سباق النحل والمسيرات في نشر حبوب اللقاح

هل تصلح تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ما أفسده البشر.
الجمعة 2024/04/05
الطبيعة تبقى متفوقة

تتراجع أعداد النحل ومعها تراجعت المحاصيل الزراعية لتتسبب في أزمة غذائية تحاول جهات علمية التصدي لها باستخدام الذكاء الاصطناعي والمسيرات، رينا تشاندران ونيتا بهالا تابعتا التجارب التي تجرى في أستراليا مرورا بكينيا وبريطانيا وصولا إلى كاليفورنيا.

تو ويلز (أستراليا) - تمكّنت البيوت الزجاجية المعتمدة في مزرعة طماطم بجنوب أستراليا من التحكم في كل العوامل، من درجة الحرارة إلى مستويات الأشعة فوق البنفسجية، لكن نجاح تلقيح المحاصيل ليس مضمونا.

وتعتمد مزرعة “برفكشن فرش” في تو ويلز حاليا على العمال الذين ينتقلون بواسطة العربات بين صفوف الكروم، يهزون النباتات برفق حتى تسقط حبوب الطلع (اللقاح) ويحدث التلقيح.

وقال تروي توب، مدير عام المزرعة، إنها عملية يدوية تتطلب جهدا كبيرا. وأشار إلى أنه ما زال يحاول إيجاد الطريقة الأكثر فعالية للتلقيح بعد ثماني سنوات من العمل.

ويصل إنتاج الطماطم في العالم إلى حوالي 190 مليون طن سنويا، مما يجعله من بين المحاصيل الأكثر قيمة. وتزرع اليوم أكثر في بيئات محمية حيث يواجه المزارعون طقسا أكثر قسوة بسبب تغير المناخ والآفات وتقلص مساحات الأراضي المتوفرة.

لكن التلقيح يمثل تحديا كبيرا في البيئات المغطاة مثل البيوت الزجاجية، حيث لا يكون النحل فعالا، وحيث لا يمكن الاعتماد على الطرق التقليدية مثل الهز أو المسح باليد لأنها تتطلب أعدادا كبيرة من العمالة.

وتجرب برفكشن فرش، وهي من أكبر منتجي الطماطم في أستراليا، الطائرات المسيرة.

أكثر من ثلث إنتاج الغذاء في العالم يعتمد على النحل الذي تنخفض أعداده بشكل حاد.. البحث عن طرق تلقيح بديلة أصبح أكثر إلحاحا

ويساعد الهز الناتج عن مراوح المسيرات على زيادة اهتزاز الزهور وتفريق حبوب الطلع (اللقاح). ويرفع هذا بدوره من نتاج المحاصيل.

وقال تروي توب لمؤسسة تومسون رويترز إن الطائرات المسيرة تستطيع مجابهة التحديات كنقص العمالة. وأكد أنها أسرع وأكثر اتساقا. وذكر أن مهماتها يمكن أن تشمل مراقبة الأمراض والتنبؤ بالمحاصيل.

ومع ارتفاع الخسائر التي تتكبدها الطبيعة وتراجع العديد من الأنواع على مستوى العالم، يبحث الخبراء عن حلول تقنية مثل الطائرات المسيرة وما يمكن أن تقدمه لسد الفجوة وحماية النظم الغذائية العالمية.

وتعدّ الزراعة من بين أكبر القطاعات التي تعتمد المسيرات في العالم. ويرجع استخدامها المتزايد في التلقيح (في الزراعة المغطاة أو في الحقول) إلى انخفاض أعداد النحل بسبب ارتفاع درجات الحرارة واستخدام المبيدات الحشرية وتراجع الموائل وغيرها من العوامل البشرية الأخرى.

ويعاني النحل في البيئات المغطاة من التشويش. وأشارت كاتيا هوغندورن، من جامعة أديلايد، إلى أن أستراليا تعاني من نقص في أعداد النحل. لذلك تعدّ الحاجة فيها إلى أنواع مختلفة من الملقحات أكثر إلحاحا.

وقالت هوغندورن، التي تدرس النحل المحلي والتلقيح “يمكننا أن نفعل الكثير بفضل التكنولوجيا. وتعتبر المسيرات خيارا قابلا للتطبيق لحل مشاكل التلقيح”.

وأضافت “لا يمكننا مواجهة كل المخاطر بالتكنولوجيا. ولكن إذا استطعنا اعتماد المسيرات للتخفيف من المشاكل التي تواجهها عملية التلقيح، فلماذا لا نفعل ذلك؟”.

وحذرت من أن استخدام الطائرات المسيرة على نطاق واسع قد يمنح الضوء الأخضر لاستئناف استخدام صناعة البستنة العالمية للمبيدات الحشرية.

