سبيس إكس شركة فضاء خاصة تغزو القمر قريبا

إسطنبول - مع إعلان الوكالة القومية للفضاء والطيران (ناسا) عن رغبتها في التخلي عن العمل في المدار المنخفض للأرض، والتركيز بدلاً من ذلك على البعثات الاستكشافية في القمر وكوكب المريخ، يبدو أن مصير المحطة الفضائية الدولية قد وضع على الطاولة. وبحسب الموقع العلمي “مرصد المستقبل” فإن نائب المدير المساعد لناسا، بيل هيل، أعلن عن هذه التوجهات بشكل صريح حيث قال “تحاول ناسا تطوير التنمية الاقتصادية في المدار الأرضي المنخفض. في النهاية، رغبتنا هي التخلي عن المحطة الفضائية لصالح كيان تجاري ما، أو جهة أخرى تتمتع بقدرات تجارية، بحيث يمكن للأبحاث التي تخص المدار الأرضي المنخفض أن تستمر”.
التفاصيل المنشورة حول الأمر لم تؤشر بشكل واضح إلى الشريك التجاري المناسب الذي يمكن له أن يذهب إلى خيار شراء المحطة أو الاستثمار فيها، مع الحديث عن وجود شريكين قد يبدوان مناسبين أو بالأحرى مهتمّين هما شركة بوينغ العملاقة، وأيضاً شركة سبيس إكس.
ولكنّ عدداً من المتابعين أكدوا بأن هذه المركبة المعلقة في السماء لا بدّ ستكون مفيدة جداً لشركة سبيس إكس التي يملكها رجل الأعمال المغامر إيلون ماسك، التي بدأت ومنذ العديد من السنوات برنامجاً طموحاً للاستثمار في قطاع النقل الفضائي، وقد أظهرت خلال السنوات الماضية قدرات تقنية لافتة جعلتها في مصاف أهم المؤسسات التي تقوم بتغيير تاريخ صناعة الفضاء.
أزمة التمويل الحكومي
لقد قارعت المؤسسات المعنية بأبحاث الفضاء طويلاً بالميزانيات التي كانت تخصص لها من قبل الحكومات، واستطاعت من خلال المبالغ المتاحة أن توصل الإنسان إلى خارج كوكب الأرض، وأن تجعله يطبع قدمه على أرض القمر. كما أنها قامت بإرسال العشرات من المركبات إلى الكواكب القريبة والبعيدة بغية استكشاف طبيعتها، وتحليل المعطيات التي تحيط بها، حتى وصلت بها إلى حافة مجموعتنا الشمسية، وفي الوقت ذاته طورت هذه المؤسسات طرق استكشاف الكون عبر صناعة مراصد أرضية عملاقة، وأخرى فضائية تقوم برصد كلّ ما يحيط بنا في هذا الكون مثل تلسكوبي هابل وكبلر.
الإنجازات الهائلة للقطاع العام في ارتياد آفاق الفضاء لا تشفع له عند لجان إقرار الميزانيات في برلمانات الدول الوطنية، وحتى في البرلمانات الأخرى كالبرلمان الأوروبي، إذ أن ترتيب الأولويات يبدو وبشكل طبيعي مختلفا بين مؤسسات تعمل على دراسة عوالم بعيدة عن حياة البشر حالياً، وبين من يقومون برسم السياسات المالية التي تتسم بكونها ذات طابع حاليّ ومباشر، مع إدراك هؤلاء بضرورة أن يستمر المختصون في دراسة الفضاء وعوالمه، ولكن عبر تكاليف مخفّضة، لا تتيح لهذه المؤسسات أن تقوم بإنجاز تجاربها البحثية ذات الكلفة العالية غير المستردّة.
سياسة خفض الإنفاق في سبيل تطوير علوم الفضاء أدت بشكل أو بآخر إلى تأخر العديد من البرامج الاستكشافية العلمية، ولكنها في الوقت نفسه جعلت المؤسسات المعنية تبحث عن شركاء من القطاع الخاص يهتمون بما لديها من مشاريع، وكان لا بد من تعديل القوانين التي حصرت العمل في مجال استكشاف الفضاء بالشركات العامة، وبما يتيح للمهتمين القيام بمبادراتهم في هذا المجال، وضمن هذا المسار جاء قانون إطلاق الرحلات الفضائية التجارية الذي وقّعه الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان عام 1984، ليتيح للشركات الخاصة إطلاق مركباتها إلى الفضاء، منهياً احتكار الوكالة القومية للفضاء والطيران (ناسا) لهذه الرحلات.
