سقط تمثال الرئيس.. هل كان في قصصهم عبرة

فجأة ودون مقدمات، تقافزت إلى ذاكرة العراقيين ذكريات سقوط حاكمهم الأوحد، لتأتي بعده العشرات من الزعامات والخطوط الحمراء التي كانت تعيش في الأزقة المظلمة أو في مدن الضباب، أو حتى من كان يعيش في السيدة زينب بدمشق التي تحررت الآن.
إيقاع الأحداث السريع الذي جرى في سوريا وهي تُسقط تمثال بشار الأسد لم يمحُ لدينا فضيلة النسيان حين أسقط الشعب العراقي تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس في التاسع من نيسان/أبريل 2003، وكأنه سيناريو متشابه حد التكرار.
أخيرا صدر القرار الإقليمي برحيل بشار الأسد، ذلك القرار الذي كان مؤجلا منذ عام 2011 حين قصف النظام السوري شعبه بالبراميل المتفجرة وقتل أكثر من مليون سوري مع تشريد ما يقارب ثمانية ملايين مهجّر إلى خارج الحدود.
◄ هرب الرئيس بشار الأسد، أحد أعضاء جبهة الممانعة، بعد أن حوّل بلده إلى حطام سياسي واقتصادي أو حتى حطام عسكري، وجعل جيشه هدفا سهلا لضربات الطائرات الإسرائيلية
يشابه المشهد سقوط نظام صدام حسين الذي تأجل في عام 1991 حين اكتسحت قوات التحالف الدولي أرض العراق وسماءه بعملية “عاصفة الصحراء” بعد تراجع الجيش العراقي من أرض الكويت ليصبح أشلاء في مقابر جماعية أو مقابر لدباباته وآلياته، لتقوم بعدها انتفاضة شعبية في مدن الجنوب والوسط كان من الممكن أن تُسقط نظام صدام حسين في ذلك الوقت، لكن قرار الرئيس الأميركي جورج بوش الأب كان بتأجيل ذلك الرحيل على اعتبار أن الهدف من الحملة هو إخراج القوات العراقية من الكويت ومنعها من اجتياح دول خليجية أخرى، حتى جاء قرار الإسقاط في 2003 على يد جورج بوش الابن.
الغرابة كيف رفع الأسد ومعه زعامات المقاومة كما يدعون فكرة تحرير القدس وأصبحوا جنودا في جبهة الممانعة التي أوهمتهم بها إيران، وهم الذين لا يتورعون عن قتل شعوبهم والحط من شأنها.
وبمناسبة الحديث عن إيران، أصبح من الواجب أن نغير مقولة “المتغطي بأميركا عريان” إلى “المتغطي بإيران عريان”. وأيّ عُري هذا الذي جعل الأتباع يتساقطون تباعا بعد تهاوي جبهاتهم حين ظنوا أن إيران ستكون منقذهم، لكن “الجمهورية الإسلامية” باعتهم بأبخس الأثمان في مقايضة تحفظ وجودها من الزوال.
سقط الرئيس الأسد بسقوط تمثاله، وانتهى بذلك سيناريو من سيناريوهات الطغاة. ثم ماذا بعد ذلك؟ هل ثمة عبرة تلوح في الأفق تعظ المنتشين بسُكر السلطة في العراق الذين لا زالوا يراهنون على دوام بقائهم ويلهثون وراء أضغاث أحلام؟ لا نعتقد ذلك، فمن يضع نفسه في خانة الاستثناء وينسى أن تلك الأيام نداولها بين الناس، لا ينفع معه سوى مكر التاريخ وغدره.
◄ كيف رفع الأسد ومعه زعامات المقاومة كما يدعون فكرة تحرير القدس وأصبحوا جنودا في جبهة الممانعة التي أوهمتهم بها إيران وهم الذين لا يتورعون عن قتل شعوبهم والحط من شأنها
يعيشون في بحبوحة رغد الحياة ويسكنون قصور الذين رحلوا ويحيون حياة الترف والغنى وليالي ألف ليلة وليلة، وينادون بشعارات التحرير والمقاومة الفارغة التي لا تغني ولا تسمن.
زار الجنرال “فو نوين جياب” أحد قادة الثوار الفيتناميين عاصمة دولة عربية تتواجد فيها فصائل فلسطينية ثورية في سبعينات القرن الماضي، وشاهد حياة البذخ والرفاهية التي يعيشها قادة تلك الفصائل من سيارات فارهة وسيجار كوبي وبدل إيطالية، وقارن ذلك بحياة الثوار الفيتناميين “الفيت كونغ” في الغابات الفيتنامية فقال قولته المأثورة للفلسطينيين: “لن تنتصر ثورتكم.” فسألوه لماذا؟ فأجابهم: “لأن الثورة والثروة لا يلتقيان.”
هرب الرئيس بشار الأسد، أحد أعضاء جبهة الممانعة، بعد أن حوّل بلده إلى حطام سياسي واقتصادي أو حتى حطام عسكري، وجعل جيشه هدفا سهلا لضربات الطائرات الإسرائيلية حين زعزع لديهم روح القتال والنصر بعد أن صدّع الرؤوس بشعارات المقاومة وتحرير الجولان.
لا زالت قطع الدومينو تتساقط، فمن هي القطعة التالية التي ستسقط بعد بشار؟ لا نعلم، أو ربما نعلم السيناريو القادم.