سجال التوظيف في امتحان الكفاءة المهنية يحرج الحكومة في تونس

تونس - أثارت قضية انتداب الناجحين في مناظرة الكفاءة المهنية أو “الكاباس” لعام 2017 ردود فعل متباينة في تونس، لجهة ما عكسته من ضعف في القرارات التي اتخذتها وزارة التربية والتكوين وارتجال في مخرجات إصلاح وتطوير المنظومة التعليمية ككل.
وظلت أزمة إصلاح قطاع التعليم تراوح مكانها منذ ثورة يناير 2011، ولم تقم وزارة التربية والتكوين في تونس بمراجعات عميقة، لا بخصوص البرامج التعليمية ولا أيضا في كيفية اختيار صيغة مثلى يتم بواسطتها قبول المترشحين لأي مناظرة تعلن عنها.
ومن هذا المنطلق بدأت المشكلة في ما يخص انتداب الناجحين في مناظرة الكفاءة المهنية للتدريس لعام 2017، رغم إقرار الوزارة نفسها بأنها تعاني نقصا في الكوادر بالعديد من المدارس والمعاهد الثانوية في كافة محافظات الجمهورية.
وتبرّر وزارة التربية والتكوين في كل مرة عجزها عن الإيفاء بمطالبها تجاه الناجحين بأن الميزانية لا تكفي لقبول أساتذة جدد، وتقوم في كل مرة بإدخال تعديلات تسمح لها بربح الوقت في انتداب الخرّيجين الذين يفوق معدل بطالة بعضهم أحيانا عشر سنوات.
ومن بين التعديلات التي أقرتها الوزارة في السنتين الأخيرتين طريقة الانتداب الجديدة للتدريس بمناظرة الكفاءة، التي تقوم على أن الناجحين في المناظرة يتم توجيههم لمواصلة البحث في الكليات تحت إشراف وزارة التعليم العالي للحصول على شهادة ماجستير مهني.
2335 عدد الناجحين بمناظرة الكفاءة المهنية في 2017، 65 بالمئة منهم أعمارهم بين 29 و40 سنة
وهذه الصيغة الجديدة بقيت ضبابية بالنسبة إلى أغلب المترشحين، خاصة أنها ترافقت مع دعوات الوزارة إلى الناجحين بإتمام ملفاتهم للالتحاق بمقاعد التدريس، فيما أشار جزء كبير منهم إلى أنهم لم يعد بإمكانهم أن يعرفوا إلى أي هيكل هم ينتمون، إلى وزارة التربية أم وزارة التعليم العالي؟
المشكلة الأساسية في قضية الناجحين في مناظرة الكفاءة لهذا العام تكمن في غياب منهج واضح للوزارة في عملية الانتداب، حيث حافظت على أسلوب تقليدي لم تواكبه مراجعة للقرارات المنصوص عليها بخصوص القبول في الوظيفة العمومية التي أعلنت الحكومة التونسية العام الماضي عن تجميدها، فيما تواصل الوزارة تعنتها وغلق باب الحوار ما أدى إلى تصاعد حدة الأزمة. وقال سامي الولهازي، أحد الناجحين في مناظرة الكاباس لـ”العرب”، إن “الوزارة تنكّرت لنجاحنا في المناظرة وحوّلته إلى فشل بإقرارها تكوينا إضافيا لمدة سنتين تحت أيّ مسمّى. لا يهم مسماه ماجستيرا مهنيا أو غير ذلك. المهم أننا بعد النجاح في الانتداب سنعود إلى مقاعد الدراسة. هل يعقل هذا؟”.
وأضاف أن “الوزارة طلبت كل الوثائق القانونية للقبول مثل أي مناظرة، لكن أحلامنا سرعان ما تبخرت بإعلانها أننا مسجلين على قوائم في الكليات”.
وطالبت التنسيقية الوطنية للأساتذة الناجحين في مناظرة الكفاءة المهنية للسنة 2017 بانتداب الناجحين في المناظرة، ملوّحة بتصعيد الإضراب ليشمل إضرابا عن الطعام والقيام بتحركات احتجاجية سلمية داخل الكليات إذا لم تتم الاستجابة لهذا المطلب.