إيلون ماسك شاب مهاجر إلى أميركا من كندا التي وصل إليها وهو في عمر الـ17 قادما من جنوب أفريقيا، حاملا معه طموحات كبيرة سخر لأجلها أموالا كثيرة، حصل عليها من خلال رحلته الطويلة والمضنية في عالم التجارة الإلكترونية، حيث قام ببناء موقع زيب 2 المختص بالنشر الإلكتروني، ثم باعه ليدخل في تأسيس موقع باي بال الشهير، الذي بيع بدوره في العام 2002 لصالح شركة إيباي التي دفعت لماسك 165 مليون دولار مقابل حصته
ولكن الهاجس الذي ظل يراود القائمين على هذه القضية كان يتعلق بطبيعة اهتمامات الشركات الخاصة، والتي قد تبدو مهتمة بالأرباح السريعة أو بالقيام بأنشطة استثمارية ترفيهية مثل تأجير رحلات سياحية إلى الفضاء وغير ذلك.
سبيس إكس
من خلال هذه الاهتمامات كان يبدو ولسنوات طويلة أن المشهد سيبقى فارغاً، حيث تأخر اهتمام الآخرين بالفضاء حتى بداية الألفية الجديدة، حيث بدأت تظهر على الساحة أسماء شركات وضعت ضمن اهتماماتها الاستثمار بتقنيات علوم الفضاء، ومن بين هذه الشركات برزت شركة سبيس إكس، التي لفتت الانتباه مع قيامها بتنفيذ تجارب إطلاق الصواريخ إلى الفضاء بغية تخفيف الكلف الكبيرة التي كانت تتكبدها المؤسسات العامة، حين كانت تقوم بإنفاق مبالغ كبيرة على صناعة الصواريخ التي تقوم بنقل المركبات الفضائية إلى خارج الأرض.
ظهرت شركة سبيس إكس إلى حيز الوجود على يد مؤسسها إيلون ماسك الشاب القادم إلى الولايات المتحدة من كندا التي وصل إليها وهو في عمر الـ17 قادماً من بريتوريا في جنوب أفريقيا، حاملاً معه طموحات كبيرة سخّر لأجلها أموالاً كثيرة، حصل عليها من خلال رحلته الطويلة والمضنية في عالم التجارة الإلكترونية، حيث قام ببناء موقع زيب 2 المختص بالنشر الإلكتروني، ثم باعه ليدخل في تأسيس موقع باي بال الشهير، الذي بيع بدوره في العام 2002 لصالح شركة إيباي التي دفعت لماسك 165 مليون دولار مقابل حصته.
وفي العام ذاته قام ماسك بإطلاق شركته الثالثة سبيس إكس مستثمراً فيها 100 مليون دولار أميركي من ثروته التي وضعت لنفسها استراتيجية تصنيع صواريخ الفضاء، بشكل رئيسي، مع العمل على تطوير التقنيات الخاصة بصناعة الفضاء، والتقليل من التكاليف التي كانت تعيق تطوير برامج استكشاف الفضاء.
ركز ماسك على إمكانية إعادة تدوير الصواريخ الفضائية، التي كانت تستهلك جزءاً كبيراً من ميزانية إطلاق المركبات الفضائية، وترفع من تكاليف نقل المعدات والبضائع إلى خارج الأرض، وقد أشار ماسك في سياق حديثه عن غايات مشروعه إلى ضرورة مراجعة الآلية المتبعة للنقل الفضائي، فالمكوك الذي تمت عمليات إرساله في العديد من المرات إلى الفضاء كان يحتاج إلى إعادة صيانة مكلفة وبما يوازي قيمة بناء مركبة جديدة، ولهذا فإنه من الأولى التوجه إلى بناء ناقلات يمكن استخدامها للآلاف من المرات، وبما يخفض كلفة الرحلة الفضائية من 60 مليون دولار إلى 60 ألفا فقط.