التلقيح يمثل تحديا كبيرا في البيئات المغطاة مثل البيوت الزجاجية، حيث لا يكون النحل فعالا

وأشار باحثون آخرون إلى أن التكنولوجيا غالبا ما تكون بديلا لا يوفّر الفوائد المتنوعة التي تمنحها الأنظمة الطبيعية.

ولا تقتصر فوائد النحل في كينيا مثلا على التلقيح، فهو يوفر دخلا إضافيا من منتوج العسل للمزارعين الذين يخسرون محاصيلهم بسبب الطقس القاسي.

وقال نيوتن سيميو، وهو مدير مشروع في مؤسسة بورن فري “لا يمكن أن تلعب المسيرات جميع الأدوار التي يؤديها النحل في الطبيعة، ولا يمكنها أن تنافسه”.

وتقول منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) إن الاتجاه نحو الزراعة الدقيقة القائمة على البيانات (باستخدام المسيرات أو غيرها من الأدوات القائمة على الذكاء الاصطناعي) يبقى مدفوعا بالتغيرات الديموغرافية والتقدم التكنولوجي وتأثيرات تغير المناخ على الإنتاجية.

وأجرى المهندس سيدارث جادهاف أبحاثا على الطائرات المسيرة. وقال إن استخدامها في التلقيح المتحكم فيه هوائيا يعدّ تطبيقا منطقيا. وهو يستغل تحرّك الهواء عند توجيه الطائرة نزولا لتوزيع حبوب اللقاح.

وأكد جادهاف، وهو المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة التكنولوجيا بوليبي ومقرها سنغافورة، أن الطائرات المسيرة تناسب المحاصيل ذاتية التلقيح مثل الفراولة والطماطم. وتعتمد مؤسسته مسيرات صغيرة جاهزة تديرها تطبيقات برمجية خاصة بها.

الهز الناتج عن مراوح المسيرات يساعد على زيادة اهتزاز الزهور وتفريق حبوب اللقاح

وقال جادهاف “التكنولوجيا قوية وقابلة للتطوير، وسهلة بما يكفي ليستخدمها عمال المزارع مع حد أدنى من التدريب”.

وشهدت المزارع العمودية في سنغافورة تجارب واعدة، ومولت شركة “هورت إينوفيشن”غير الربحية الأسترالية تجربة الطائرات المسيرة التي تعتمدها بوليبي لتلقيح الفراولة والطماطم في المزارع المغطاة لمدة سنة كاملة.

وقال بريت فيفيلد، رئيس هورت إينوفيشن التنفيذي، إن التجربة التي اختتمت خلال 2023 أكدت “فعالية الطائرات المسيرة في تلقيح الطماطم في البيوت الزجاجية. ويمهد هذا طريق المزيد من الاستكشاف والاستثمارات”.

وبعد التجربة في برفكشن فرش، أصبحت 10صفوف من الطماطم تغطى بطائرتين مسيرتين من بوليبي تحملان اسمي مافريك وغوس، وهما شخصيتان من سلسلة “توب غان”. وتدوم شحنة البطارية الواحدة حوالي 40 دقيقة، ويكفي هذا لتغطية صفين.

وتمر الطائرات المسيرة، التي يبلغ قياسها حوالي 38 سنتيمترا بشكل مائل، فوق النباتات بسرعة ثابتة. وتغطي جانبا من الصف ذهابا، والجانب الآخر إيابا.

وقال تروي توب إن حركاتها الهوائية توزع حبوب اللقاح بشكل أكثر كفاءة واتساقا من الطرق التقليدية. وأشار إلى أن الحد من تفاعلات العمال مع النباتات يقلل كذلك من خطر إصابتها بالأمراض.

وقال جادهاف “لسنا أول من حاول حل مشكلة التلقيح في البيوت الزجاجية. لكن الطرق الأخرى فشلت لكونها صعبة، أو تستهلك الكثير من العمل والوقت، أو لافتقارها للدقة”. وأكد أن الطائرات المسيرة يجري اختبارها في تلقيح الفراولة في بريطانيا أيضا.

التكنولوجيا غالبا ما تكون بديلا لا يوفّر الفوائد المتنوعة التي تمنحها الأنظمة الطبيعية

وأضاف أن “الطائرات المسيرة تبقى طريقة فاخرة لحل المشكلة، ولا تتطلب سوى البرمجة. لكنها مخاطرة كبيرة تبقى خارج الطاولة بالنسبة للمزارعين الذين يواجهون الكثير من المخاطر الأخرى”.

