سامي ميخائيل يقف بشخصياته العربية واليهودية الشرقية ضد الحرب والعنصرية

الأديب العراقي الإسرائيلي آمن بدور الثقافة والأدب في مواجهة العنصرية وهي التي انتشرت في إسرائيل ضد الهاربين بدورهم من العنصرية.
الأحد 2024/04/14
أديب عراقي في إسرائيل

القدس- من وظيفة الأدب الأولى الانتصار للإنسان أيا كان لونه أو عرقه أو لغته أو انتماؤه. ليس الأدب اصطفافا أيديولوجيا، وهذا ما وعاه الكتاب المؤثرون في تاريخ المدونة الأدبية العالمية. سامي ميخائيل من هؤلاء.

هو كاتب وروائي عراقي – إسرائيلي، ولد باسم كمال صلاح منصور في بغداد، في العراق عام 1926. ونشأ في حي مختلط ميسور الحال من المسلمين واليهود والمسيحيين وانضم إلى الحزب الشيوعي في شبابه. لكن تقلب الأحوال في عالم خارج من جراح الحرب العامية الثانية طوح به بين الأماكن، لكن أفكاره في الوقوف إلى جانب حقوق الإنسان لم تخب أبدا.

كاتب إنساني

توفي الكاتب العراقي – الإسرائيلي سامي ميخائيل الاثنين عن عمر ناهز 97 عاما. واشتهر ميخائيل الحائز على عدة جوائز بكتاباته المؤثرة عن الأقليات المضطهدة والتحديات التي يواجهها اليهود الإسرائيليون القادمون من الدول العربية.

وأبرزت شخصياته، التي كانت في الكثير من الأحيان يهودية ناطقة بالعربية مثله، الآلام والتحديات الخاصة التي يواجهها اليهود الشرقيون من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأكدت علاقاته الوثيقة مع الفلسطينيين الإسرائيليين في مدينة حيفا المختلطة.

◄ ميخائيل ألف أكثر من 20 رواية وكتابا للأطفال ومسرحيات ومقالات ونقدا ثقافيا، وتحولت بعض كتبه إلى أفلام
ميخائيل ألف أكثر من 20 رواية وكتابا للأطفال ومسرحيات ومقالات ونقدا ثقافيا، وتحولت بعض كتبه إلى أفلام

وقال إيتمار دروري، وهو محاضر كبير في الأدب في جامعة بار إيلان الإسرائيلية، إن “شخصياته سدّت الفجوة بين اليهود والعرب”.

وكانت العربية لغة ميخائيل الأم، حيث نشأ في مشهد بغداد الثقافي الغني. وقال دروري إن الكاتب شعر لذلك في الكثير من الأحيان بكونه أقرب إلى الثقافة العربية في إسرائيل، خاصة لأن القيادة اليهودية الإسرائيلية المتأثرة بأوروبا كانت تمارس التميز ضد اليهود الشرقيين.

وانتقد ميخائيل معاملة إسرائيل للفلسطينيين ودافع عن الأقليات المضطهدة.

وشغل منصب رئيس جمعية حقوق المواطن في إسرائيل لأكثر من عقدين إلى حدود سبتمبر 2023. وقالت المنظمة في بيان أعلنت فيه عن وفاته إنه “عبر عن ألمه وغضبه تجاه الظلم في إسرائيل، وطالب بالعدالة حيثما يجب تحقيقها وغرس فينا روح الأمل في التغيير”.

وولد ميخائيل في حي ثري مختلط في بغداد سنة 1926. وكان نشطا في الحزب الشيوعي في شبابه.

لكن مذكرة توقيف صادرة عن السلطات العراقية أجبرته على الفرار إلى إيران في 1948 ثم إلى إسرائيل خلال 1949، حيث عمل صحافيا في جريدة الحزب الناطقة بالعربية في مدينة حيفا الشمالية.

وصل ميخائيل إلى إسرائيل وحده، وبقيت عائلته في العراق، وانضمت إليه لاحقا عام 1951. في أوائل الخمسينات من القرن الماضي، غادر غالبية اليهود العراقيين العراق وأجبروا على التخلي عن جنسيتهم العراقية. من ناحية أخرى، ظل سامي ميخائيل يحمل الجنسية العراقية حتى رحيله، لأنه لم يتنازل عنها رسميا.

