سكان هونغ كونغ يغادرون إلى بريطانيا بحثا عن الأمان

بريطانيا تمهد الطريق أمام سكان هونغ كونغ بعد الحصول على الجنسية.
الجمعة 2021/02/12
الحنين إلى مسقط الرأس لن تنطفئ جذوته

هونغ كونغ - توشك جودي التي تبدو مترددة على مغادرة هونغ كونغ مع عائلتها لبدء حياة جديدة في بريطانيا مع شعور بالذنب، فيما تشهد المدينة قمعا متزايدا للديمقراطية والحريات.

فخلال السنوات الأخيرة راقبت الأم البالغة من العمر 36 عاما عاجزة سلطات هونغ كونغ ترفض الدعوات إلى المزيد من الديمقراطية وتقمع المعارضة.

عندما اقترحت بريطانيا فكرة التأشيرات التي تمهد الطريق أمام الحصول على الجنسية البريطانية لسكان هونغ كونغ الذين ولدوا قبل تسليم المدينة إلى بكين في 1997 قررت جودي وزوجها أن يقوما بهذه الخطوة مع ولديهما.

واستقالت جودي -وهي موظفة رسمية سابقة- من عملها وتستعد الأسرة الآن بنشاط لمغادرة هونغ هونغ في أبريل القادم.

وهي ترى في وداع الأصدقاء والعائلة والتخلي عن طعام هونغ كونغ ولغتها الأم انفصالا فعليّا عن حياتها السابقة، وقالت “أشعر بذنب كبير، وأنا حزينة جدا، لكنني لا أريد أيضا البقاء هنا لأنني لا أشعر بالأمان”.

وتؤكد أن ترك جدها البالغ من العمر 90 عاما في المنطقة يفطر قلبها.

وتُعتبر جودي من بين العشرات من سكان هونغ كونغ الذين وافقوا في الأسابيع الأخيرة على الإدلاء بشهادتهم بشأن قرارهم الاستقرار في بريطانيا.

وقد صدر الاقتراح البريطاني بعد قرار بكين فرض قانون الأمن القومي الصارم في يونيو.

وما زال من المستحيل معرفة عدد المواطنين الذين يعتزمون قبول هذا العرض، خصوصا بسبب فايروس كورونا الذي يحد من الرحلات الجوية الدولية وأدخل عددا كبيرا من البلدان -من بينها بريطانيا العظمى- في أزمة اقتصادية حادة.

وازدادت طلبات الحصول على جواز السفر إلى ما وراء البحار -المخصص لمواطني هونغ كونغ المولودين قبل 1997- بنسبة 300 في المئة منذ دخول قانون الأمن القومي حيز التنفيذ.

طلبات الحصول على جواز سفر إلى ما وراء البحار والمخصص لمواطني هونغ كونغ ازدادت بنسبة 300 في المئة

يقول بيلي وونغ المتخصص في تقديم الاستشارة إلى طالبي الهجرة إن “طلبات الرحيل إلى بريطانيا تواردت بأعداد كبيرة في الأشهر الأخيرة”.

وأكد الرجل البالغ من العمر 44 عاما أن “الكثير من الأشخاص يودون الرحيل”، وأشار إلى أن عدد طلبات الاستعلام “مخيف”.

وهو يدرس منذ سنوات إمكانية الانتقال إلى الخارج، ويناقش المشروع مع زوجته آيلين يونغ التي قالت “هناك الآن هذا القانون الجديد (قانون الأمن القومي)، علينا أن ننتبه كثيرا إلى ما نقوله وننشره على فيسبوك”، متمنية لابنتها أن “تتمكن من التفكير بحرية”.

وتتوق تينيو -الفتاة البالغة من العمر عشر سنوات- إلى معرفة ما ستؤول إليه حياتها الجديدة بعدما سجلت في مدرسة داخلية في ديربي.

بعد ثلاثة أشهر على رحيلهما إلى بريطانيا تمكن غافين موك (42 عاما) وزوجته ليديا أخيرا من استعادة أغراضهما. وصور موك وصولهما إلى منزلهما في إيكزيتير بجنوب غرب إنجلترا في شريط فيديو، ونشر الفيديو على صفحته في موقع يوتيوب ليتمكن متابعوه من مشاهدته.

وتأمل العائلة من خلال الصفحة على يوتيوب أن تشجّع مواطنين آخرين من هونغ كونغ على الرحيل.

وقال موك “أتمنى أن يتم تقاسم تجربتي وأود أن يعلموا أن وقت المغادرة حان”.

وفي الوقت الحاضر تعتبر فترة التكيف صعبة على بنتيه البالغتين من العمر تسع سنوات وإحدى عشرة سنة، واللتان ترغبان في الذهاب إلى مدرستهما الجديدة بعد الحد من تفشي وباء كورونا.

ويدرك هذا الموظف السابق في البورصة أنه من المستبعد العثور على وظيفة تؤمّن له ما يوازي راتبه السابق، لكنه “مستعد للقيام بأي عمل براتب متدنّ مثل تسليم الرزم والطعام”.

ويقول إنه لا يشتاق إلى مدينته لأنه طوى الصفحة منذ فترة طويلة، لكنه رغم ذلك يؤكد “لن أتخلّى أبدا عن هويتي كمواطن من هونغ كونغ”.

واتخذ وينستون وونغ وكوني شان الأربعينيان قرار الرحيل حين هجمت عصابة مؤيدة لبكين بقضبان حديدية على متظاهرين مطالبين بالديمقراطية في يونيو 2019.

وقالت شان التي تدير منذ عام شركتها عن بعد “حسمنا أمرنا بين ليلة وضحاها”. وأقام الزوجان مع ابنهما البالغ من العمر تسع سنوات في تشيلمسفورد شمال شرق لندن.

وذكر وونغ أن الدافع الأساسي لرحيله مع عائلته أن يؤمّن لابنه تربية “تشجع التلاميذ على طرح أسئلة والتفكير بشكل مستقل والدفاع عن العدالة والمساواة”.

وقال وونغ الذي ترك خلفه وظيفة مدير مالي كانت تدر عليه أجرا مجزيا ليبحث الآن عن وظيفة جديدة “إن أردتم عيش حياة هانئة يمكنكم فيها التكلم بحرية دون أن تشعروا بالخوف أو أن يتعرض لكم أحد عليكم أن تدفعوا الثمن”.

وينتظر إيان الأربعيني ليرى كيف ستتم حملة التلقيح ضد فايروس كورونا في بريطانيا، وبعد ذلك يتخذ قراره. فهذا الأربعيني المولع بالثقافة البريطانية والذي طلب عدم كشف اسمه كاملا كان يعتزم منذ فترة طويلة التقاعد في المملكة المتحدة، غير أن الأحداث السياسية دفعته إلى اتخاذ قراره بشكل مبكر.

وقال “حين رأيت الوضع السياسي في هونغ كونغ يتدهور قررت الرحيل أبكر مما كان مقررا”. ويمكنه العمل من أي مكان إذ يدير شركة عبر الإنترنت.

وأضاف “لم تعد هونغ كونغ المدينة التي عرفتها. في الماضي كان بإمكان الشبان ارتقاء السلم الاجتماعي شيئا فشيئا، لكن الآن صار مستقبلهم قاتما”.

وهو لم يبدأ بعد بحزم أمتعته، بل يعتزم السفر دون الكثير من الحقائب. لكنه سيحمل معه كتبه السياسية، ولاسيما تلك التي تتناول الحراك المطالب بالديمقراطية في هونغ كونغ، مؤكدا أن ذلك “واجب” عليه القيام به.

20