زمن كوفيد يصدم الشباب بتفاصيل حياتهم اليومية

منح وقت الفراغ الطويل بسبب أزمة وباء كوفيد – 19، فرصة للشباب للوقوف مع ذواتهم للتفكير كيف كانوا يقضون ساعات يومهم الأربع والعشرين، ليكتشفوا أن غالبية الوقت يمضي في أنشطة لا تقدم لهم قيمة حقيقية أو تمنحهم إنجازا لتطوير أنفسهم والتقدم في المجال العملي.
تونس - يقول عالِم الاجتماع الأميركي نيكولاس كريستاكيس “نحن محظوظون لأننا نعيش في عصر تساعدنا فيه التكنولوجيا على رؤية أصدقائنا وأفراد عائلتنا والاستماع إليهم، حتى عندما تتباعد المسافات بيننا”، وتضاعفت أهمية ميزة العصر هذه خلال فترة الحجر الصحي خصوصا في الفترة الأولى، لكن سرعان ما ظهر التساؤل بين الشباب “ثم ماذا بعد؟”.
منحت فترة التباعد الاجتماعي للشباب فرصة التفكير الجاد في طبيعة حياتهم وكيف يمضي الوقت في الأيام المعتادة دون استثمار حقيقي، ففي غمرة الانشغال بالكثير من الأمور، بدءا من المقهى إلى مشاهدة التلفزيون والمباريات الرياضية إلى الإبحار في مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت غابت المواهب الإبداعية والأنشطة الجادة والأفكار الخلاقة.
قيمة الوقت
يشير محمد المجالي طالب في كلیة العلوم الاجتماعیة في تونس، إلى أن “أغلب الشباب كانوا یقضون أوقاتهم في الجلوس بالمقاھي لفترات طویلة یتبادلون الأحادیث التي تصل إلى حدّ الشجار وتبادل العنف إذا ما احتدم النقاش في مواضیع هي أصلا ليست ذات قيمة، ثم يقضون ما بقي من الوقت على الإنترنت والكثير منا لم يكن يجد وقت فراغ للجلوس مع العائلة”.
توسع العالم في جميع نواحي الحياة، وجميع الناس لديهم نفس عدد ساعات اليوم الأربع وعشرين ساعة، ويتلقى أنجح الناس وأفشلهم نفس الحصة من الوقت كل يوم. لكن الفرق يبدو شاسعا بالنسبة إلى غالبية الجيل الجديد الشباب في نظرته إلى قيمة الوقت والأنشطة والهوايات التي يستخدمها لاستغلال الزمن في هذه المساحة اليومية من الزمن.
يوضح المجالي أن مسألة الاهتمام بالوقت “غائبة” عن معظم شباب الجيل الحالي، فأكثرهم عندما يريد تنظيم وقته وتخطيطه لا يتجاوز الـ24 ساعة القادمة فقط أي أنه يرتبه من نهاره إلى ليله، وليس كما يفعل آخرون في تنظيم أوقاتهم لمدة سنوات أو شهور، مشيرا إلى أن أهم الأسباب في ذلك هو أن الشاب عندما يريد تنظيم وقته يجد جميع المحيطين به غير مهتمين به مثله.
وأضاف أن غالبية أصدقائه يرددون جملة مفادها “نحن كشباب لم نجد الوظائف ونشكو من الفراغ القاتل ولن يفيدنا تنظيم الوقت في شيئ، فجميع أوقاتنا فارغة ولا داعي لترتيبها”.
في المقابل يرى المتخصصون في علوم الاجتماع أن إدارة الوقت دورها حاسم في هذا العصر الذي تعددت فيه مطالب المهنة وتنوعت احتياجات العائلة وتزايدت الضغوط الاجتماعية. والثورة التقنية وانفجار المعلومات خلقا التسارع المرهق في سوق المنافسة الضخم، لذلك يتحتم على الجيل الجديد الاهتمام والتركيز على إدارة الوقت، وعلى ضرورة معرفة خطط وآليات وطرق ووسائل إدارة الوقت، وكذلك إفراد مساحة لعرض أنواع إدارات الوقت وتطبيقاتها في مجالات مختلفة.
هوايات غريبة
هناك عدة أمور يمكن للشباب القيام بها لاستثمار الوقت؛ تبدأ بالتخطيط، وتحديد الأهداف، وتحديد الأولويات، والتقييم والمحاسبة والرقابة، مع ملازمة التركيز والتوازن، وتجنب التشويش والارتباك، والمشكلة الأكبر التي ينبغي تجاوزها هي التغلب على التأجيل والمماطلة بحجة أن الوقت لدينا طويل.
