ساعات ساعات
أول من أمس كان آخر يوم أحد في شهر مارس. وهو يوم بغيض لا يدانيه بغضا سوى يوم الأحد الأخير من شهر أكتوبر.
لسبب أو لآخر تلعب أقطار كثيرة في كوكب الأرض في هذين الأحدين بالساعات. في آخر أحد من مارس مطلوب من الإنسانية أن تقدم الساعات ساعة واحدة لا لشيء إلا لتعيدها كما كانت وترجعها في الأحد الأخير من أكتوبر.
في الفترة بين الأحدين تكون الساعة زائفة وكذابة عمدا، وتشير إلى الثامنة، مثلا، بينما هي في السابعة. كذب قارح ودون خجل. والكذبة الأخرى التي تلازمنا في السبعة أشهر بين الأحدين هي أن هذا التدليس كله يسمى التوقيت الصيفي. الصيفي نعم. في حين تكون الرياح عاصفة والغيوم مطرها ثقيل والإنسان يرتجف بردا ولا يحضر في ذهنه سوى كلمة "زمهرير" ويسمونه صيفا.
لست أرمي الإنكليز بالكذب دون دليل لكني نشأت في بيئة فيها الصيف صيف. الصيف ليس موعدا في الروزنامة بل هو حر وشمس ساطعة وبطيخ وخيار وقمصان قصيرة الأكمام.
في بلادنا لا يعرّف الصيف بالروزنامة إلا لدى الشرطة والجيش. يلبسون زي الصيف في موعد محدد من العام أظنه منتصف أبريل. بقية الشعب تتعرف على الصيف بالإحساس الذي لا يخيب وينتقل بعضهم للنوم على سطوح البيوت، فالصيف موسم النظر إلى نجوم السماء.
على أي حال، تغيير الساعة ليس أمرا سهلا في العصر الحديث. في الزمن الأجمل كانت هناك ساعة في غرفة الجلوس بها بندول أحيانا. هي التي تضبط وقت البيت كله. ساعة واحدة تغيرها وتنتهي والبقية مجرد ساعات رسغ يتكفل بتغيير أي منها حاملها فقط.
اليوم الوضع مختلف وشرير. يوم الأحد عليك أن تغير ساعات وساعات. البيت مليء بالساعات: ساعة سخان الغاز وأخرى للطباخ وثالثة لدى المايكروويف ورابعة عند لاقط الساتلايت وخامسة في التلفزيون وسادسة في الدي في دي… وهكذا. وكلها ساعات رقمية متعبة.
وتنتبه إلى أن كثرة الساعات لا يضبط الوقت بل يشتت الذهن. ساعة المايكروويف تؤكد أنها السابعة والربع وساعة الطباخ تزعم أنها السابعة والنصف وساعة التلفزيون تقسم بأغلظ الإيمان أنها في السابعة وعشر دقائق، وكل هذا يعني أنها في الثامنة والثلث. لكني كنت سعيدا ببيتي المتواضع وتخيلت ما يكون عليه الأمر في قصر الملكة. في قصر باكنغهام هناك أكثر من سبعمئة وخمسين غرفة.لا شك أن في كل غرفة موقدا مؤطرا فوقه ساعة كما هي عادة بنايات القرن الثامن عشر، هذا غير المطابخ وخلافها. أسعدتني الفكرة ورحت أحسب، بشماتة، الساعات التي تغيرها الملكة في ذاك الأحد الشرير.