وأكد رضوان عبداوي، الناطق الرسمي باسم الناجحين، أن التحركات الاحتجاجية للناجحين في المناظرة ستأخذ منحى تصعيديا. وقال “سيتم رفع القضية إلى منظمة حقوق الإنسان ومنظمة اليونسكو والانتقال بها إلى الفضاءات الجامعية باعتبارها أصبحت قضية الأجيال القادمة ولا تقتصر فقط على الناجحين”.
وقال وزير التربية حاتم بن سالم في رده على أسئلة النواب في جلسة عامة لمناقشة ميزانية وزارته والمتعلقة باحتجاجات الناجحين في هذه المناظرة والذين يطالبون بالانتداب الفوري، إن “الناجحين سيتمتعون بالانتداب مباشرة بعد انتهاء مرحلة التكوين التي تدوم سنتين وسيحصلون بمقتضى هذا التكوين على رتبة أستاذ مباشر”، وهي رتبة يتم الحصول عليها عادة بعد نحو 12 عاما من التدريس، بحسب تعبيره.
وأكد أنه لا يوجد شك في انتداب الناجحين من خرّيجي الماجستير المهني في علوم التربية، لكن بعد اجتياز المناظرة وأنه مستعد لإصدار بيان في الغرض، مضيفا أنه لا تمكنه الإجابة في الوقت الحالي على الصفة القانونية للطالب في مرحلة الماجستير المهني في علوم التربية، لأن لذلك انعكاسات مالية.
أزمة إصلاح قطاع التعليم ظلت تراوح مكانها منذ ثورة يناير 2011، ولم تقم وزارة التربية والتكوين في تونس بمراجعات عميق
وقال بن سالم إن هذه التجربة ليست الأولى في ماجستير علوم التربية، حيث يوجد قرابة أربعة آلاف طالب في الجامعات يدرسون الماجستير التطبيقي في علوم التربية. وأوضح أن التكوين بالنسبة إلى الناجحين في الدخول إلى مرحلة الماجستير في علوم التربية سيكون على أساس اتفاق إطاري بين وزارة التعليم العالي ووزارة التربية.
ومعلوم أن الدخول إلى ماجستير علوم التربية في تونس كان في ما مضى ينسحب على المباشرين لخطة أستاذ أو معلم يكون مرسما، ما يعني أنه مر بمرحلة القبول النهائية واجتاز مناظرة الكفاءة وباشر فعليا الحياة العملية. ويفتح المجال لهؤلاء لمواصلة تعليمهم في مرحلة الماجستير المهني ومواصلة البحث للارتقاء في السلم الوظيفي عبر جميع المناظرات الداخلية.
ونظرا لما يسببه الضغط الكبير لعدد الخرّيجين، أعلنت الوزارة أنه يمكن للمتخرجين من غير الحاصلين على شهادة الكفاءة مواصلة تعليمهم، وسمحت لهم بالترسيم في الماجستير المهني.
ويبلغ عدد الناجحين في مناظرة الكاباس هذا العام 2335 حاملا لشهادة جامعية، 65 بالمئة منهم تتراوح أعمارهم ما بين 29 و40 سنة وعدد كبير منهم متحصل على شهادة ماجستير أو دكتوراه.
ويقرّ الخبراء في التعليم بتونس بأن الوزارة تتحتم عليها مراجعة البرنامج التكويني الذي اعتمدته، ويطالبون باستبداله بآخر يتماشى مع طبيعة المرحلة التكوينية من خلال تحديد فترة لا تتجاوز 6 أشهر تكون بالتوازي مع الانتداب الفوري. وأكدوا أن الخيارات المسقطة التي تعتمدها وزارة التربية تجعل من الأساتذة الناجحين عرضة للتلاعب بهم والالتفاف على حقهم القانوني في التشغيل خاصة وأنه لم يصدر منها أي قرار أو منشور يوضح مصير الناجحين.