سفينة شراعية فرنسية تستكشف ألغاز الكائنات البحرية الدقيقة

مهمة علمية جديدة ستقوم بها السفينة "تارا" حيث ستتولى فحص الجانب الخفي للمحيطات المكوّن من ملايين الأنواع التي تكون في الغالب غير مرئية بالعين المجردة.
الاثنين 2020/12/14
تارا في رحلة علمية

لوريان (فرنسا)- أبحرت السفينة الشراعية “تارا” السبت من فرنسا إلى النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، في مهمة علمية جديدة تسعى خلالها إلى استكشاف ألغاز “الشعاب الخفيّة” للمحيطات، أي الكائنات الحية البحرية الدقيقة، بغية فهم دورها المهم في المنظومة البيئية البحرية.

وانطلقت السفينة الشهيرة في الذكرى الخامسة لاتفاق باريس حول المناخ، متجهة مباشرة إلى بونتا أريناس في جنوب تشيلي، حيث سيصعد على متنها العلماء في فبراير المقبل للشروع في مهمتهم. وعلى مدى 21 شهرا، تجوب “تارا” ما مجموعه 70 ألف كيلومتر في البحر وتتوقف في 21 محطة.

من ميناء لوريان في بروتاني (غرب فرنسا) الذي بدت أرصفته مقفرة بسبب جائحة كورونا، كانت بداية رحلة “تارا” التي صممها المستكشف جان لوي إتيان ويبلغ طولها 36 مترا وعرضها عشرة أمتار.

سيعمل الطاقم على فحص مياه البحر حتى عمق ألف متر، وجمع عشرات الآلاف من العيّنات ثم تخزينها في درجات حرارة شديدة البرودة في النيتروجين السائل

وعلق المدير العام لمؤسسة “تارا أوسيان” رومان تروبليه قائلا، “إنه أمر غريب جدا، حيث ترافق إطلاق رحلاتنا في العادة أجواء احتفالية يشارك فيها حشد من الناس”. وأعرب عن ارتياحه لبدء المشروع أخيرا بعد تأجيله غير مرة بسبب الأزمة الصحية.

ورأى أن إبحار السفينة في هذا التاريخ الرمزي “يذكّر بأن المدى القصير الذي تطغى عليه أزمة كورونا، يجب ألا يكون سببا لإهمال القضايا البعيدة المدى” والمتمثلة في الاحتباس الحراري الذي تشكّل البحار والمحيطات “ضحية” له.

وتتولى السفينة فحص “الميكروبيوم”، وهو الجانب الخفي للمحيطات المكوّن من ملايين الأنواع التي تكون في الغالب غير مرئية بالعين المجردة، كالجراثيم والفايروسات التي توجد بسطل واحد من مياه البحر عشرة مليارات منها، والكائنات أحادية الخلية كالطلائعيات أو الأركيا، وهي ليست نباتات ولا حيوانات.

ويمكن أن تعيش عائمة، مرتبطة بكائنات أخرى كالعوالق الحيوانية أو داخل كائنات أخرى، كالكائنات الحية الدقيقة البشرية الموجودة بالمليارات في أمعاء الإنسان.

وشرح المدير العلمي لاتحاد “تارا أوسيان” كريس بولر، أن هذه الكائنات الحية البحرية الدقيقة التي وصفها عالم الأحياء الألماني إرنست هايكل في نهاية القرن التاسع عشر، ووضعت مهمة “تارا أوسيان” السابقة لائحة بها، تمثل “ما لا يقل عن ثلثي الكتلة الحيوية للمحيطات”، أي أربع مرات أكثر من الكتلة الحيوية التراكمية لكل الحشرات على الأرض.

استكشاف استكشاف استكشاف استكشاف استكشاف
استكشاف استكشاف استكشاف استكشاف استكشاف

لكنّ طريقة عمل هذه الكائنات الحية الدقيقة لا تزال مجهولة. وبالتالي ، فإن التحدي أمام “تارا ميكروبيوم” يتمثل في استكشاف “مسرح نشاط” هذه الحياة الميكروبية الضرورية للمنظومة البيئية المحيطية بأكملها، والتي تشكل الحلقة الأولى في السلسلة الغذائية. كيف تنتج هذه “الشعاب الخفية” الأكسجين؟ كيف تخزّن ثاني أكسيد الكربون؟ كيف تتفاعل مع الاحتباس الحراري والتلوث؟

قال مدير الأبحاث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي المدير المشارك لبعثة “ميكروبيوم” كولومبان دو فارغاس “سنضع أنفسنا مكان الميكروب لكي نفهمه”.

فعلى متن السفينة، سيعمل الطاقم على فحص مياه البحر حتى عمق ألف متر، وجمع عشرات الآلاف من العيّنات ثم تخزينها في درجات حرارة شديدة البرودة في النيتروجين السائل.

وبعد إنجاز مهمتها في تشيلي، تبحر السفينة الشراعية بمحاذاة الساحل الأميركي الجنوبي وصولا إلى قناة بنما، وتمر عبر جزر الأنتيل الفرنسية، وتواصل رحلتها على امتداد الأمازون انطلاقا من الأرجنتين، ثم تتجه إلى بحر ويديل في القارة القطبية الجنوبية.

ومن هناك، تعاود الاتجاه صعودا إلى جنوب أفريقيا في مارس 2022، ثم تبحر على طول القارة الأفريقية، متوقفة في أكثر من محطة، قبل أن تصل إلى لشبونة في سبتمبر 2022 وتعود منها إلى فرنسا.

انطلقت السفينة تارا في الذكرى الخامسة لاتفاق باريس حول المناخ، متجهة مباشرة إلى جنوب تشيلي، حيث سيصعد على متنها العلماء في فبراير المقبل للشروع في مهمتهم

ومن شأن هذا المسار القريب بما يكفي من الساحل أن يتيح أخذ عينات من “التدرجات”، وهي علامات بيئية تتغير بسرعة كبيرة في مساحة صغيرة بسبب التفاعل بين الأرض والبحر (الاختلافات في الملوحة ودرجة الحرارة عندما يذوب نهر جليدي، ومستوى التلوث عندما يتدفق النهر إلى البحر، وما إلى ذلك).

وشرح مدير الأبحاث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي كولومبان دو فارغاس “هذه التدرجات هي ملخص على نطاق صغير للتغير الذي سيحدث على نطاق العالم. إنها أشبه بكرة بلورية”.

ومن المتوقع أن يتناوب على المشاركة على متن السفينة 15 بحارا و 80 باحثا، علما أن عدد المؤسسات العلمية المعنية بمهمة “تارا” يبلغ 42 مؤسسة من 13 دولة، من بينها فرنسا وتشيلي والبرازيل وإيطاليا وجنوب أفريقيا.

وتشكّل “تارا ميكروبيوم” الرحلة الاستكشافية الثانية عشرة لهذه السفينة الشراعية التي أطلقها إتيان بورجوا ومصممة الأزياء أنييس في العام 2003. وقد سبقتها رحلات أخرى، من أبرزها “تارا مايكروبلاستيكس” و”تارا باسيفيك” و”تارا أوشنز”.

20