زيارة الزعيم بارزاني إلى بغداد.. الأمور بخواتيمها

الساسة الأكراد يُجيدون تحريك البيادق وفق ما تقتضيه مصالحهم فهم بيضة القبّان في التحالفات السياسية التي تؤسس لحكومات جديدة في بغداد ولوبيات يديرونها في أميركا والغرب.
الاثنين 2024/07/08
أعداء الأمس أصدقاء اليوم

استُقبل الزعيم مسعود بارزاني كما يُستقبل رؤساء الدول حين نزل من طائرته الخاصة في مطار بغداد الدولي، فُرشت له السجادة الحمراء وكان في استقباله كبار الشخصيات من الوزراء والقادة ورجال السلطة.

بعد قطيعة دامت أكثر من ست سنوات كان الشعب يسمع ويشاهد خلافات بغداد وأربيل التي وصلت إلى اتهام الإقليم بجرائم تصل عقوبتها إلى الخيانة العظمى، لكن ها هي طائرة الزعيم أو الرئيس مسعود بارزاني تحط في مطار بغداد.

صحيح أننا تعوّدنا من حكومات بغداد المتعاقبة تغيير مواقفها حسب ما تقتضيه المصلحة والمنفعة، لكن أن يكون التغيير إلى درجة اتهام الإقليم الكردي بالخيانة والعمالة وقصفه بالمُسيّرات والصواريخ من قِبل بعض الفصائل المسلحة حين اتهم الشمال العراقي بإيوائه أوكاراً للتجسس والتخابر الإسرائيلي، لتأتي بعدها صفحة استقبال الزعيم بارزاني في بغداد مثل استقبال الرؤساء، فهو واقع لحال يعكس الانهيار الأخلاقي قبل أن يكون السياسي لنخب لا تفرّق بين السياسة وألعاب خُدع البصر.

استقبله الجميع في المنطقة الخضراء بقصورهم الوارفة حيث لم تخلُ لقاءات الرئيس من مصافحة بعض قادة الفصائل المسلحة الذين كانوا إلى وقت قريب يتّهمون الإقليم بتهريبه النفط إلى إسرائيل.

وكان الرأي العام قد انشغل قبل مدة بقرارات المحكمة الاتحادية التي أفضت إلى اتساع الشرخ بين بغداد والإقليم ووصلت إلى حد اتهام الهيئة القضائية في المركز بعدم دستوريتها.

◄ يومان في بغداد قضاهما الزعيم وهو يتنقل كرئيس دولة من قصر إلى آخر تستقبله حفاوة وبذخ أعداء الأمس أصدقاء اليوم.. لكنها في واقع الحال فصل من فصول مسرحية كوميدية لإشغال الرأي العام

لا أدري بماذا كان يفكر هؤلاء القوم وهم يصافحون بارزاني، وأي تبرير سيُقنعون به جمهورهم بعد قطيعة وصلت إلى حد التهديد باستخدام السلاح ضد الإقليم في زمن حكومات سابقة.

نعترف بأن الساسة الكرد يُجيدون لعبة السياسة ويتقنون تحريك البيادق وفق ما تقتضيه مصالحهم، فهم بيضة القبّان في التحالفات السياسية التي تؤسس لحكومات جديدة في بغداد، والأهم هو تلك اللوبيات التي يديرونها في أميركا والغرب لاستخدامها وقت الحاجة إلى قرار دولي يعزز نفوذ الإقليم للتخلص من سيطرة بغداد على القرار الكردي.

لا يُستبعد بل الأرجح وصول رسائل سياسية “تحذيرية” من خلال ذلك اللوبي إلى القيادة الكردية فحواها أن العراق مقبل على زلزال سياسي فيما إذا تم إقحامه في الحرب التي توشك أن تندلع بين حزب الله وإسرائيل واحتمالية دخول الفصائل المسلحة العراقية طرفاً في النزاع إلى جانب حزب الله، وقد يطال الغضب الأميركي الاقتصاد العراقي من خلال قطع الدولار عن مصارفه وتعريض العراق إلى حصار اقتصادي مشابه لما حدث في التسعينات.

لا يزال المواطن العربي وحتى الكردي يسأل: إذا كان الجميع في نهاية المطاف سيجلسون إلى مائدة الحوار فلماذا كان كل ذلك الصراع والتراشق؟ وهل تنتهي الأزمة بين بغداد والإقليم الكردي بعد زيارة الزعيم مسعود بارزاني إلى بغداد؟

سنكون متفائلين إن اعتقدنا بسيناريو تصفير الأزمات، فقد تعوّدنا في العراق أن الحلول آنية وفق المصالح والأهواء ومن يدري ربما يفاجأ جمهور السلطة بقرار في المستقبل حسب مزاج الحاكم يقلب كل الموازين والاتفاقات.

يومان في بغداد قضاهما الزعيم وهو يتنقل كرئيس دولة من قصر إلى آخر تستقبله حفاوة وبذخ أعداء الأمس أصدقاء اليوم في لعبة يعتقدون أنها سياسية، لكنها في واقع الحال فصل من فصول مسرحية كوميدية لإشغال الرأي العام بأوقات مستقطعة من الصلح والتفاهم بعد أن أشغلوه بأوقات الحرب والقطيعة، وهكذا هو حال العراق والعراقيين، كل يوم هم في شأن.

9