ويتحدث أحد المسؤولين في شركات التوظيف عن أغرب الهوايات التي لا معنى ولا قيمة لها ترده في السير الذاتية لطلبات التوظيف من قبل الشباب، من بينها هواية مشاهدة التلفزيون، ويُبدي استغرابه ممن يفكّر في إضافة “مشاهدة التلفزيون” إلى قائمة الهوايات! فمن من الناس لا يشاهد التلفزيون في أوقات فراغه؟ وما الأمر المميز الذي تضيفه إلى الشاب في خضم المنافسة القوية بين المتقدمين لذات الوظيفة.
ويتابع قائلا “وآخر يدرج تربية الحيوانات ضمن الهوايات، فماذا سيقدم حب العناية بالحيوانات الأليفة في أوقات الفراغ من قيمة إضافية إلى العمل والإنتاج في الحياة؟”.
ولا يجد بعض الشباب حرجا من ذكر هواية إمضاء الوقت مع الأصدقاء، لتناول الطعام والشراب في المطاعم والمقاهي.
مسؤول توظيف: ماذا سيقدم حب العناية بالحيوانات الأليفة في أوقات الفراغ من قيمة إضافية إلى العمل
وأفادت دراسة حديثة أن الشباب السعودي يتمتع بأوقات فراغ طويلة جدا، يذهب 55 في المئة منها في الأنشطة الاجتماعية، في حين تحتل مشاهدة التلفزيون ما نسبته أكثر من 56 في المئة، بينما تأتي الأنشطة الإنتاجية في ذيل القائمة.
وأشارت الدراسة إلى أن الشباب السعودي الذي لديه أوقات فراغ بين سبع إلى 12 ساعة يوميا بلغت نسبتهم 24.2 في المئة للذكور مقابل 15.3 في المئة للإناث وأن الذين لديهم وقت فراغ بين ساعتين إلى ثلاث ساعات يوميا بلغت 28.1 في المئة من الإناث مقابل 18 في المئة للذكور.
وأوضحت الدراسة التي قام بها مركز “أسبار” أن الذكور أكثر معاناة مع مشكلة وقت الفراغ. وفي ما يتعلق بالأنشطة التي يمارسها الشباب خلال أوقات فراغهم فقد تبين أن الأنشطة الاجتماعية تحظى بنصيب الأسد؛ حيث أوضح 55.1 في المئة من الشباب أنهم يلتقون بأصدقائهم خلال أوقات فراغهم، و45.7 في المئة يقومون بزيارة الأقارب، و32.7 في المئة يمارسون الدردشة بالهاتف و24.3 في المئة يذهبون للاستراحات، وأخيرا 10.1 في المئة يرتادون المقاهي، علما أن بعض تلك الأنشطة تقتصر على الذكور ولا تنطبق على الإناث.
وحلت مشاهدة التلفزيون في المرتبة الأولى بما نسبته 56.3 في المئة، ثم استخدام الإنترنت بنسبة بلغت 37.7 في المئة، تليها نسبة مقاربة القراءة التي يمارسها 37.3 في المئة من الشباب، وتأتي الأنشطة الدينية في الموقع الثالث حيث يمارسها 18 في المئة من الشباب.
هوايات قاتلة
وانضمت إلى الأنشطة الذهنية والبدنية إضافة إلى ممارسة الرياضة، ألعاب الكمبيوتر، ثم التجول في الأسواق، والتجول بالسيارة، يلي ذلك السفر والسياحة ثم لعب الورق، وأخيرا التفحيط والتطعيس وهما نشاطان يرتبطان بقيادة السيارة.
ويصنف التفحيط من ضمن الهوايات القاتلة فقصصها كثيرة وضحاياها كذلك كثيرون، يحلو لممارسيها تصوير أنفسهم كأبطال بألقاب مثل هتلر وهولاكو وجهيمان رغم أنهم متخفين باللثام، وهم يمارسون هوايات الموت في أماكن غير مهيأة وبسيارات تفتقد لوسائل السلامة أحيانا كثيرة، تنقلب عليهم وعلى جمهورهم وجميعهم لا تتجاوز أعمارهم العشرين.
وتقوم هذه الهواية القاتلة على الاستعراض حيث يقود السائق سيارته بسرعة جنونية ثم يغير اتجاهها طولا أو عرضا في شوارع على أطراف المدن أو داخل الأحياء.