استقر ميخائيل بداية في حي عربي في حيفا، وادي النسناس. تمت دعوته للعمل في صحيفة الاتحاد، الصحيفة الشيوعية الإسرائيلية باللغة العربية، من قبل إميل حبيبي. كان سامي ميخائيل اليهودي الوحيد في هيئة تحرير جريدة الاتحاد. كانت قصصه، رغم كتابتها بروح “الواقعية الاشتراكية”، مليئة بالسخرية والفكاهة.

مع بداية امتهانه الكتابة، اشتغل ميخائيل مساهما في جريدة الاتحاد، تحت الاسم المستعار  سمير المتمرد. وتناول في كتاباته الوضع المهمش لليهود الذين وصلوا إلى “دولة إسرائيل الجديدة”.

لكن روح الكاتب المتمردة على الأيديولوجيا دفعته إلى ترك الصحيفة والحزب في 1955، مستاء من بعض أيديولوجيات الحزب الشيوعي. وتحول إلى عالم هيدرولوجيا في سلطة المياه في إسرائيل.

وجاء خروجه النهائي من الشيوعية بعد تقييمه بأن الحركة قد تخلت عن مبادئها الإنسانية.

انتقد ميخائيل الشيوعية لأنها أصبحت، وفقه، نظرية بشكل مفرط، ولتبريرها الانقلابات العسكرية التي أنشأت أنظمة دكتاتورية تحت ستار “معاداة الإمبريالية”، ولتحول الاتحاد السوفييتي من أيديولوجية عالمية إلى سلوك قوة عظمى، مع إعطاء الأولوية للأيديولوجية على الأفراد.

لغة سامي ميخائيل الأم هي العربية. استغرق الأمر منه حوالي 15 عاما للانتقال من الكتابة من العربية إلى العبرية، في سن الـ45 شرع ميخائيل في مشروع إتقان اللغة العبرية. بعد توقفه عن الكتابة لحوالي 20 سنة، نشر روايته الأولى باللغة العبرية سنة 1974، وحملت عنوان “جميع الرجال متساوون – لكن بعضهم أكثر”. وتحدث فيها عن نضالات اليهود الشرقيين خلال تكيفهم مع الحياة في إسرائيل. ففي السنوات التي تلت نشأة إسرائيل في 1948، أجبِر اليهود الشرقيون الوافدون حديثا إلى الدولة العبرية على العيش في مخيمات العبور في مدن الصفيح وواجهوا تمييزا كبيرا من قادة البلاد الأوروبيين.

تجربة أدبية

◄ كاتب ينتصر للإنسان كيفما كان
كاتب ينتصر للإنسان كيفما كان

استقبل كتاب ميخائيل بالتشكيك من قبل النقاد، حيث إن فحصه الصارم للتحيزات التي واجهها القادمون من الأراضي العربية، ضرب على وتر حساس مع النخب الثقافية.

القصة تستعير عنوانها بشكل من القصة الرمزية السياسية لجورج أورويل “مزرعة الحيوانات” وتؤرخ لأفراد عائلة يهودية من الطبقة المتوسطة من بغداد وهم يبحثون عن ذواتهم في إسرائيل حلال خمسينات القرن الماضي.

كتابه الآخر “حفنة من الضباب” (1979) تتبع ما لحق بالطائفة اليهودية في العراق، بينما استند مؤلفه الآخر “فيكتوريا” (1995) إلى ملاحظات عن حياة والدته في الحي اليهودي ببغداد وسيطرة الرجال على شؤون المجتمع.

قصة الكتاب تنتهي في إسرائيل، حيث فقد الرجال المهاجرون العراقيون قوتهم وتكيفت النساء بسهولة أكبر.

إلى ذلك، تستكشف روايته “بوق في الوادي” الصادرة عام 2003 التحيز، من خلال قصة حب بين امرأة عربية مسيحية، ومهاجر يهودي روسي، في إسرائيل.

◄ ناشط سلام آمن في مختلف مؤلفاته وآرائه بأن دور الثقافة تسليط النور الساطع على الجهل والظلم والفساد
ناشط سلام آمن في مختلف مؤلفاته وآرائه بأن دور الثقافة تسليط النور الساطع على الجهل والظلم والفساد

وفي مراجعة للرواية، قال الكاتب الإسرائيلي الشهير ديفيد غروسمان إن ميخائيل يمتلك قدرة قوية على كسر الصور النمطية.

وألّف ميخائيل أكثر من 20 رواية وكتابا للأطفال، بالإضافة إلى مسرحياته ومقالاته ونقده الثقافي. وتحولت بعض كتبه إلى أفلام. وفاز بجائزة هانز كريستيان أندرسن لأدب الأطفال بالإضافة إلى العديد من الجوائز الأدبية الكبرى في إسرائيل. ونال جائزة رئيس الوزراء للأدب العبري مرتين.

