سباق محموم على توفير الإنترنت بتقنية النطاق العريض

بات العالم أكثر قربا من بعضه بعضا مع الإنترنت بل صار قرية صغيرة بعد أن أصبح التواصل من البيت ومن أمام جهاز الكمبيوتر هو المستقبل الحقيقي لكل مجالات الحياة، لذلك تتنافس الشركات على تقديم خدمات أفضل من خلال الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية التي تصل إلى المناطق النائية في أصقاع الدنيا.
كولورادو سبرينغز (الولايات المتحدة) – يتوقع أن تؤدي خدمة الإنترنت بواسطة الأقمار الاصطناعية التي باتت واقعا تجاريا إلى اشتداد المنافسة، إذ تُنشر الآلاف من الأقمار في المدار المنخفض للأرض بما يوفر نطاقا عريضا في كل أنحاء العالم يُغني عن عبء البنية التحتية الأرضية.
وحققت شركة أمازون تقدما كبيرا في طريقها إلى نشر كوكبتها “كويبر” الرامية إلى توفير خدمة الإنترنت السريعة، إذ عهدت إلى ثلاث شركات للصناعات الفضائية مهمة إطلاق هذه الأقمار ضمن المشروع البالغة موازنته أكثر من عشرة مليارات دولار.
وقالت أمازون إنّ مشروع كويبر يهدف إلى توفير خدمة الإنترنت بتقنية النطاق العريض وبسرعة عالية إلى المنازل والمدارس والمستشفيات والشركات وعمليات الإغاثة في حالات الكوارث وفي أماكن تفتقد إلى اتصال جيّد بشبكة الإنترنت.
وأوضحت أنّ العقود الموقّعة مع كلّ من “أريانسبايس” و”بلو أوريجن” و”يونايتد لانش ألاينس” تمثل أكبر عمليات تعاون لإطلاق صواريخ حاملة لأقمار اصطناعية في التاريخ.
وتسعى شركة التجارة الإلكترونية الأميركية العملاقة من خلال هذا المشروع لتنويع أنشطتها المربحة في مجال الخدمات المعلوماتية وتوفير خدمة الإنترنت بتقنية النطاق العريض سريعة لمجموعة واسعة من الزبائن من بينهم أولئك الذين يعملون في أماكن لا يتوافر فيها اتصال بالإنترنت يعوّل عليه.
واعتبر الرئيس التنفيذي لشركة “أريانسبايس” ستيفان إسرائيل أن “الحلول القائمة على الأقمار الاصطناعية مكمّل لا غنى عنه للألياف”. ولاحظ أن ثمة “حالات تكون فيها تكلفة الألياف باهظة جدا مقارنة بالخدمة القائمة على الأقمار الاصطناعية، وخصوصا عند الحاجة إلى توفير الخدمة لسكان منطقة نائية”.
وبالإضافة إلى الأقمار الاصطناعية نفسها، تخطط أمازون “لأجهزة عملاء صغيرة منخفظة التكلفة” استمرارا لما بدأته مع مكبرات الصوت الذكية “إيكو” وأجهزة “كيندل” للقراءة الإلكترونية.
وأكدت المجموعة أنها ستتيح “خدمة بأسعار معقولة وفي متناول الزبائن”، لكنها لم تفصح عن مزيد من التفاصيل في هذا الشأن.
هل ستكون قوة أمازون الضاربة قادرة على إثبات وجودها وإحداث فرق في قطاع أصبحت فيه المنافسة شرسة؟
الإنترنت بالأقمار الاصطناعية موجودة أصلاً، كما هي الحال مع “فيزا سات” و”هوغز نت” في الولايات المتحدة، بينما في أوروبا تستخدم الشركة الفرعية “أورنج نوردت” قوة القمر الاصطناعي “أوتل سات كونكت” من بين تقنيات أخرى لتوفير النطاق العريض لعملائها.
وتبدأ أسعار المستهلك بأقل من 60 يورو أو 70 دولارا شهرياً، من دون احتساب الجهاز الطرفي والهوائي، وتزداد بحسب النطاق الترددي المطلوب.
