سعف النخيل في مصر حرفة أهملها الرجال وحفظتها النساء

تعاني المهن اليدوية في مصر من مزاحمة المنتوجات الأجنبية رخيصة الثمن، ما يهدد هذه الحرف بالاندثار رغم قيمتها التراثية وجودتها العالية، لذلك يحاول بعض المهتمين بها إنقاذها والحفاظ على رزق أصحابها من خلال الترويج لها خاصة بين السياح.
الخميس 2015/12/10
الأسطى والمساعدون

القاهرة - حرفة “الخوص” وهي صناعة منتجات من سعف النخيل تقترب من الاندثار تقريبا، بعدما أخفقت في مقاومة رياح العولمة والتجارة الخارجية التي أغرقت أسواق مصر بمصنوعات قد تكون أرخص سعرا لكنها بالتأكيد أقل جودة.

ورغم ذلك لا يزال هناك من يؤمن بضرورة استمرارها، وأغلبهم من النساء الريفيات اللاتي يعتمدن عليها بشكل كلي كمصدر دخل لهن، ويأملن في أن تصبح يوما ما صناعة سياحية يحرص على اقتنائها زوار مصر من الأجانب باعتبارها صناعة صديقة للبيئة.

أياديهن التي حفر عليها الزمن علاماته الحادة تعمل في سرعة تبهرك، فالواحدة منهن ما إن تمسك بـ”المسلة” وهي عبارة عن إبرة طويلة خاصة بهذه الحرفة، تحيك بها السعف، بالإضافة إلى مكونات أخرى كقش الأرز، لتصنع الحقائب النسائية والسلال المختلفة، والقبعات والمقاعد، وفي بعض الأحيان يصنعن منتجات غير تقليدية كصناعة “الكاب” الواقي من الشمس المزين بعلم مصر، حتى حقيبة الكمبيوتر المحمول وجراب الهاتف المحمول.

وتنتشر هذه الحرفة اليدوية في كثير من قرى محافظة الفيوم الواقعة جنوب القاهرة، خاصة القرى الواقعة على ضفاف بحيرة قارون. وترى السيدات العاملات فيها أن ما يقمن به إحياء لصناعة فرعونية قديمة، ودللوا على ذلك بوجود آثار لسلال من السعف يتجاوز عمرها 5 آلاف سنة في كثير من المواقع الأثرية، وترتبط المحافظة بهذه الحرفة لغناها بأشجار النخيل والتي يستخدم سعفها وليفها في تلك الصناعة.

أمّ أشرف كما طلبت من مندوبة “العرب” أن تناديها، قالت وهي منهمكة في عملها في صنع إحدى السلال، إنها تعلمت الحرفة من والدتها وجدتها، وأتقنتها عندما كانت لا تزال طفلة صغيرة لم تكمل عامها التاسع.

وأشارت إلى أن كثيرات من نساء قريتها، يعملن بهذه الحرفة اليدوية لفتح باب رزق لأسرهن.

وأضافت أنها لا تستخدم سعف النخيل فقط، بل تستخدم معه قش الأرز وأوراق نبات البردي، وتستغرق صناعة السلة الواحدة وقتا قد يتجاوز الثلاثة أيام، حيث تقوم “بنقع” سعفات النخيل في المياه ليلة كاملة على الأقل، حتى يكتسب السعف مرونة يسهل التحكم فيه.

ومع أن الجهد المبذول كبير، إلا أنها تبيع السلة الواحدة بمبلغ لا يتعدى العشرة دولارات أميركية، وهي تبيعها بشكل فردي للزبائن مباشرة أو تبيعها لتاجر يعرضها في معرضه بالقاهرة، وغالبا يبيعها بأسعار مضاعفة للسعر الأصلي.

يا قوي!

يذكر أن السلال المصنوعة من سعف النخيل متعددة الأغراض والاستخدامات المنزلية للسيدة المصرية، فيمكن أن تستخدمها لحفظ الثياب أو الخبز، والبعض يستخدمها لحفظ الأشياء الثمينة كالمجوهرات عندما يكون لها غطاء، وبالتالي فإن الاستخدامات تختلف باختلاف حجم السلة.

الحاجة غنية (60 عاما)، التي ترتدي ملابس ريفية مرصعة بتطريزات تراثية متعددة الألوان، باعت حقيبة من السعف لإحدى السيدات، ثم تلتفت لـمراسلة “العرب” قائلة بلهجة تفيض طيبة إنها تعمل بهذه الحرفة منذ أن كانت طفلة، وقد عاشت مراحل ازدهار هذه الصناعة وكذا مراحل تدهورها بشكل كبير في السنوات الأخيرة حتى كادت أن تنقرض.

لكن غنية متفائلة بمستقبل المهنة لأن المصريين والأجانب انتبهوا إلى أن تلك الصناعات صديقة للبيئة، وقد لاحظت هي ذلك من خلال ارتفاع نسبة المبيعات في المعارض التي يعرضن فيها كبائعات لتلك المنتجات في مصر وخارجها بالتنسيق مع بعض الجمعيات المهتمة بالمحافظة على الحرف اليدوية.

وساعدت في انتعاش هذه الحرفة وغيرها من الحرف اليدوية الدعاية لها على مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال شباب مهتمين بإحياء التراث، وكذلك المهرجانات التي تقام من وقت لآخر ويدعى إليها العديد من الشخصيات العامة من المصريين والأجانب، والسياح الذين يتوافدون في شكل رحلات ترفيهية كان آخرها مهرجان قرية تونس للخزف والحرف اليدوية الذي يقام للسنة الخامسة على التوالي في الأيام الثلاثة الأولى من شهر ديسمبر.

سماح (43 عاما) متخصصة في صناعة القبعات الواقية من الشمس وكذلك الحقائب النسائية، قالت لـ”العرب”، “أتسلم ما يسمى بجدائل السعف من رفيقاتي فأرصّها بجوار بعضها وأقوم بحياكتها، وأشكلها حسب رغبتي، إما حقيبة أو قبعة، ثم أضيف إليها الألوان والتطريز المناسب كما أزينها بشرائط من قماش الحرير بألوان مبهجة للسيدات والأطفال من الجنسين”.

وأوضحت أنها استحدثت مؤخرا صناعة حقائب للكمبيوتر اللوحي و”محافظ” للهاتف المحمول. وأكدت سماح، أنها تبيع القبعة حسب حجمها وشكلها بأسعار تتراوح بين 3 و5 دولارات، بينما يتراوح سعر الحقيبة الواحدة ما بين 10 و15 دولارا.

وقالت إن صناعتها أكثر رواجا في فصل الصيف، حيث تستخدم النساء حقائب سعف النخيل في حمل أغراضهن خلال الاصطياف، كذلك في الأندية الرياضية حينما يذهبن للسباحة.

20