سوء المعاملة وراء هروب أبطال الألعاب الفردية في مصر

تراجع التنسيق بين الاتحادات الرياضية واللاعبين يقود إلى خسارة نجوم أولمبيين.
الثلاثاء 2023/07/11
محمد الشوربجي يمثل بريطانيا بعد التتويجات

ليس من السهل صناعة أبطال بمستوى عالمي في الرياضات الفردية في مصر كما في العالم العربي، والأصعب من ذلك الحفاظ عليهم من المغريات التي تحيط بهم من دول ذات إمكانيات مادية كبيرة. فالاتحادات الرياضات المصرية تعاني من هروب نجومها من الرياضيين أمام ما يعانونه في بلادهم من سوء معاملة وإهمال، والأمثلة على ذلك كثيرة وخاصة في الإسكواش والمصارعة.

القاهرة - تتزايد وتيرة الأزمات بين لاعبين مصريين ينتمي أغلبهم إلى الألعاب الفردية وبين الاتحادات الرياضية الخاصة بهذه الألعاب، ما انعكس على هؤلاء اللاعبين وأدّى إلى نشوب مشكلات سبقت بطولة كأس العالم للناشئين والناشئات للإسكواش التي تستضيفها أستراليا الشهر الجاري، والأمر ذاته بالنسبة إلى بطولة أفريقيا للشباب التي اختتمت السبت الماضي.

نشبت أزمة عنيفة قبل أيام بين الاتحاد المصري للإسكواش وأسرة بطلة العالم للناشئات العام الماضي أمنية عرفة بسبب الشروط التي وضعها الاتحاد لمشاركة اللاعبين واللاعبات في البطولة المقبلة بعد حظر استقدام مدربين خاصين باللاعبين والاكتفاء بمدربي الاتحاد الرياضي، ومنع إقامة أولياء الأمور في نفس غرف اللاعبين وعدم التواصل معهم طوال أيام البطولة.

وقالت أسرة أمنية عرفة في بيان لها إن اشتراطات الاتحاد المصري مجحفة، وإنها تكفلت بدفع مبالغ الإقامة وسفر والدها للحفاظ عليها ورعايتها بصورة جيدة خلال فترة البطولة، وإنها في حاجة إلى هذه الرعاية لأنها صغيرة، فلم يتخط عمرها 16 عاماً، وإن اللاعبة سافرت في أكثر من 15 بطولة دولية ولم يحدث أن قام الاتحاد بطلب هذه الطلبات التي وصفتها الأسرة بـ”الغريبة”.

وبررت الأسرة الموقف بمخاوف الاتحاد من هروب اللاعبين وتمثيل بلدان أخرى، وهو ما تكرر في وقائع عديدة أخيراً، لكنها شددت على أن الإجراءات التي تتخذها الاتحادات الرياضية بمصر لن توقف أيّ لاعب عن الهروب.

سيناريو متكرر 

مصر فقدت بين 2010 و2019 نحو 350 ألف رياضي، أي ما يزيد على ثلث رياضييها خلال عقد واحد فقط

سافرت اللاعبة المصرية سلمى الشيخ ضمن البعثة المصرية للمشاركة في بطولة إنجلترا في أبريل الماضي، لكن اللاعبة لم تعد إلى القاهرة حتى الآن دون إبداء أسباب، على الرغم من تواجد ثلاثة مشرفين من أعضاء مجلس إدارة الإسكواش معها.

وأمام ضغوط أسرة اللاعبة أمنية عرفة التي وجهت استغاثة إلى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي استجاب اتحاد الإسكواش لمطالبها وأعلن ضم اللاعبة ضمن القائمة المشاركة في البطولة التي يشارك فيها 11 لاعبًا ولاعبة من مصر وتنطلق في 18 يوليو الجاري وتستمر حتى 28 من الشهر نفسه.

وأكدت الناقدة الرياضة دعاء بدر، وهي متخصصة في متابعة لعبة الإسكواش، أن أزمة أمنية عرفة تعكس مخاوف ومحاذير يتخذها اتحاد اللعبة منذ واقعة تجنيس اللاعب محمد الشوربجي وتمثيله لبريطانيا، وهو ما كان دافعًا نحو اتخاذ إجراءات أكثر تأمينًا تتمثل في فصل اللاعبين عن أولياء أمورهم خلال البطولة.

وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن المشكلة تكمن في أن اتحاد الإسكواش سمح في السابق بأن يتواجد وليّ الأمر مع اللاعبين الناشئين داخل غرفة الإقامة قبل أن يتراجع عن قراره قبل أيام قليلة من انطلاق البطولة، ما تسبّب في أزمة كبيرة ليضطر الاتحاد في التراجع عن موقفه لأجل حلها، وأقر بإقامة والد اللاعبة معها في نفس الغرفة، لكنه رفض السماح باصطحاب المدربين الخاصين.