ضد العنصرية

قال ميخائيل لصحيفة هآرتس الإسرائيلية سنة 2018 إن دور الثقافة الرئيسي يكمن في “تسليط النور الساطع على الجهل والظلم والفساد”. وأكد أنه شعر بأن عليه اتخاذ إجراءات ضد السياسات الإسرائيلية التي تدفع البلاد “إلى الهاوية”، متذكرا التزام الكتاب والشعراء الصمت في العراق ضد إملاءات الحكومة الظالمة خلال سنوات شبابه.

وأشار إلى أن “التوقيع على العرائض لم يكن كافيا. سيدفع كل المجتمع ثمنا باهظا إن لم يكن تحرك المثقفين ومستهلكي الثقافة حقيقيا”.

وأشاد الرئيس إسحاق هرتسوغ الاثنين بميخائيل، ووصفه بـ”العملاق بين العمالقة” الذي أثرى المكتبات.

وذكرت صحيفة هآرتس أن ميخائيل ترك وراءه طفلين من زواجه الأول، وزوجته الثانية، الصحفية راشيل يونا ميخائيل.

آمن ميخائيل بدور الثقافة والأدب في مواجهة العنصرية أيا كان مأتاها، وهي التي انتشرت في إسرائيل ضد الهاربين بدورهم من العنصرية، وهي مفارقة كرس لها الكاتب مسار حياته وأدبه دفاعا عن الإنسان. لم يكن الكاتب صهيونيا بل عارض هذا التيار.

انتصاره للإنسان على حساب كل الأيديولوجيات جعله على علاقة جيدة مع الفلسطينيين، حتى أنه عارض الحكومات المتعاقبة في إسرائيل. خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى، كان ميخائيل ضمن وفد من المثقفين الذين اخترقوا حواجز جيش الاحتلال الإسرائيلي التي حاصرت الخليل. في عام 1994، تمت دعوة سامي ميخائيل مع الأديب الفلسطيني إميل حبيبي إلى تونس برعاية اليونسكو ووزارة الثقافة التونسية لحضور مؤتمر في قرطاج حول الأدب العربي.

كتب تومر حروق عن ميخائيل قائلا “بصفته خرّيج سنوات الحرب العالمية الثانية، كان ميخائل يعرف بعض الأشياء عن نهاية الأيديولوجيات وعن الإنسان الذي بقي مجردا، ليس من وطنه فقط، بل أيضا من الأفكار القديمة والجديدة التي لا توفر العلاج الشافي لأوجاعه. دولة إسرائيل، التي وصل إليها ميخائيل بعد أن فرّ هاربا من العراق بسبب نشاطه السياسي، طالبته ـ كما طالبت مهاجرين آخرين ـ ‘بخنق اللاجئ الذي في قلبه وتمجيد الصهيوني الذي في روحه’، غير أن ميخائيل لم يكن قادرا على الإذعان لذلك”.

قال ميخائيل  في حدث أدبي عام 2015 في جامعة نورث وسترن “والدتي البيولوجية هي العراق، وأمي بالتبني هي إسرائيل” ثم تابع “أنا أنتمي إلى كليهما”.

وفي تصريح آخر يُعرف ميخائيل نفسه بأنه ناشط سلام، “هناك العديد من التعريفات للحرب في دول مختلفة. حسب تجربتي، أجد أن الحرب نوع من المرض يضر بالجسد والروح ويشوه صور الناس بشكل رهيب. أنا نفسي نتاج ثقافتين (عربية ويهودية)، وحتى يومنا هذا لا أفهم القوة التدميرية التي جلبت الثقافتين إلى المواجهات والموت. يوجد الكثير من الجمال والحكمة في الثقافتين. من السهل جدا أن تكون ذكيا وتعطي النصائح من بعيد، ومن الصعب جدا أن تكون حكيما وعاقلا من داخل النيران”.

فرض ميخائيل نفسه كصوت أدبي مختلف في الشرق الأوسط، وفق تعبير صحيفة واشنطن بوست، سواء داخل المجتمعات اليهودية القديمة في الدول الإسلامية أو بين المهاجرين اليهود إلى إسرائيل من دول مثل العراق واليمن وغيرهما.

◄ صوت أدبي مختلف في الشرق الأوسط
صوت أدبي مختلف في الشرق الأوسط

 

8