وتحوّل التفحيط إلى ظاهرة مقلقة في المجتمع السعودي، إضافة إلى صعوبة تنظيمها وكثرة ضحاياها وتجاوزها إلى ترويج مخدرات وتراشق بالرصاص وتفاخر بالأنساب، وللتفحيط جمهور كبير من الشباب تجمعهم سيارة “المفحط” وتفرقهم سيارة المرور.
ومن ضمن الهوايات الخطرة التي لا طائل منها ولا تحمل قيمة مضافة للشباب “التزلج على الإسفلت” حيث يتزلج الشاب على الإسفلت من دون زلاجات (ألواح) ولا رداء خاص ثم يمسك باب السيارة خارجا منها وقدماه بالأرض بسرعة تتجاوز 140 كلم في الساعة.
وفي نوع آخر يقوم مجموعة من الشباب بامتطاء سيارة دفع رباعي والسير بها على إطارين ثم يقوم من بداخلها باعتلاء جنبها وفك وتركيب إطاراتها دون أن تلامس الأرض.
كما يمضي البعض أوقاتهم في صعود الكثبان الرملية المرتفعة بأنواع مختلفة من السيارات ويسمى بين الشباب بـ”التطعيس”.
ودعا مختصون سعوديون مرارا إلى تنظيم الظاهرة وإبعاد خطرها إلى ميادين خاصة، وتشجيع المستثمرين لرعايتها والحد من طاقات الشباب المهدرة، من خلال إنشاء الأماكن المناسبة والآمنة للشباب لممارسة الهوايات مع تطبيق القانون.
لكن بعض الشباب يقولون إنه من الصعب تنظيمها، فالهاوي سيلتحق بالميادين ليتدرب حتى إذا أتقنها مارسها خارجيا. وأضاف؛ والميادين القانونية لا تشبع رغبة “المفحط” الذي يمارس التفحيط في الشهر أكثر من مرة ولا تمنحه الشهرة بسرعة.
ويتفق الجميع على أن الدافع الرئيسي للشباب في ممارسة هذه الهوايات هو حب الشهرة والاستمتاع بالمغامرة وإدمان نشوة الانتصار.
موروث اجتماعي
ومن ضمن الأنشطة الإنتاجية التي ينهمك الشباب فيها خلال أوقات فراغهم حلت الأنشطة المنزلية في المركز الأول، تلي ذلك ممارسة العمل الإضافي، وأخيرا أعمال إنتاجية أخرى غير محددة.
وخلصت نتائج دراسة “أسبار” أن الإناث يبدين تقديرا أكبر للفراغ، ويعتبرنه مشكلة، حيث أشارت النتائج إلى أن 33.3 في المئة منهن مقابل 30.6 في المئة من الذكور يرون أن الفراغ مشكلة مهمة جدا.
وتتحمل الموروثات الاجتماعية جزءا من المسؤولية في هذا الأمر، فالمعضلة الكبرى لدى المجتمعات العربية ومن ضمنها الشباب أنّهم لم يكتشفوا بعد أنّ الوقت ثروة من الممكن استثمارها في تحقيق المزيد من فرص التقدم، ما يعني أنّ الجانب الاقتصادي يدخل في المعادلة التي لا نوليها كثيرا من الاهتمام، ما يتطلب وعيا ثقافيا وعلميا بأهمية الوقت وأهمية استغلاله جيدا، فالاستفادة من الوقت هي التي تميز، ما بين الناجح والفاشل في هذه الحياة.
ومن أهم أسباب الفراغ غياب ثقافة إدارة الوقت في المجتمع، والثقافات الاجتماعية المتوارثة التي يجب أن يعاد النظر فيها وتحويل وقت الفراغ من الجانب السلبي إلى الجانب الإيجابي يجب أن تتضافر فيه عدة جهات من بينها جهات حكومية ذات علاقة بالشباب والعمل وجهات أهلية ممثلة في القطاع الخاص.
ويجب على تلك الجهات وضع برامج وتنفيذها لتحجيم ظاهرة وقت الفراغ السلبي لدى الشباب من الجنسين وهي جانب من المسؤولية الاجتماعية على تلك الجهات وضرورة مجتمعية. حيث يؤكد الاختصاصيون التربويون أن الاستفادة من وقت الفراغ تسهم في تكوین شخصیة الشاب تكوینا سلیما معافى وبخاصة فئة المراھهقین إذ أن ھهذه الفترة تعد غنیة بالانفعالات والعواطف كما أنها غنیة بفرص اكتساب المهارات والمعلومات والمعارف والنشاطات المختلفة. ويحذرون من أن التفكیر الذي یجمد العقل یأتي على صاحبه بالمشاكل والهموم.