ساسة ساخطون على غرفة الأخبار

الخوف من غرفة الأخبار وساكنيها صار مشتركا يشمل ساسة من شتى الملل والنحل وجميعهم يلتقون في ذلك الحلف غير المعلن في رصد الصحافيين وتعقب ما ينشرونه وكتم أقلامهم أو ترهيبهم كلما اقتضت الضرورة.
الثلاثاء 2018/09/25
الخوف من الكاميرا

في عالم السياسة يتبارى البراغماتيون صباحا مساء في ما بينهم، أحزاب تتنافس وساسة يناكفون بعضهم البعض ومعارضة تشاكس الحكومة فضلا عن وجود مساحات شاسعة للاصطياد في الماء العكر.

القصد أن بإمكان السياسي أن يتآمر على خصمه السياسي، يتسقط أخطاءه، يبحث في أسراره وأوراقه الشخصية ليفشيها من أجل الكسب السياسي. كل ذلك يجري تحت السمع والبصر في شتى البقاع.

لكن الأمور ستنقلب بشكل كامل ساعة أن يطأ الصحافي منطقة الساسة المتصارعين، لا المعارضة ترضى ولا الموالاة يهدأ لها بال.

كأنّ الصحافي كائن دخيل أو مكروه وجوده في أجواء سياسية ملوثة بشكل ما من الخديعة للرأي العام التي لا يراد لها أن تظهر للعلن مما يريد أن يقترفه الصحافي.

وما أن تتكامل صورة المستجدات ويجري طبخ القصص الصحافية في غرفة الأخبار لتبث للرأي العام حتى تقوم قيامة بعض الساسة وترتفع درجة حساسيتهم.

ولكي نقرّب الصورة، فلنتابع السجال السائد في أحد أهم معاقل الصحافة عالية الاحتراف في الولايات المتحدة، هنالك سجال مستدام بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي لكن وضع الرئيس الحالي دونالد ترامب ومواقفه وتصريحاته يجعل ذلك السجال ذا اتجاه أكثر حدة.

هنالك قضايا موضع تحقيق بصدد العلاقة مع موسكو وهنالك فضائح جنسية، وهنالك عدم انسجام مع أعلى سلطة قضائية، وهنالك سياسة إشكالية في ما يتعلق بالهجرة وقضايا أخرى، وذلك ركام هائل وموضوعات لا تحصى تقع في قلب اهتمامات الصحافة ووظيفتها.

لكن ما إن تلج الصحافة الميدان وتكتظ غرفة الأخبار بالقصص وتطرح إلى الرأي العام كما هي بلا زيادة ولا نقصان حتى يخرج الرئيس ترامب بتغريداته التي تتهم الصحافة بما لا يخطر على بال من اتهامات، أقلها أنها صحافة غير وطنية وأنها تزيّف الحقائق وغير ذلك.

في تركيا ثمة مشهد مقابل، في جلسة برلمانية حمل زعيم المعارضة وثائق تثبت تحويل الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان والبعض من المقربين منه لأموال ضخمة إلى محميات في أنحاء العالم غير خاضعة للضرائب، كان ذلك كفيلا بإثارة سخط الرئيس فأمر محاميه بمقاضاة زعيم المعارضة وعندما تدخلت الصحافة فقد اتهمت مباشرة بالتواطؤ والخيانة وكانت حصة صحيفة جمهورييت هي الحصة الأكبر من التخوين والطرد من الوظائف وصولا إلى السجن.

وكأن غرفة الأخبار صارت وكرا شيطانيا في نظر بعض الساسة، والصحافي الذي يتداول الحقائق مجرد مشاغب لا بد من أن يرى العين الحمراء من قبل أجهزة الحكم.

في العراق مثلا وفي عهد “الديمقراطية الزاهر” الذي يعيشه البلد الأكثر فسادا في العالم منذ 2003 وحتى اليوم، هنالك قوائم بعشرات الصحافيين الذين تمت مقاضاتهم من طرف سياسيين.

أولئك الصحافيون لم يفعلوا شيئا سوى بث ما يتداوله الساسة أنفسهم من اتهام بعضهم البعض بالفساد المالي والاختلاسات والتعدي على المال العام.

يختزن العراقيون صور العديد من السياسيين الذين يردحون لبعضهم البعض ويتهم بعضهم البعض بالفساد والسرقة، لكنّ الأمر حلال إن كان يجري في ما بينهم وعلى الشاشات، لكنه حرام على الصحافي إن أراد التعليق على تلك المشاهد المزرية وأدى دوره الاجتماعي والوطني والإنساني.

وعلى هذا صار الخوف من غرفة الأخبار وساكنيها خوفا مشتركا يشمل ساسة من شتى الملل والنحل وجميعهم يلتقون في ذلك الحلف غير المعلن في رصد الصحافيين وتعقب ما ينشرونه وكتم أقلامهم أو ترهيبهم كلما اقتضت الضرورة.

محاكم التفتيش ومحاكم النشر واتهامات التشهير والقذف ستبقى تلاحق غرفة الأخبار وساكنيها من الصحافيين (المشاغبين) لكشفهم الحقيقة ولا شيء سوى الحقيقة، وتلك هي تهمتهم الوحيدة التي يفاخرون بها على الدوام.

18