وتمر هذه الخدمات عبر أقمار موجودة في مدار ثابت بالنسبة إلى الأرض على ارتفاع يزيد عن 35 ألف كيلومتر، ومع أنها يحتمل أن توفر سرعات أعلى بثلاث إلى خمس مرات من سرعات خط المشترك الرقمي غير المتماثل (أي.دي.أس.أل) إلا أن وجودها على هذه المسافة يعني أنها لا تستطيع الوصول إلى أداء الألياف، ويشكل التأخير بين الطلب وتنفيذ الأمر عائقاً لها. لهذا السبب لا توصي شركة “هوغز نت” هواة الألعاب الإلكترونية بمنتجاتها.
أما الأقمار الاصطناعية التي ستنشرها أمازون مستقبلا فستكون كتلك التي تنشرها حالياً شركة “ستارلينك” التابعة لـ”سبايس إكس” في مدار أرضي منخفض أي على علو نحو 600 كيلومتر.
ولاحظ ستيفان إسرائيل أن “ما يميز وجود الأقمار في المدار الأرضي المنخفض هو أنه يقلل من فترة الكمون. ويتيح تقليل فترة الكمون زيادة الاستخدامات إلى أقصى حد”.
وفي المقابل، فإن وجود الأقمار قريبا من الأرض يجعل من الضروري إرسال الكثير منها إلى المدار، ومن هنا سيبلغ عدد تلك التابعة لأمازون أكثر من 3200، في مقابل الآلاف لـ”ستارلينك”، من بينها 1500 تعمل حاليا.
الإنترنت بتقنية النطاق العريض سريعة وتصل إلى أولئك الذين يعملون في أماكن لا يتوافر فيها اتصال بالإنترنت يعوّل عليه
وأطلقت شركة “وان ويب” البريطانية 428 من أصل 648 قمرا في كوكبتها، وأيضاً في مدار منخفض، وتعتزم البدء بتشغيل شبكة الإنترنت العالمية التابعة لها في نهاية 2022.
أما الصين فتخطط لنشر 13 ألف قمر اصطناعي على الأقل من طراز “غوانغ”، فيما دخلت أوروبا اللعبة باتفاق في فبراير لتطوير مجموعتها الخاصة من أقمار الاتصالات.
وبغض النظر عن المسائل المتعلقة بالسيادة، يواكب هذا الإقبال الكبير على توفير الإنترنت بواسطة الأقمار الاصطناعية زيادة كبيرة في الاحتياجات سجلت في الآونة الأخيرة.
واعتبر الاتحاد الدولي للاتصالات التابع للأمم المتحدة في نهاية مارس أن “الاتصال بالإنترنت الذي كان يُعتبر من الكماليات، أصبح أمرا بالغ الأهمية لكثير من الناس خلال جائحة كورونا، إذ اضطر الناس إلى البقاء في منازلهم وانتقلت أنشطة وأعمال كثيرة إلى الإنترنت”.
ورأى مسؤول تنفيذي في قطاع الأعمال في كولورادو سبرينغز على هامش أكبر معرض تجاري لتقنيات الفضاء، أن “احتياجات النطاق الترددي زادت في كل أنحاء العالم”، متوقعاً ألا “يكفي عدد الأقمار الاصطناعية لتلبية الطلب”.
لكن هذا الخبير في تسويق النطاق الترددي الذي طلب عدم ذكر اسمه، أشار أيضاً إلى أن الأقمار التي تدور في مدار منخفض هي أكثر عرضة للخطر من المركبات الثابتة بالنسبة إلى الأرض، وهو ما أظهره أخيرا تسبُب عاصفة جيومغناطيسية بتفكك نحو 40 قمرا اصطناعيا من كوكبة “ستارلينك” عند عودتها إلى الغلاف الجوي للأرض.
وبالتالي “سيكون من الضروري استبدالها باستمرار”، وهذا ليس خبرا سيئا للشركات التي تتولى عمليات الإطلاق.