أكثر من ثلث إنتاج الغذاء في العالم يعتمد على النحل. لكن منظمة الأغذية والزراعة ذكرت أن النحل وغيره من الملقحات تواجه انخفاضا حادا في جميع أنحاء العالم من حيث الوفرة والتنوع مقابل ارتفاع درجات الحرارة وتأثيرات تغير المناخ الأخرى المسببة لهذا التراجع، لذلك أصبحت طرق التلقيح البديلة أكثر إلحاحا.

وتشمل الشركات الأخرى الناشطة إلى جانب بوليبي شركة دروب كوبتر ومقرها كاليفورنيا. وهي تجرب الطائرات المسيرة والروبوتات للتلقيح، وتوزع حبوب اللقاح في بساتين اللوز والتفاح والكرز. وتحاكي روبوتات على شكل نحلة ابتكرها باحثون في جامعة هارفارد عمل هذه الحشرات النافعة.

ويكمن هدف برفكشن فرش في الانتقال الكامل إلى التلقيح بالطائرات المسيرة وتزويدها بكاميرات عالية الدقة تمكن من جمع البيانات والتنبؤ بالمحصول باستخدام الذكاء الاصطناعي.

وقال جادهاف إن “حل التلقيح لا يكفي. يساعد التنبؤ بالمحصول المزارعين في ضمان أسعار وأمن غذائي أفضل، حيث تعدّ البيانات الدقيقة مهمة لتطوير أصناف أكثر مرونة”.

وتجعل هذه الفوائد التكنولوجيا ضرورية في البلدان الأكثر فقرا أيضا، رغم أن التكلفة تشكل حاجزا.

وقالت كاتيا هوغندورن “ليست التكنولوجيا في متناول الجميع. وتقتصر على الشركات الكبيرة والمستثمرين. وهنا يكمن الخطر”.

وتعمل بلدان، من أذربيجان إلى فنزويلا، في الأثناء على تشجيع تربية النحل للحفاظ عليه محليا، حيث تتجاوز فوائده التلقيح.

ويستخدم المزارعون الذين يعيشون قرب حديقة ميرو الوطنية في مناطق كينيا الريفية، النحل لمكافحة مشكلة امتدت لعقود. حيث كانت الفيلة تتلف محاصيلهم، وتتسبب أحيانا في وفاة القرويين، وكانت تقتل بدورها انتقاما.

وذكرت بيانات وزارة السياحة والحياة البرية والتراث في كينيا أن 1116 فيلا قُتلت من 2000 إلى 2020، لأسباب ترجع إما إلى الدفاع عن النفس أو القتل الانتقامي.

Thumbnail

ولكن حلا أفضل برز خلال العام الماضي. وانتشرت صفوف من خلايا النحل المعلقة على أسلاك، لتشكل حاجزا حول الحقول. وعندما يحاول فيل اختراق السلك، يرج خلايا النحل مما يجعل الحشرات تتحرك للدفاع عن نفسها.

ووقف المزارع ألكسندر مبورونجا، إلى جانب صندوق خشبي أصفر كبير يحتوي على خلية نحل في مزرعة ذرة تبلغ مساحتها 4 هكتارات قرب الحديقة الوطنية. وقال “شعرت قبل اعتماد أسوار خلية النحل أنني أخوض معركة مستمرة. كانت الفيلة تأتي كل ليلة تقريبا”.

وأضاف وهو يتحدث من مزرعته، الواقعة على بعد 320 كيلومترا من العاصمة نيروبي “هذا يبعد الأفيال الآن، وتزدهر محاصيلنا نتيجة لذلك”.

وذكر دعاة الحفاظ على البيئة من مؤسسة بورن فري، التي أطلقت المبادرة في يناير 2023، إن المشروع لا يزال في مراحله الأولية، لكن نتائجه كانت واعدة.

ولاحظ المزارعون بعض الفوائد الأخرى أيضا.

وقال جيوفري مونيوا، إن الأفيال أصبحت تبتعد عن قطعة أرضه منذ بناء أسوار خلية النحل. ولاحظ إنتاجا إضافيا من اللوبيا وحبوب الدخن.

وأضاف “لم أحصد محصولي بعد، لكنه يبدو أفضل بكثير وسيكون أكثر هذا العام بفضل تلقيح النحل”.

وتابع “آمل أيضا أن أجني العسل من خلايا النحل وكسب دخل إضافي”.

وقال نيوتن سيميو من مؤسسة بورن فري إنه يجب الترحيب بالتطورات التكنولوجية في التلقيح، مثل الطائرات الصغيرة المسيرة، لكنها لا تشكل بديلا عن النحل.

وصرّح “تتقدم التكنولوجيا، لكن الطبيعة ستبقى متفوقة على الدوام”.

12