زمن السلم والحرب

مورينهو اليوم ليس مورينهو الأمس، حتى مع ألد أعدائه بات مسالما ووديعا، تتذكرون جيدا مشكلاته السابقة مع فينغر وتعمده استفزازه في كل مناسبة، اليوم تغيرت طريقة مورينهو مع عدو الأمس.
الأحد 2019/03/31
أكثر حكمة ورصانة

خوزيه مورينهو مدرب يثير الضجة والاهتمام دوما، هو ظاهرة بأتم معنى الكلمة، هو استثنائي بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

مدرب شقّ طريقه بثبات ونجاح خرافي، كان يعمل في بداياته مترجما ضمن الجهاز الفني لنادي برشلونة، تلك التجربة علمته أصول “اللعبة” فأتقن مفرداتها ومعانيها وأصولها.

تجرأ بعد ذلك وولج عالم التدريب، كان معتدا بنفسه وواثقا كثيرا في قدرته على التغيير والتأثير، والأهم من ذلك النجاح.

كان له ما أراد في تجربته البرتغالية مع نادي بورتو، فخلال السنوات الأولى من هذه الألفية الثالثة بلغ مع هذا الفريق عنان السماء والمجد الأوروبي فقاده إلى التتويج بأمجد الكؤوس في القارة العجوز.

تحول بعد ذلك إلى مدرب عالمي معروف، تخلى عن صفة المدرب الشاب المغمور ليرتدي عباءة نخبة الفنيين في أوروبا، فتهافتت عليه الفرق القوية والطامحة لصنع المجد، لتكون التجربة الأكثر إثارة مع نادي تشيلسي الإنكليزي الذي قاده إلى منصات التتويج المحلي بعد غياب طال ردحا طويلا من الزمن.

نجاح تلو الآخر هكذا كانت مسيرة مورينهو، كان يمشي واثق الخطوات، سار على درب البطولات والتتويجات، فبعد المحطة الإنكليزية الموفقة مع تشيلسي اختاره نادي إنتر ميلان الإيطالي كي يساهم في تحقيق مشروعه الرياضي ويغزو أوروبا وهو الخبير بثناياها وخفاياها.

وكم كان “السيبشيال وان” استثنائيا في تلك التجربة الإيطالية المدهشة، لقد حصد النجاح المنشود وبلغ المراد والمقصود ونال اللقب الأوروبي المجيد.

مجد استمر وحصاد وفير كان دوما في الانتظار، فمورينهو هذا المدرب المطلوب حط رحاله في العاصمة الإسبانية مدريد ليخوض تجربة فريدة مع الريال، كانت خلالها النتائج جيدة رغم أن أوروبا خذلته فاستعصت عليه “محبوبته” صاحبة الأذنين الطويلتين.

عاد مورينهو بعد ذلك إلى إنكلترا وأطل برأسه مع تشليسي من جديد، لقد ساهمت عودته في إعادة التوازن للفريق واستطاع أن يعيده إلى طريق البطولات فحاز معه لقب الدوري الممتاز، بيد أن التجربة انتهت سريعا قبل أن يحط الرحال في مانشستر، فقاد اليونايتد للقب قاري ضمن مسابقة الدوري الأوروبي، غير أن ذلك لم يكن كافيا أو لنقل مرضيا للفريق الذي كان يأمل أن يستعيد مع هذا المدرب ذكريات ماضي السير أليكس فيرغسون.

ليغادر مورينهو مانشستر الذي كان آخر فريق يدربه، لكن لن يكون الأخير، فمورينهو يريد المزيد ويطمح للبقاء دوما في بقعة الضوء مع الصفوة، مورينهو ما زال يسعى للكسب والمجد وتحقيق النجاح.

هكذا كانت مسيرة هذا المدرب البرتغالي، هكذا كانت نتائجه ومحصلته طيلة أكثر من خمسة عشر عاما من التدريب جعلته يكتسب صفة المدرب الاستثنائي، بيد أن مورينهو كان استثنائيا في كل شيء، ليس في طريقة تدريبه وأفكاره، ولا في نجاحاته، بل أيضا في تصرفاته وممارساته وتعاملاته مع الأطراف المحيطة به ومع المنافسين.

مورينهو كان رجل “حرب” بأتم معنى الكلمة، كان لا يتورع في خوض معارك مع الخصوم، سلاحه الأول لسانه السليط وأسلوبه المستفز..

طبعا وكيف لمترجم سابق ألاّ يكون فصيحا نبيها وقادرا على بث إشارات مستفزة لمنافسيه، وموهبة الاستفزاز هذه جعلته يكتسب صفة الاستثنائية.

مسيرته لم تخل أبدا من المعارك والحروب الكلامية، كان جريئا إلى درجة التقليل من قيمة منافسيه، كان يهوى المعارك والخصومات.

ولعل التاريخ سيحتفظ بما فعله مورينهو مع المدرب السابق لأرسنال أريين فينغر، إذ كان حريصا على التقليل من قدراته والحط من موهبته التدريبية، كان يصفه بالمدرب الفاشل، وكثيرا ما افتعل معه المشكلات إلى درجة بلغت حد التشابك بالأيدي. حصل الأمر ذاته مع المدرب بيب غوارديولا عندما كان الأخير يشرف على برشلونة، حصلت مشكلات واستفزازات مع أغلب المنافسين.

لقد كانت لدى مورينهو قدرة عجيبة على استفزاز المنافسين والتقليل من شأنهم، إذ دأب على اعتماد هكذا أسلوب، فهو يدرك أن المعارك قد تكسب أولا خارج الميدان وقبل الصدام.

بدا وكأنه رجل حرب يدرس المنافسين جيدا ويعمد إلى التأثير فيهم بطريقته الخاصة وتصريحاته المستفزة، هكذا كانت تدار الحروب لدى مورينهو.

أما اليوم فقد تغير كل شيء لدى مورينهو، لقد بدأ يميل نحو الهدوء والسكينة، بات أكثر رصانة وتعقلا، لم يعد يشن الحروب أو يدلي بتصريحات مستفزة أو أحاديث متهكمة، بل العكس هو الصحيح.

فمورينهو اليوم ليس مورينهو الأمس، حتى مع ألد أعدائه بات مسالما ووديعا، تتذكرون جيدا مشكلاته السابقة مع فينغر وتعمده استفزازه في كل مناسبة، اليوم تغيرت طريقة مورينهو مع عدو الأمس.

اليوم أصبح يذكر فينغر بكل خير، بل الأكثر من ذلك فإنه تحسر كثيرا على رحيل فينغر عن أرسنال بعد سنوات طويلة، ووصفه بأنه مدرب أسطوري ومميز، أما علاقته مع غوارديولا فقد غدت مثل “السمن على العسل”، لم يعد يذكر خصومه بأي سوء.

بعد رحيله مؤخرا عن مانشستر ربما أيقن مورينهو أنه بحاجة إلى الهدوء والسلام النفسي، بات يشعر بأنه يجب أن يكون أكثر حكمة ورصانة ويتعين عليه أن يكون أكثر عدلا مع الآخرين.

لقد انتهى زمن الحرب لديه، وحلّ عهد السلم، فلا داعي البتة إلى المزيد من الخصوم والمعارك بعد اليوم.

23