أمنية عرفة محبطة
أمنية عرفة محبطة

وأشارت بدر إلى أن التخوفات تأخذ أبعادا أكبر في اتحاد الإسكواش، لأن اللاعبين المصريين يأتون على رأس التصنيف العالمي وتتزايد المغريات لهم لتجنيسهم، مع الأحاديث التي تتواتر بين حين وآخر عن ضم اللعبة لتكون ضمن الألعاب الأولمبية، الأمر الذي يجعل هناك حالة من السيطرة على اللاعبين بغرض تحصينهم، وأن غالبية اتحادات الألعاب الفردية تتخذ إجراءات مماثلة، وإن كان ذلك بشكل أقل حدة.

ويتفق البعض من النقاد على أن الاتحادات الرياضية لديها الحق في الحفاظ على لاعبيها، وإقامة أولياء الأمور في نفس الغرفة لا يطبّق غالبا، والاتحاد المصري لديه الحق في أن يكون المدربون على رأس القيادة الفنية للفرق واللاعبين، غير أن الشعور الذي يبقى مصاحبًا لأولياء الأمور بأنهم أصحاب الفضل فيما وصل إليه أبناؤهم من إنجازات مع تراجع اهتمام الاتحادات الرياضية الرسمية ونقص الميزانيات يقود دائما إلى الوقوع في أزمات واتهامات متبادلة بين الطرفين.

اندلعت أزمة شبيهة بين أسرة اللاعبة المصرية هنا جودة المصنفة الثالثة على العالم في لعبة تنس الطاولة للناشئات بعد أن رفضت المشاركة في بطولة أفريقيا التي استضافها المغرب، وتلقت أسرتها من اتحاد اللعبة رفض سفر مدربها الخاص معها إلى البطولة، وهو ما خلّف حالة من الغضب والسخط الشعبي على مواقع التواصل الاجتماعي ضد الجهات الرياضية الرسمية في مصر.

وكشف الاتحاد أن أسرة اللاعبة اعتذرت عن المشاركة في البطولة بسبب رغبتها المشاركة في بطولة زغرب الدولية للسيدات التي تتعارض مواعيدها مع بطولة أفريقيا للناشئين والناشئات في المغرب والمؤهلة لبطولة العالم للناشئات بسلوفينيا تحت 19 سنة نهاية العام الحالي، وهو ما يساعدها في الحفاظ على تصنيفها الدولي والارتقاء به.

مصارعون غادروا

سلمى الشيخ بطلة لم تعد إلى مصر
سلمى الشيخ بطلة لم تعد إلى مصر

وجاءت الواقعتان السابقتان بعد أن أثار هروب لاعب المصارعة تحت سن 17 عاما أحمد بغدودة أثناء مشاركته مع منتخب بلاده في البطولة الأفريقية للمصارعة الرومانية التي استضافتها تونس في مايو الماضي، ضجة كبيرة في مصر ليظهر بعد أيام قليلة من هروبه في فرنسا.

ورغم تدخل جهات رسمية كبيرة، على رأسها الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي وجّه دعوة للاعب بالعودة وتحمل تكاليف تدريباته داخل الأكاديمية الوطنية للتدريب، لكنه لم يعد حتى الآن.

وكانت تفاصيل الواقعة شاهدة على تقصير حكومي في منح حقوق اللاعبين وأثبت والده أنه لم يحصل على راتبه منذ فترة، وأن مصلحة الضرائب خصمت جزءا كبيرا من راتبه، وهو ما دفعه إلى الهرب.

ودخل اتحاد المصارعة في أغسطس من العام الماضي في أزمة هروب أخرى بطلها لاعب المصارعة عصام فتحي لاعب المنتخب المصري تحت 17عاماً أثناء مشاركته في معسكر الاتحاد الدولي للمصارعة المقام في إيطاليا.

وهرب أيضا لاعب منتخب الشباب للمصارعة الحرة أحمد حسن بوشا في أغسطس 2017، بعد المشاركة في بطولة العالم التي أقيمت في فنلندا، وبعد عامين من الواقعة هرب شقيقه حسن حسن بوشا خلال بطولة العالم التي أقيمت في المجر، وقبل ذلك هرب المصارع طارق عبدالسلام إلى بلغاريا عام 2016.