طموح شركة سبيس إكس جعلها تخوض في عالم التجارب التي بدأ العالم يتابعها بشغف، وخاصة مع اعتماده على فريق عمل شاب، ينسجم مع عقلية مؤسسها، الذي ظن الكثيرون أنه مختل عقلياً عندما قرر خوض مغامرة الدخول في عالم الصناعات الفضائية.
|
من فالكون 1 إلى 9
تركز عمل الشركة، وبحسب موقعها الرسمي على شبكة الإنترنيت، على ثلاثة مشاريع خاضت فيها تجارب مكثفة، أفضت إلى تحولها إلى شريك كبير لمؤسسات عديدة كان أبرزها الجيش الأميركي الذي أعلن على لسان رئيس مركز أنظمة الفضاء والصواريخ الأميركية، إن قوات بلاده الجوية ستوفر 40 بالمئة بشرائها نظام إطلاق قمر صناعي لنظام تحديد المواقع العالمي “جي بي إس″ من شركة سبيس إكس، وذلك بالمقارنة مع ما كانت تتقاضاه شركة يونايتد لونش ألاينس.
كان مشروع الصاروخ فالكون 1 هو أول خطوات سبيس إكس في صناعة الصواريخ الفضائية التي تحمل المعدات والبضائع إلى الفضاء الخارجي وتمّ أول إقلاع لصاروخ فالكون 1 في 24 مارس 2006، ولكنه سقط وتحطم بعد وقت قصير من إقلاعه في المحيط الهادي.
وبعد محاولتين تاليتين نجحت التجربة الرابعة للإقلاع، وفي العام 2009 أُطلق الصاروخ بحمولة تجارية وصل بها إلى هدفه، ولكن الشركة توقفت عن إعادة المحاولة لتنتقل إلى إنتاج الصاروخ فالكون 9 الذي يعمل على تسعة محركات صاروخية يمكنها العمل بسلام، وتكون تحت السيطرة حتى لو تعطلت إحدى المحركات. وفي يوم 4 يونيو 2010 نجحت المرحلة الأولى لإطلاق فالكون 9 من قاعدة كيب كانافيرال الأميركية بنجاح مع حمولة بلغت نحو 10 أطنان.
وفي عام 2015 أكملت الشركة تعديلاتها على النموذج، عبر رفع قوة دفع المحرك الصاروخي، ما مكنها من زيادة الوقود المستخدم في عملية الإطلاق، التي جرت بنجاح في 21 ديسمبر 2015، بعدما فشلت محاولة الإطلاق الأولى في يونيو 2015، وحمل الصاروخ 11 قمراً صناعياً للفضاء الخارجي.
إثر ما يقارب الـ10 دقائق من إطلاقه انفصلت المرحلة الأولى من الصاروخ عن المرحلة الثانية، وعادت إلى كيب كانافيرال، وتم هبوطها في وضع رأسي بسلام. ليتكرّس نجاح سبيس إكس في استعادة المرحلة الأولى للصاروخ التي عادت بسلام إلى القاعدة لأول مرة في التاريخ، وهو إنجاز جديد من نوعه، حيث سيمكّن من إعادة استخدام الصواريخ للعديد من المرات وهو ما سيؤدي إلى تخفيض حجم الأموال التي تحتاجها الرحلات الفضائية، وقد بلغت تكلفة صنع الصاروخ 16 مليون دولار وتكلفة تزويده بالوقود بلغت 200 ألف دولار.
وبحسب مصادر الشركة فإن عمليات التطوير القائمة على سلسلة صواريخ فالكون هيفي الثقيلة التي تنوي إطلاق أول تجاربها في نهاية العام الجاري، ستؤدي إلى إمكانية حمل أوزان غير مسبوقة إلى المدار المنخفض حول الأرض تتراوح ما بين 20 و50 طنا.
المركبة الفضائية دراجون
مع انكفاء خطة إطلاق المركبات المأهولة إلى الفضاء الخارجي، والتي كان في مقدمتها المكوكات التي تعرضت إلى حوادث أليمة أودت بحياة عدد من رواد الفضاء، بات الأميركيون ومنذ تقاعد المكوك الفضائي ديسكفري في العام 2011، بدون مركبات فضائية مأهولة. وأمسى رواد الفضاء الأميركيون مضطرين إلى استخدام كبسولات سويوز الفضائية الروسية للوصول إلى المدار.
