزة الآغا خان للعمارة، يقول مدير جائزة الآغا خان للعمارة فرخ درخشاني، “تسلط السوق الجديدة الضوء على تقاليد الصيد والتجارة في المنطقة، وتخدم أيضا صناعة السياحة المتنامية في سلطنة عمان”.
الجدير بالذكر أن جائزة الآغا خان للعمارة هي واحدة من أقدم وأهم جوائز العمارة في العالم، تأسست عام 1977، بهدف تحديد وتشجيع الأفكار الرائدة في مجالات العمارة والبناء.