صناعة البطل

لاعبو الإسكواش المصريون يأتون على رأس التصنيف العالمي وتتزايد المغريات لتجنيسهم مع تواتر الحديث عن ضم اللعبة إلى المنافسات الأولمبية
لاعبو الإسكواش المصريون يأتون على رأس التصنيف العالمي وتتزايد المغريات لتجنيسهم مع تواتر الحديث عن ضم اللعبة إلى المنافسات الأولمبية

أكد رئيس رابطة النقاد الرياضيين بمصر حسن خلف الله أن تراجع حضور وزارة الرياضة المصرية للتنسيق بين الاتحادات الرياضية واللاعبين يقود إلى تكرار وقائع الهروب مع زيادة المغريات المقدمة إليهم، خاصة مع زيادة وقائع سوء المعاملة التي يتلقاها بعض اللاعبين وأسرهم وإهمال العمل في مشروع صناعة البطل الأولمبي، وهو ما يخلق حالة من فقدان الثقة يمكن التغلب عليها بالنظر في المشكلات المثارة حاليًا وعقد جلسات مشتركة بين الجهات التنفيذية ممثلة في وزارة الرياضة واتحادات الألعاب واللاعبين.

وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن حرمان اللاعبين من اصطحاب مدربيهم الخاصين بهم يؤثر سلبًا على مستويات اللاعبين في الألعاب الفردية التي تعتمد بشكل أكبر على العامل النفسي ويبقى للمدرب “البرايفت” كما يطلق أهالي اللاعبين عليه أمر تداخلي مع اللاعب أثناء البطولة، ما يتطلب إعادة النظر في القرار بصورة سريعة لأن حظر سفرهم لن يقلل من إمكانية هروب اللاعبين.

وشدد خلف الله على أن المشكلة تكمن في عدم توفر آليات الحفاظ على المواهب الشابة أو خطط واضحة لصناعة بطل أولمبي، ما يجعل اتحادات الألعاب المختلفة حينما تشارك في الأولمبياد لا تقدم وعوداً بتحقيق إنجازات، وما يحدث يبقى ثمرة جهود فردية وليست جماعية، ولا تقوم وزارة الرياضة بمحاسبة الجهات المقصّرة، ويبقى اللاعبون بلا أدوات حاكمة ورابطة تضمن تقدمهم وتحصينهم.

ومثل هذه الإجراءات قد تقتل رغبة اللاعبين في النجاح، والأمر لا يرتبط بالالتزام في التدريبات، فالعوامل النفسية مؤثرة في ما يحقق من نجاحات، وشعور البعض بالظلم أو عدم التقدير يسهّل خطط الهروب مع اتخاذ إجراءات تضييق قوية.

لاعب منتخب الشباب للمصارعة الحرة أحمد حسن بوشا هرب في أغسطس 2017، بعد المشاركة في بطولة العالم التي أقيمت في فنلندا

وقد يكون ذلك بالتنسيق مع أشخاص إداريين يدركون أن مستقبل اللاعبين مهدد طالما استمروا في أجواء لا تساعدهم على التطور في اللعبة التي يمارسونها.

وتنصّ المادة 84 من الدستور المصري على أن “ممارسة الرياضة حق للجميع، وعلى مؤسسات الدولة والمجتمع اکتشاف الموهوبين رياضيا ورعايتهم، واتخاذ ما يلزم من تدابير لتشجيع ممارسة الرياضة”.

لكن نظرة سريعة على الأرقام الواردة في تقارير الجهات الرسمية ونتائج الدراسات الأكاديمية تؤكد أن تطبيق هذه المادة أبعد ما يكون عن أرض الواقع.

وتشير إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) إلى أنه بين عامي 2010 و2019 فقدت مصر نحو 350 ألف رياضي، أي ما يزيد على ثلث رياضييها خلال عقد واحد فقط، وتراجع العدد من 935 إلى 590 ألفا، وانخفضت أعداد الفرق في جميع الألعاب إلى النصف تقريبًا خلال الفترة نفسها لأسباب مختلفة.

وجرى تجنيس 42 لاعبًا، وسيطرت المصارعة وكرة اليد على حالات تجنيس الرياضيين المصريين بواقع 10 أشخاص لكل منهما، تليهما كرة القدم 6 حالات، وكرة السلة 5 حالات، وألعاب القوى 4 حالات، ويتوزع بقية اللاعبين المجنّسين على الألعاب الفردية الأخرى، مثل الجودو والجمباز والملاكمة ورفع الأثقال وغيرها، بواقع حالة لكل منها.

وجاءت قطر في مقدمة الدول المانحة للجنسية للاعبين المصريين بواقع 25 لاعبًا، وتلتها الولايات المتحدة بتجنيس 9 لاعبين، وذلك حسب دراسة نشرتها المجلة العلمية للبحوث التطبيقية في المجال الرياضي، وهي مجلة نصف سنوية تصدرها وزارة الشباب والرياضة المصرية.

16