كما لجأ مشغّلو محطة الفضاء الدولية إلى الاعتماد على مركبات الفضاء الروسية “بروغريس″ صغيرة الحجم ومركبة الشحن الفضائية اليابانية “أتش تي في” وكذلك على مركبة الشحن الأوروبية الكبيرة “أي تي في” في نقل المواد.
|
وفي واقع الأمر فإن وكالة ناسا كانت قد طلبت في العام 2005 من الشركات تقديم مقترحات لتطوير صاروخ تجاري وكبسولات فضاء مأهولة لأغراض تجارية في مجال خدمات النقل المداري، التي تقوم بتوصيل إمدادات إلى المحطة الفضائية الدولية، ونقل رواد الفضاء إليها وإعادتهم، فقامت شركة سبيس إكس بتقديم مشروع مركبتها الفضائية التي حملت اسم “دراجون” في مارس 2006.
وفي 23 ديسمبر 2008، منحت وكالة ناسا عقداً لشركة سبيس إكس بقيمة 1.6 مليار دولار لقاء خدمات الإمداد التجاري، قابلة للزيادة حتى 3.1 مليار دولار، وقد نجحت الشركة الخاصة في إطلاق كبسولة فضائية إلى المدار في ديسمبر 2010، وتمكنت من إعادتها مرة أخرى بسلام إلى الأرض، وفي العام 2012 تمكنت المركبة دراجون من الالتحام بالمحطة الفضائية الدولية في لحظة وصفتها ناسا بأنها بداية عهد جديد في رحلات الفضاء، بدأت ملامحه الأولى على يد سبيس إكس التي تتنافس مع مثيلاتها من الشركات الخاصة لتقديم أفضل الطرق وأقلها كلفة من أجل ارتياد آفاق الفضاء.
سبيس إكس والمريخ
كان إيلون ماسك قد صرح في مناسبات عديدة أن واحداً من أهم أهداف شركته هو القيام باستعمار المريخ، لكنه قبل شهرين من الآن وفي تصريح نقلته صحيفة واشنطن بوست أعلن عن ملامح خطته التي جاءت صادمة للكثيرين، خاصة وأنها ستسبق البرامج التي أعلنت سابقاً عن توجه البشر إلى الكوكب الأحمر.
الخطة التفصيلية لاستعمار المريخ والتي سيعلنها ماسك هذا الشهر في المؤتمر الدولي للملاحة الفضائية في المكسيك، تقوم على إرسال أولى البعثات في عام 2018، بالتعاون مع ناسا، التي تمتلك خبرة في إرسال المركبات غير المأهولة صوب الكواكب البعيدة، وبحسب التقارير الإخبارية فإن شركة سبيس إكس ترغب بالاستفادة من الأوقات الفلكية المؤاتية (كل 26 شهراً تصطف الأرض والمريخ بشكل مناسب للرحلات إلى الكوكب الأحمر) لترسل وعبر صاروخها فالكون هيفي الثقيل المركبة دراجون، لتهبط على المريخ، وفي عام 2020 سترسل مركبتي دراجون محملتين بمعدات التجارب، وبعد عامين أي في عام 2022 سيتم إطلاق مركبة “مارس كولونيال ترانسبورتر”، ليتبعها في العام 2024 إرسال أول مهمة مأهولة إلى المريخ لتهبط على سطحه عام 2025.
انفجار صاروخ سبيس إكس من طراز فالكون 9
تجارب سبيس إكس العملية ونجاحاتها في تقليل الكلفة المادية لإطلاق الصواريخ الفضائية لم تجعلها بمنأى عن الحظ السيء، فكثيراً ما كانت تخسر بسبب حوادث انفجار الصواريخ، والتي كان أخرها ما حدث يوم الخميس الفائت، حيث دمر انفجار صاروخا من طراز فالكون 9 خلال تجربة إطلاق اعتيادية في كيب كنافيرل بولاية فلوريدا الأميركية.
وقالت شركة سبيس إكس في بيان لها حول الحادث إن خللاً وقع خلال اختبار الإطلاق الثابت أدى إلى خسارة الصاروخ وقمر اتصالات إسرائيلي كان سيقوم بتشغيل موقع فيسبوك عبر تعزيز حركة البيانات عن طريق الاتصالات إلى مناطق شاسعة جنوب الصحراء الافريقية بالاشتراك مع يوتلسات كوميونيكيشنز.