التغطية الروسية على مجازر الأسد تريد تثبيت صورة تقول بانتصار "الخيار الروسي" في سوريا، بما هو صلف وعناد في دعم نظام الأسد حتى وهو يبيد المدنيين من خلال قصف المشافي والمخابز والأسواق في مناطق المعارضة.

سياسة الطرق الفرعية باتت الاستراتيجية المفضلة لكل من موسكو وواشنطن في إدارتهما للأزمة السورية، إذ تتجنب كل منهما السير في الطريق الرئيسي الذي يقود إلى تسوية الصراع.

النفوذ الروسي في سوريا لم يبلغ بعد المرحلة التي يكون معها الحل السياسي أقرب إلى التحقق. فحتى اليوم، لا تزال يد الحرب هي العليا، فيما يحتفظ النظام السوري ببعض الأوراق للمناورة وللتملص من الضغوط الروسية المتصاعدة.

اليوم تبددت الأوهام المتعلقة بجبهة النصرة، وباتت تعتبر على نطاق واسع خارج إطار الثورة السورية، ولكن فقط بعد أن تعقدت إمكانية فك الارتباط بها.

ليست أسعار النفط المنخفضة وما تلاها من أزمة اقتصادية حادة هي السبب الوحيد الذي دفع بروسيا نحو المسار السياسي في الملف السوري، ونحو موقف أكثر عقلانية في الملف العربي.

إذا كانت الأفكار المتطرفة موجودة بقوة طيلة العقود الماضية، سواء بفعل سياسات الغرب أو المؤسسات الدينية، فإن الانتقال من الأفكار الراديكالية إلى الممارسة الراديكالية، لم يكن يوما على هذا الاتساع وبهذا القدر من السلاسة.

السياسة الأميركية حولت القضية الكردية من قضية مظلومية إلى قضية ظلم واحتلال وصراع عرقي. صراع بات يحتدم ويزيد من نقمة السكان العرب ويهيئ المسرح لحروب أهلية قادمة.

إذا كانت العودة إلى سياسة "تصفير المشكلات" تبدو مستحيلة اليوم في ظل تورط تركيا بعدد لا يحصى من الأزمات، فإن العمل على احتواء تلك الأزمات وتطويقها بات على رأس أولويات أنقرة في هذه المرحلة.

النظام الإيراني ناجح في ضبط القوى الاجتماعية المسموح لها بالعمل وإلزامها بالإطار المحدد للنظام.

لا يمكن الجزم بحدوث اختراق سياسي على صعيد إنهاء الصراع في سوريا لمجرد توصل الولايات المتحدة وروسيا إلى اتفاق وقف إطلاق النار لكن الاختراق الفعلي سيكون في الانتقال إلى حيز التنفيذ.

في حين أرادت الولايات المتحدة احتواء غضب تركيا بتأسيس قوات سوريا الديمقراطية "مسد"، دعمت موسكو تلك القوات من أجل الانتقام من أنقرة بسبب إسقاطها للطائرة الروسية نهاية العام الماضي.

نجاح التجربة العسكرية السعودية في اليمن واحتمال الانتهاء من الملف اليمني في وقت قريب هو أحد أسباب اهتمامها المتزايد بالملف السوري، ودراسة المساهمة العسكرية التي يمكن أن تقدمها في سوريا.

ديمستورا كان واضحا بالإشارة إلى ضرورة "حدوث تغيرات على الأرض" يشعر بها الشعب السوري قبل أن تبدأ المحادثات، وهو بذلك يتفق على نحو قاطع مع موقف المعارضة السورية.

المؤتمرات السابقة كانت فرصة لاختبار رغبة النظام السوري في الدخول في حل سياسي، ومؤتمر جنيف الحالي يشكل فرصة لاختبار جدية روسيا في المساعدة على تحقيق الانتقال السياسي.

السلطة الإيرانية التسلطية ذات التوجه الطائفي المدمر، لا يمكنها أن تلتزم سلوكا إيجابيا وعقلانيا ومسالما تجاه أزمات الدول العربية. ذلك أن تفاقم أزمات دول الجوار يشكل عادة أداة إنعاش وإنقاذ لمثل تلك السلطات.

سياسيا تتزامن هذه المرحلة مع جهود دولية، هي الأكثر جدية، لإنهاء الصراع في سوريا عبر تسوية سياسية. وستكون لنتائج التقدم العسكري الميداني لصالح الأسد انعكاسات حتمية على مسار المفاوضات ونتائجها.

فصل جديد من فصول الحرب على داعش يبدأ عام 2016. فصل تظهر المؤشرات أنه سيشهد جدية أكبر على المستوى الدولي من أجل "تحجيم" التنظيم واحتوائه، وليس هزيمته التي تبدو بعيدة المنال.

لعبة المماطلة تغري روسيا وإيران أيضا إذ تخوض كل منهما حروبا وعداوات متعددة، الأولى في أوكرانيا ومع تركيا والثانية في اليمن ومع السعودية.